«الوفد» يعيش على الأطلال..
خبراء: المصالح الخاصة داخل «بيت الأمة» جعلته الأقرب إلى نظام مبارك
سعيد صادق: يجب أن يغير عقلية 1919 لتتواكب مع متطلبات المرحلة وترك الفرصة للشباب
جمال أسعد: يحتاج إلى دماء جديدة تقوده فى الفترة المقبلة.. وفكرة الزعامة لم يعد لها مكان بين المصريين
يمر «الوفد»، الحزب السياسى الأكبر والأقدم فى مصر، منذ إنشاءه عام 1919 على يد الزعيم الراحل سعد زغلول، بأزمات طاحنة، تكاد أن تودى به إلى نهاية المطاف فى المستقبل القريب، وجعل بيت الأمة مثله مثل أى حزب سياسى ضعيف، لا دور له فى الحياة الحزبية، فمن فصل للأعضاء- الأمر الأبرز حالا داخله- وآخره الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، وأحد الشخصيات البارزة فى الحزب، إلى إعلان المهندس أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية بالبرلمان وعضو الهيئة العليا والبرلمانية لحزب الوفد، استقالته، ظل الحزب يترنح فى دوامة الأزمات خلال السنوات الأخيرة الماضية، حينما كان رئيسه الدكتور السيد البدوى، وحتى بعد تولى الرئيس الجديد للحزب، المستشار بهاء الدين أبو شقة، والذى مضت على ولايته قرابة الـ6 أشهر، مما جعل الكثيرين يتوقعون قرب انتهاء سيطرة الوفد على الساحة السياسية، وربما الزوال عنها بشكل نهائى.
"العقلية الحالية التى يتعامل بها زعماء حزب الوفد، هى تلك التى كانت موجودة لدى قادة الحزب منذ تأسيسه عام 1919".. هكذا رد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، مؤكدا ضرورة حدوث تغيير فكرى فى اتخاذ القرارات، يتواكب مع المرحلة الحالية ومتطلبات الشارع المصرى.
وأوضح «صادق» أن الوفد يعيش على الماضى وسمعة قاداته السابقين، والقادة الحاليين ليس لديهم جديد لتقديمه للحزب، لافتًا إلى أن الوفديين الحالين أغلبهم من المسنين، الذين يبعدون الحزب عن المشهد السياسى، كما أنهم لا يستطيعون أن يجذبوا الشباب المصرى، فأفكارهم قديمة لا تلائم الواقع المعاصر.
وأردف أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية،: "لقد حان الوقت لقادة الوفد أن يتركوا الساحة للشباب لبث أفكارهم الفتية وإخراج ما تحويه عقولهم للنور".
ومن جانبه، قال الدكتور جمال أسعد، المفكر السياسى، إن حزب الوفد يعمل وفقًا للعقلية المتحفظة لقاداته الكبار، مشيرًا إلى أن أغلب القيادات الوفدية والشخصيات البارزة على الساحة تسير فى ظل آبائهم وأجدادهم من زعماء الحزب القدامى.
وأضاف «أسعد» أن حزب الوفد يحتاج إلى تجديد وإصلاح، وضخ دماء وأسماء جديدة تقوده فى الفترة المقبلة، موضحًا أن لكل عصر فكره ومتغيراته ومتطلباته الجديدة، ولكل جيل شأن متجدد يشغله عن الأجيال السابقة.
وأشار «أسعد» إلى أن النظم السياسية قبل ثورة 1919 لم تعرف الأحزاب، حيث إن بداية الأحزاب جاءت مع مصطفى كامل ولطفى السيد ومن بعدهم سعد زغلول.
وقال إن الأحزاب منذ نشأتها ارتبطت بالقيادات والزعامات الفردية، متابعًا: "حزب الوفد هو مصطفى كامل وسعد زغلول، وفكرة السيطرة الفردية كانت طاغية على الساحة السياسية وظلت على نهجها".
وأوضح أنه وبعد عودة الأحزاب عام 1978 ظلت فكرة الزعامة قائمة حتى مع ظهور ثلاثة أحزاب كانت بارزة فى تلك الحقبة الزمنية، وهى الوفد الليبرالى، وقائده وقتها فؤاد سراج الدين، وحزب التجمع، ورئيسه خالد محيى الدين، والأخير هو حزب العمل، ورئيسه إبراهيم شكرى، لافتًا إلى أن تلك الفكرة من تمجيد الزعيم كانت طاغية إلى أقصى مراحلها فى تلك الفترة التاريخية من عمر الأحزاب، ولكن الاهتمام بها من قبل الشعب قل فى عصرنا الحديث، نظرا للتغيرات التى طرأت على الساحة السياسية.
