لايزال الجدل مستمر حول قانون التجارب السريرية، بعدما أعاده الرئيس السيسي مرة أخرى إلى البرلمان لمناقشته، حيث اعترض الرئيس على بعض المواد، وتجرى لجنة مشكلة من قبل رئيس الوزراء من أعضاء من مجلس النواب، ووزارة التعليم العالي ووزارة الصحة، للنظر في المواد محل الخلاف تمهيدًا لإقراره في دور الانعقاد الحالي.
فالتجارب السريرية والأبحاث الإكلينيكية، هي التي يسمح من خلالها بإجراء التجارب الدوائية من قِبل شركات الأدوية والمؤسسات البحثية على المواطنين، فهي دراسات استكشافية تنطوي على التعرض البشري المحدود جدا للدواء، مع عدم وجود أهداف علاجية أو تشخيصية، الأمر الذي جعل هناك تخوفات من أن يصبح المواطنين فئران تجارب.
البرلمان يقر القانون
في مايو 2018، أقر مجلس النواب مشروع القانون المقدم من الحكومة، بشأن تنظيم البحوث الطبية الإكلينيكية المعروف بـ"التجارب السريرية"، لينهي بذلك الجدل الضخم الذي سببه المشروع سابقا، حيث أكد علي عبدالعال، رئيس البرلمان، أن مشروع القانون يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي، ويدعم صناعة الدواء المصرية التي تتمتع بالسيادة في هذا المجال، مؤكدًا أنه لا يمكن أن ينجح أي دواء دون إجراء تجارب وفقًا للمعايير المستقرة، التي يجب مراعاتها في أحكام مشروع القانون.
الرئيس يعيد القانون للمجلس
بعد أن أقر البرلمان القانون وأرسله إلى رئيس الجمهورية لإبداء الرأي والتصديق عليه، وفي سابقة هي الأولى من نوعها يشهدها مجلس النواب، أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسي، القانون للمناقشة، وأبدى 15 ملاحظة على القانون .
السيسي يعترض على بعض المواد ويطالب البرلمان بإعادة المناقشة
حيث اعترض الرئيس السيسي على عدد من النقاط بمشروع القانون، ذكرها في خطابه الموجه للبرلمان، وكانت أبرزها المواد الخاصة بصلاحيات المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية، التي جاءت بالمواد "4-5-9-11-20-22"، واشترطت موافقة المجلس الأعلى والجهات القومية والرقابية وجهاز المخابرات العامة على بروتوكول البحث وكذلك التفتيش عليه قبل إجراءه، وهو أمر سيعطل البحث العلمي في مصر في ظل الأعداد الكبيرة للبحوث سنويا سواء الخاصة برسائل الماجستير أو الدكتواره أو غيرها، وبالتالي يستحيل متابعة كل هذه الأبحاث من خلال المجلس الأعلى إلا من خلال اللجان المؤسسية.
تشكيل المجلس الأعلى للبحوث الطبية الإكلينيكية
يأتي ذلك بالإضافة إلى المادة 8 من مشروع القانون، الخاصة بتشكيل المجلس الأعلى للبحوث الطبية الإكلينيكية، حيث تضمن التشكيل طبقا للقانون 4 ممثلين فقط يختارهم وزير التعليم العالي والبحث العلمي من أصل 15 عضوا، على أن يتولى الأمانة العامة للمجلس رئيس الإدارة المركزية للبحوث الطبية بوزارة الصحة، حيث جاءت هذه البنود برغم من أن ما يجري داخل وزارة الصحة من بحث علمي عددا ضئيلا جدا من البحوث التي تجرى سنويا.
وشملت الاعتراضات "المواد العقابية" بمشروع القانون، حيث لم تضع في اعتبارها طبيعة البحث العلمي، على حسب ما جاء بخطاب الرئيس، واعتبرت المخالفات متساوية بجميع البحوث الطبية بعيدا عن نوع البحث، وهو ما يمكن أن يحدث حالة رعب بين البحاثيين سيؤدي إلى الإعراض عن البحث العلمي في مصر.
إرسال العينات للخارج
فضلا عن حظر مشروع القانون إرسال أي عينات بشرية للخارج بدعوى الخوف من استخدام هذه العينات لإجراء بحوث على جينات المصريين، وهو أمر غير واقعي، خصوصا أن هناك 10 ملايين مصري بالخارج، ويمكن بسهولة عمل هذه الأبحاث، كما أن إرسال العينات للخارج يمكن أن يكون الغرض منه الاستفادة من أجهزة وإمكانيات غير موجودة داخل مصر.
