المشهد هادئ للغاية أمام مستشفى دار الشفاء في منطقة العباسية، الجميع واقفون أمام البوابة الرئيسية، فمنهم من يبكي في صمت والدموع تتساقط من عينه بالكاد، ومنهم من يشبك أصابعه في حديد البوابة، وعيناه ناظرتان صوب نافذة الدور الثاني، الموجود بداخله أسرة العناية المركزة، ولكن الجميع على أمل أن ذويهم سوف يخرجون بعد قليل، ليتعانقوا ويرجعون سويًا إلى منازلهم.
من بين هؤلاء الحضور، سيدة خمسينية، تجلس بجوار حائط المستشفى في بقعة مشمسة، وسانده ظهرها إلى الجدار، وواضعة بين ساقيها كيس كبير، فيما يبدو أنها ملابس، وعيناها تتساقط دموع من عصيرالحزن والألم، فمن الواضح أنها فقدت أعز ما تملك، الجميع يتعاطف معها، فأحدهما يعطيها "منديل"، والفتيات يجتمعن حولها ويواسونها بتلك الكلمات الجميلة التي تطيب خاطرها.
بعد مرور دقائق نجحت الفتيات في إعادة السيدة إلى حالتها الطبيعة، وبدأت تروي تفاصيل الدقائق التي عاشتها في الانفجار الذي نجت منه بأعجوبة، ولكنه خطف فلذة كبدها: "روحت المحطة الصبح مع بنتي، وخلال تواجدنا على الرصيف، كانت ابنتي تبعد عني قليلًا، وفجأة ظهر الجرار على الرصيف، ولم نلاحظ شيء إلا أنه انفجر في الحال، ولكن ستر ربنا كنا بعيد شوية عن القطر".
لحظات الانفجار والاصطدامات القوية، أفقدت السيدة الخمسينية الوعي لدقائق قليلة، إلى أنها أصيبت بحالة من الذعر خلال الهرج الذي عم المكان: "وقع قدامي ناس محروقين خالص وتقريبًا ماتوا في الحال، وساعة ما شوفت المنظر فضلت أصوت وأدور على بنتي".
خلال دقائق توافد رجال الحماية المدنية إلى مكان الحادث بالمحطة، ومعهم سيارات الإسعاف التي تنقل المصابين، إلى المستشفيات المجاور، وعلى الفور: "بتوع الإسعاف شالوا بنتي وحملوها في العربية، كانت فقدت الوعي وفي حروق في جسدها، في إيدها ورجليها وظهرها"، مضيفة: "لو بنتي حصلها حاجة أنا ممكن أموت، هي كل حياتي كنت بجهز في عفشها، فرحها بعد شهور قليلة".
ولم يستطيع محرر "بلدنا اليوم" إلتقاط صور للسيدة، وفقًا للمعلومات التي أصدرها مدير المستشفى بعدم التقاط الصور للمرضى والمصابين، ولكن السيدة ما زالت في انتظار خروج "فلذة كبدها" التي من الواضح ستعيد لها الحياة من جديد.