وأكد المفكر السياسى، أن سبب تواجد الكم الكبير من الأحزاب فى مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، هو التواجد السياسى والإعلامى، مبتعدين عن فكرة الأحزاب الحقيقية، وعن الشارع السياسى والجماهيرية الحزبية، موضحًا أن هذه الأسباب عملت على تحويل الأحزاب السياسية إلى جمعيات «دفن موتى» فهناك من يعلن عن تدشين حزب جديد ويأخذ هالته الإعلامية والـ«شو» المعروف، ثم يتم إغلاق المقر لعدم تقديم الحزب لأى نفع مرجو منه للجماهير.
المصالح
وأضاف أسعد: "تجربتي الحزبية والسياسية معروفة منذ نشأة الأحزاب عام 1976، فإن الأحزاب السياسية وفى مقدمتها حزب الوفد، تحولت إلى سبوبة ومخزن للمصالح الشخصية، موضحًا أنه لا توجد فى مصر أحزاب بالمعنى السياسى والعلمى.
وأردف أن الحزب هو مجموعة مبادئ وقيم سياسية تلتف حولها الجماهير لتحقيق مصلحتها من خلال تسويق هذه المبادئ وارتباط الحزب بالجماهير وبالشارع السياسى، وتنفيذ تلك المبادئ السياسية التى اختارها الشعب، مؤكدًا أنه وفقًا للتعريف السابق فإنه لا يوجد حزب سياسى بهذه المواصفات منذ نشأة الحياة الحزبية فى مصر منذ بداية القرن العشرين وتحديدًا عام 1907، بل الجميع يعملون للحصول على الأصوات الانتخابية فقط دون الاهتمام بمطالب المواطنين المؤيدين له.
ولفت «أسعد» إلى أنه فى بداية القرن الماضى كانت هناك 3 أحزاب تتحكم فى المشهد السياسى، ومن وقتها لم يتم تطوير فكرة عمل الأحزاب، بل ظل الوضع راكدًا، مضيفًا أنه ومثل أى شىء جديد ففكرة الأحزاب السياسية نابعة من الخارج فى ظل ظروف وزعامات فردية اكتفت بها الأحزاب وعلى رأسها الوفد.
وفى ذات السياق، أكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، أن الأحزاب السياسية سبوبة كبرى تخدم مصالح رجال الأعمال والشخصيات الشهيرة فيها، دون الالتفات إلى المصالح العامة، موضحًا أن الحزب عبارة عن مخزن مصالح للقادة؛ لتيسير أمورهم والتقرب إلى السلطة الحاكمة.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، أن حزب الوفد لا يختلف عن غيره من الأحزاب فى تلك النقطة، حيث أن أغلب أعضاؤه من رجال الأعمال وأصحاب الأموال الذين لا يهمهم سوى المصلحة الشخصية دون النظر إلى مصالح الشعب ورغباته.
ومن جهته، كشف اللواء محمد إبراهيم، عضو الهيئة العليا بحزب الوفد سابقًا، ومدير أمن الإسكندرية الأسبق، عن طلب عدد من الأعضاء عبر صفحاتهم على «فيس بوك» عقد جلسة مع المستشار بهاء أبو شقة، رئيس الحزب الحالى، لتوضيح وجهة النظر الأخرى، مؤكدًا أن المتحدثين باسم الحزب أرجأوا عقد الجلسة فى وقت لاحق بحجة الانتهاء من أعمال تجديد مقر الحزب، متسائلاً فى دهشة: "هو تجديد مقر الحزب النهارده أصبح أهم من لقاء الوفديين".
وأوضح «إبراهيم» أنه كان لزامًا على رئيس الوفد أن يحتوى أزمتى المهندس أحمد السجينى، والدكتور محمد فؤاد، عضوا مجلس النواب، مضيفًا أنه كان يجب التعامل بحكمة مع الأمر، حيث إن النائبين مرغوب فيهما فى أى حزب سياسى، فلكل منهما ثقله، وهناك العديد من الأحزاب ترغب فى خدمتهما فى أى وقت.