البرلمان يوافق على التعديل
ومنذ ذلك الحين، أدرج البرلمان في دور انعقاده الرابع مهمة تعديل القانون، حيث يعكف على ذلك، ففي أكتوبر الماضي، وافقت اللجنة العامة بمجلس النواب، على رسالة الرئيس عبدالفتاح السيسي بالاعتراض على مشروع قانون "التجارب السريرية".
وأوصت بإعادة دراسة مشروع القانون في حدود النصوص والأحكام المعترض عليها، وذلك مع مراعاة التوافق مع المبادئ الدستورية والتشريعية، وتحقيق أقصى درجة ممكنة من التوافق حول النصوص الخلافية، وأن يعمل التشريع على تعظيم الاستفادة من البحث العلمي وضمان حماية المشاركين في العملية البحثية، وعلى أن يحرص المشروع على عدم إتاحة فرصة للمتربصين لإثارة البلبلة خلال الفترة الراهنة.
اعتماد البحث في دولة المنشأ
وكان لنقابة الأطباء رأي في مشروع القانون المقدم، وذلك من خلال ملاحظات قدمها الدكتور إيهاب طاهر، عضو مجلس نقابة الأطباء، على مشروع القانون، حيث قال إن الدولة بحاجة إلى صدور قانون التجارب السريرية، لتنظيم التجارب الطبية على البشر حتى لا يضار المواطن المصري وحتى لا تصبح مصر حقل تجارب للجهات الأجنبية، فالأمر يمس الأمن القومي المصري بصورة مباشرة.
وكشف عضو المجلس، في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، عن عدة ملاحظات يجب أن تراعى بقانون التجارب السريرية ، وهي أنه في حالة الأبحاث الطبية العالمية ، يجب اعتماد البحث في دولة المنشأ، حتى لا يتحول المريض المصري لحقل للتجارب، فالدستور يحرم الاعتداء على جسد الإنسان.
أكد "طاهر" على ضرورة أن يتوافق البحث والتدخل الطبي مع المعايير العالمية والسريرية لسلامة المريض (GCP)، مشيرًا إلى ضرورة أن تقام عمليات التدخل البحثي والطبي فى المستشفيات الجامعية والمراكز البحثية والتعليمية الحكومية ، ولا يتم السماح لأى مراكز خاصة بعمل أبحاث إلا بالمشاركة مع جهة حكومية.
ونوه على ضرورة أن يخضع القانون لشروط المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية في مادته، التي تؤكد على ضرورة أن يكون مستقل يتبع رئيس الوزراء، كما يجب مراعاة التمثيل المتوازن بين وزارة الصحة والجامعات ومراكز البحث العلمي ، مع تمثيل نقابات المهن الطبية.
وكذلك أن تكون اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث الطبية بكل جهة بحثية في المادة( 10 ): والتي تنص على ضرورة أن تكون تابعة ومسجلة بالمجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية وليس لأى جهة تنفيذية، مع النص على ضرورة تحليل المواد قبل تجريبها علي المصريين حتى لا تكون بها مواد ضارة أو سامة.
وأوضح عضو المجلس على ضرورة وضع شروط حاكمة لاختيار المبحوثين؛ لمنع الوسطاء والسماسرة الذين يستغلون المواطنين الفقراء، وأن تخضع رسائل الماجستير والدكتوراه بالجامعات فقط لرقابة اللجنة المؤسسية لأخلاقيات البحوث بالجامعة.
ولفت على أهمية نشر كل البروتوكولات الخاصة بالتجارب التي يوافق عليها المجلس الأعلى لأخلاقيات البحوث الطبية على موقعها الرسمي، لضمان شفافية الإجراءات وحماية المبحوثين، كما يجب نشر النتائج السلبية للتجارب، وعدم فرض عقوبات على الباحث في حالة فشل البحث (طالما اتبع القواعد العلمية فى البحث)، ويكتفي بتعويض تدفعه شركة التأمين للمبحوث فى حالة حدوث ضرر له.
تشريعة البرلمان تعلق
وعن آخر ما توصلت إليه الجنة التشريعية بمجلس النواب، بشأن القانون، قال النائب محمد نبيل الجمل، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب، إن هناك لجنة مشكلة من قبل رئيس الوزراء، لمناقشة المواد محل الاعتراض بقانون التجارب السريرية، التي ذكرها الرئيس السيسي في تقريره المقدم إلى مجلس النواب حول المواد محل الخلاف بالقانون.
