فئة كان نصيبها من الحرب أشد قسوة، عاشت آمنة مطمئنة لعقود طويلة في هذا المكان، مارست عقائدها الدينية بكل حرية، لكنّ السنوات القليلة الماضية، واجهت الموت على يد شرذمة قليلة رفعت راية الموت بإسم الدين، جماعة طاردت المسلمين وقتلتهم غدرًا قبل أصحاب الأديان الأخرى، استولت على الأرض فقط من أجل إقامة خلافة وهمية فكانت الحرب والخراب هما الحل الوحيد.
"مسيحيو العراق وسوريا".. طائفة لم يتطرق الإعلام كثيرًا لها لم يتحدّث عنهم في ظل وجود ما يطلقون على أنفسهم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، تلك الجماعة الإرهابية التي استباحت الدماء ، ولم تفرق بين صغير وكبير مسلم أو مسيحي، لاقى المسلمون منهم أشدّ أنواع العذاب فما حال المسيحيون، الذين على وشك الاختفاء نهائيّا من تلك البلاد بعد حوالي 7 سنوات من الحرب، فالتنظيم اعتبرهم كائنات غريبة مصيرهم القتل أو التهجير.
"داعش في العراق"
"بداية داعش: رواية عن الحرب العراقية"، كتاب جديد تحدّث عن التنظيم الإرهابي في بلاد الرافدين، لكنّه وجه حديثه بل دعوات خلا كتابه للقوات الأمريكية التي لاتزال متواجدة في العراق ضمن قوات التحالف ، بحماية المسيحيين من الانقراض، بعدما هاجر كثيرون منهم إثر غزو داعش لشمال العراق، فقد رحل عدد كبير من مسيحيي الشرق بعدما أجبر مئات الآلاف على ترك بيوتهم، كما قتل عدد كبير منهم، واستعبد واضطهد آخرون.
نموذج
دير "الأب عفران" في شمال العراق، أحد الأماكن المقدسة التي دنّسها التنظيم الإرهابي، ففي يونيو 2014 اقتحم جند من داعش الدير حاملين معهم بنادقهم وسكاكينهم، فسارع الأب عفران وأخوته لحماية ممتلكاتهم، والتي يحاول التنظيم هدمها، ولم تكن تلك الأشياء الثمينة قطعاً ذهبية ولا تحفاً، بل بعضاً من أقدم المخطوطات في العالم المسيحي، ولمدة شهرين، أسر الإرهابيون أولئك الرهبان، وناقشوا علناً ما إذا كانوا سيقتلونهم، أم لا، لرفضهم التخلي عن ديانتهم، لكن الأب عفران كان أكثر حرصاً على إنقاذ نصوص مسيحية قديمة من حرصه على نفسه، بحسب ماذكره الكتاب كنموذجًا لاضطهاد المسيحيين.
وفي وقت ما، استطاع برفقة بعض من إخوته الهروب إلى قرية مجاورة، تحت جنح الظلام، حاملاً تحت عباءته أثمن المخطوطات القديمة، ولكن داعش اعتقله عند نقطة تفتيش، وأعاده إلى الدير، وهناك وضع خطة جريئة للهروب.
الجدار الوهمي
ووفقا لما ذكره صاحب الكتاب أثناء حواره مع الأب عفران والذي قال: "بنينا، تحت سمعهم وبصرهم، جداراً وهمياً داخل غرفة صغيرة خالية من نوافذ، وملأنا براميل بكتب يعود تاريخ بعضها إلى القرن الرابع الميلادي، وقد استطعنا إنقاذ 750 كتاباً ومخطوطاً قديماً".
تخلي عن المسؤولية
وبعد 15 عاماً، لم يعد معظم الأمريكيين مهتمين ببذل جهد لإحلال السلام والاستقرار في العراق، وكرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقاده لدخول الرئيس الأسبق جورج بوش في حرب العراق، عام 2003، واصفاً إياها الحرب بأنها "أسوأ قرار اتخذه بوش".
ومع ذلك، للولايات المتحدة مصالح طويلة الأمد في العراق، إلى جانب إخلاء المنطقة من أسلحة دمار شامل، وفي مقدمها قضية أهملت حتى تاريخه، وهي ضمان وجود الأقلية المسيحية في العراق، والمسيحيين في الشرق عموماً، بحسب كاتب المقال.
ويشير صاحب الكتاب هناك تمسك شديد لأقليات مسيحية بمعتقدها طوال 1400 عام من الهيمنة الإسلامية، حيث ظلت أديرتها وكنائسها القديمة سليمة، إلى حد كبير، قبل وصول داعش، واليوم هناك في العراق حوالي 150 ألف مسيحي، يقيم معظمهم في شمال العراق، ويمثلون أقل من 10٪ من أبناء طائفة عاشوا بسلام حتى عام 2003. ولكن منذ ذاك، صار كل يوم جديد يقرب المسيحيين من خطر الانقراض في العراق.
أسوأ وضع
وقبل أيام، وصف كبير أساقفة كانتربري التهديدات اليومية بقتل مسيحيين بأنه أسوأ وضع منذ الغزوات المغولية للمنطقة في القرن الثالث عشر.
وكتب القس جوستين ويلبي في صحيفة "صاندي تيلغراف" البريطانية: "رحل عدد كبير من مسيحيي الشرق بعدما أجبر مئات الآلاف على ترك بيوتهم، كما قتل عدد كبير منهم، واستعبد واضطهد آخرون، وحتى من بقي منهم باتوا يتساءلون عن سبب بقائهم".