أسباب الانقسام
قال المفكر السياسى، جمال أسعد، إننا وجدنا منذ نشأة الأحزاب- لاسيما الوفد- أن الزعامة الفردية والعمل تحت لواء قائد له ثقل وظهير شعبى قوى، هو ما كان يعمل على حدوث انقسامات وانشقاقات داخل أروقة «بيت الأمة» فى الماضى وظل مستمرا على مدار تاريخ الحزب، مردفًا أن الأزمة فى الوفد مستمرة منذ أيام عدلى يكن وسعد زغلول، والصراع الدائر بينهما على الزعامة، مما جعل الشعار من الوفديين فى تلك الحقبة: "الاحتلال على يد سعد.. خير من الاستقلال على يد عدلى".
وواصل «أسعد» أن القضية ليست قضية قيم ومبادئ ووطنية، بل هى قضية التمسك بفرد على حساب مصلحة الجميع، وهو ما جعل الوفد فى تأخر مستمر حتى الوقت الراهن، لافتًا إلى أن المصالح هى من تحكم بيت الأمة منذ إنشاءه وحتى الآن.
وعلى صعيد متصل، أشار الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إلى أن جميع الأحزاب المصرية ضعيفة، موضحًا أن تلك مشكلة هيكيلة ظهرت بشكل جلى بعد ثورة الـخامس والعشرين من يناير، وجاء الوفد على رأس تلك الأحزاب التى تنقصها التكاتف الشعبى والدعم من الجماهير فى الشوارع.
وأردف «صادق» أن هناك نفورا جماعيا فى العقد الحالى من الأحزاب السياسية بشكل عالمى، فالأمر لا يقتصر على مصر فقط، بل تعدى للدول الكبرى، مشيرًا إلى أن السبب فى ذلك راجع إلى انعدام الثقة الشعبية فى الأحزاب السياسية، حيث إن الشعب تيقن إلى أن أعضاء الأحزاب المترشحين لمجلس النواب لا يظهرون إلا فى أوقات الانتخابات ثم يختفون بعد ذلك، حتى صارت الحياة الحزبية فى البرلمان المصرى لا قيمة لها.
ولفت أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إلى أن المصالح الخاصة داخل الوفد، جعله الأقرب لنظام مبارك، مؤكدًا أن أسباب الخلاف داخل بيت الأمة تحكمها المصالح وتغليب الجانب الشخصى على الجانب العام، مما يجعل هناك تضاربًا فى مصالح الأعضاء والذين سرعان ما يتحولون إلى خصوم، وهو ما يحدث فى أروقة وداخل قاعات الحزب الليبرالى فى الوقت الحالى.
متغيرات طرأت على الوفد منذ تولى «أبو شقة» رئاسته
- ترك المهندس حسام الخولى، نائب رئيس حزب الوفد السابق، لبيت الأمة، ليصبح الأمين العام الحالى لحزب مستقبل وطن، بعد خسارته السباق الانتخابى على مقعد رئاسة حزب الوفد لصالح المستشار بهاء أبو شقة.
- حيث جاء على رأس تلك المتغيرات عودة القيادات المفصولة سلفًا، وفى مقدمتهم فؤاد بدراوى، عضو الهيئة العليا للحزب، وذلك بعد قرار فصله فى عهد السيد البدوى، الرئيس السابق لـ«بيت الأمة»، مما أثار حالات من الجدل على الساحة السياسية، واعتبر البعض أن هذا القرار سيجعل الوفد يعمل بعقلية كبار السن، دون الاعتماد على القامات الشابة الواعدة.
- فصل الدكتور محمد فؤاد، عضو مجلس النواب، والقيادى الوفدى البارز لأسباب عدة منها التحدث عن قانون الأحوال الشخصية وعقد جلسات حوار مجتمعى حول القانون دون الرجوع للحزب وأخذ الموافقة منه على تقديم القانون، وهو ما تسبب فى تقديم العديد من الأعضاء المتضامنين مع نائب العمرانية باستقالاتهم للدكتور هانى سرى الدين، سكرتير عام بيت الأمة.
- إعلان المهندس أحمد السجينى، رئيس لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، وأحد الوفديين المرموقين، استقالته من الهيئة العليا للحزب، على خلفية واقعة النائب محمد فؤاد، وما سبقتها من أزمات مرت بالحزب.