وأوضح وكيل اللجنة في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أن اللجنة حتى الآن لم تنتهي من تقريرها بشأن تعديلات القانون ، فحتى الآن لم ترسل اللجنة التعديلات التي أجرتها على القانون إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب لمناقشتها وإبداء الرأي حولها تمهيدا لإقرار القانون.
وأضاف "الجمل" أن مشروع القانون يتم دراسته من قبل اللجنة المُختصة، واللجنة التشريعية بالبرلمان تنتظر أراء الجهات المعنية بالأمر والوصول إلى نقط اتفاق مشتركة بالمشروع لضمان تحقيق القانون الأهداف المرجوة منه.
تعديلات القانون
قال الدكتور محمد العماري، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، وعضو اللجنة الحكومية الُمشكلة لمناقشة ملاحظة الرئيس على تعديلات قانون التجارب السريرية، إن اللجنة اجتمعت مرتان لمناقشة المواد محل الخلاف بالقانون، وحتى الآن لم تنتهي اللجنة من المناقشة، كما أنه لم يحدد الموعد النهائي للانتهاء من مناقشة المواد محل الخلاف.
وحول المواد محل الخلاف، ذكر رئيس اللجنة في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، إن وزارة التعليم العالي، اعترضت على مواد العقوبات بالقانون، بالإضافة إلى اعتراضها على تمثيلها بالقانون، وأن تمثيل وزارة الصحة أكثر من تمثيلها، كما كان هناك اعتراض على سفر العينات للخارج لإجراء الأبحاث، فالمعترضون يرون أن إرسال العينات للخارج سيمكن الدول الأخرى من معرفة الأمراض المنتشرة بمصر، وكذلك التعرف على جينات المصريين، وهو ما كان الرد عليه بأن هناك ما يقرب من 8 مليون مواطن مصري في الخارج، وإذا رغبت هذه الدول في إجراء التجارب على المصريين بالخارج ستفعل، بالإضافة إلى أن هناك خبراء أجانب بمصر، قد يقوموا بإجراء تجارب إكلينيكة على المصريين، فهذا النظام متبع في كل دول العالم.
وحول الدور الذي يمارسه القانون بعد صدوره ، ذكر "العماري"، أن صحة المصريين مسألة خلافية ونحن بحاجة منذ فترة طويلة إلى هذا القانون، الذي سيوفر مصدر جديد للدخل القومي، بالإضافة إلى حماية المواطنين من التجارب التي تتم وقد تؤثر على صحتهم، منوها إلى أن القانون سينظم إجراء التجارب الإكلينيكة، بشكل علني وقانوني منظم، كما سيساهم في تطوير صناعة الدواء، وتوفير المادة الخام لصناعته، فهو بداية لتنظيم إجراء الأبحاث والتجارب المعملية.
وعن القلق من استخدام عينات المصريين في الخارج استخدام سيء أكد رئيس لجنة الصحة أن إجراءات العينات وفقا للقانون ستكون وفقا لعقد واتفاق مبرم، بين الشركة التي تجري سحب العينات، ورعاة البحث والمؤسسات البحثية حتى لا تتجاوز وتقوم بإجراء تجارب جينية أو غيرها.
عقبات البحث العلمي
قالت الدكتورة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، إن هناك العديد من العقبات في قانون التجارب السيريرية، تواجه البحث العلمي، منها عدم تطرق القانون ‘لى البحوث العالمية في هذا المجال، والضوابط التي تتم في هذه البحوث، وكذلك هناك اعتراضات على اللجان التي يتم تشكيلها لمناقشة هذه الأبحاث، وتخوفات من أن يكون بها أشخاص غير متخصصين قد يعرقلوا الأبحاث العلمية.
وأضافت "نصر" في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، هناك اعتراض بالقانون على إرسال العينات للخارج، وهو ما سيؤدي إلى انحسار دراسة الأمراض الموجودة في مصر على التجارب التي تتم داخل مصر دون الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، فسيحرم القانون الباحثين من التعرف على التجارب العالمية في هذا المجال.
القانون خاص بالمبحوثين
قالت الدكتور إيناس عبد الحليم، وكيل لجنة الصحة بمجلس النواب، إن قانون التجارب السريرية، تقدمت به الحكومة وليس مجلس النواب، وأن القانون أعُد لحماية المبحوثين الذين تجرى عليهم هذه التجارب، نافية ما يتردد بأن القانون سيعرقل عمل الباحثين والمراكز البحثية بقولها إن القانون متعلق بالمبحوثين وليس له علاقة بباحثي الماجستير والدكتوراه.
وأضافت النائبة في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أنه منذ عام 2005، تم تشكيل لجنة بوزارة الصحة لحل مشاكل الأبحاث التي تتم وفقًا لتقديم طلب للمؤسسات البحثية كالجامعات، واطلاع هذه الجهات على الأبحاث قبل البدء فيها، حتى لا يصبح المصريين فئران تجارب.
وأِشارت النائبة، أن هذه اللجنة أكدت مراعاتها للمعايير العالمية الموضوعة في التصديق على هذه الأبحاث الأكلينيكة، ومنها القوانين الموضوعة في دول السعودية والأردن وتركيا وباقي دول العالم.
وأشارت وكيل اللجنة، إلى أنه خلال مناقشة القانون داخل البرلمان، كان هناك اعتراض على مادة العقوبات بالقانون، والتى وصلت للحبس فالبعض طالب بالاكتفاء بالغرامة المالية وإلغاء عقوبة الحبس والبعض الآخر رأى أن العقوبة المادية غير رادعة خاصة أن هذه الأبحاث تؤثر على صحة المواطنين.
وأشار النائبة، إلى أن القانون تم الانتهاء من مناقشته فعليًا ولن يأخذ وقت في المناقشة من قبل اللجنة المُشكلة من قبل رئيس الوزراء، لنظر ملاحظات الرئيس، فاجتماعات اللجنة الآن من أجل تقريب وجهات النظر وليس إضافة تعديلات جوهرية بالقانون.
التعليم العالي يشترط الموافقة على تعديلات الرئيس
قال الدكتور حسام عبد الغفار، أمين المجلس الأعلى للجامعات لشئون المستشفيات الجامعية، إن قانون التجارب السريرية هام جدًا والدولة بحاجة إليه لتنظيم وتشجيع البحث العلمي، فأي دولة لابد أن تشجع البحث العلمي الذي يضمن حقوق الباحثين، مشيرًا إلى أن القانون أخُذ عليه بعض الملاحظات، أُعدت من قبل الباحثين والمتخصصين بالتعليم العالي.
وأضاف "عبد الغفار" في تصريح خاص لـ "بلدنا اليوم"، أن هذه الملاحظات تم إرسالها إلى اللجنة المُشكلة من قبل مجلس الوزراء، للنظر في ملاحظات الرئيس على القانون والتي وجهها الرئيس إلى مجلس النواب لمناقشتها وإبداء الرأي النهائي حولها، مؤكدًا أن مطالبهم بالقانون هي نفس المطالب التي طالب بها الرئيس السيسي البرلمان للنظر فيها وإعادة مناقشتها.
وأكد أمين المجلس الأعلى للجامعات، أن اللجنة التي يترأسها النائب السيد الشريف تدرس ملاحظات المجلس الأعلى للجامعات على القانون وخلال الفترة القادمة سيتم الإعلان عن الموقف النهائي من هذه التعديلات تمهيدا لإرسالها إلى الرئيس لإبداء الرأي فيها .
وأوضح أن البحث العلمي يجرى على البشر وبالتالي لابد أن نحافظ على حقوقهم جراء التجارب التي تجرى عليهم منوها أن القانون من شأنه تنظيم البحث العلمي في إطار قانوني للحفاظ على حقوق المواطنين وخاصة أن البحث العلمي هو أساس تطور المنظومة الطبية، فالأبحاث الطبية تبلغ نحو 18 ألف بحث في العالم يتم مراجعة الأبحاث من خلال لجنة واحدة مؤلفة من 8 أعضاء.
وعن المواد محل الخلاف بالقانون ذكر "عبد الغفار" أن اﻷبحاث الطبية تشمل كل شيء وبالتالي ﻻ يمكن أن تكون الجهة المسئولة عن وضع القوانين هي الجهة المشاركة في إعداد البحث فلتبد أن تكون جهة إجراء البحث جهة مستقلة، عن جهة وضع القانون، مؤكدًا أن القانون استخدم مصطلحات عامة ﻻ تحقق أهداف البحوث الطبية والتجارب الدوائية كما أن المجلس الأعلى للبحوث العلمية لابد أن يكون تابع لمجلس الوزراء وليس وزارة الصحة لضمان اﻻستقلالية وتحقيق الهدف من إنشائه.
وواصل: "إن المجلس الأعلى للجامعات يرغب في صدور القانون بشرط الأخذ بملاحظات الرئيس وتعديلها حتى يحقق القانون النتائج المرجوة منه، والمتمثلة في تشجيع وتطوير البحث العلمي والحفاظ على حقوق الباحثين والمبحوثين.