ألقى الدكتور أسامة الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، خطبة الجمعة، اليوم من مسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة ودار مضمون الخطبة عن "قيمة العلم".
قال مستشار الرئيس: "نتحدث اليوم عن مفتاح من أعظم مفاتيح ريادة مصر لقد أصغى المسلم بعقله ووعيه ولبه ووجدانه إلى نداء الحق فسمع آيات الذكر الحكيم "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"، وقال تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، وقال سبحانه "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا"... ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقا إلى الجنة".
وأكد أن أرض الكنانة تمثل نموذجًا فريدًا في الدنيا تقوم ريادته وعظمته على عنصر العلم في الأساس، وأبدع المصريون في مختلف العلوم على اختلاف ألوانها، وأسسوا المدارس وشيدوا المكتبات، وصنعوا مراصد الفلك وأسسوا المستشفيات وحبسوا الأوقاف على حركة العلم، واجتذبوا العلماء المبدعين من آفاق الدنيا، وخرج علماء مصر إلى آفاق الدينا فشهد الجمع لهم بالسبق والمعرفة وصارت مصر قبلة للعلوم من المشرق والمغرب، مشددا على أن العلم هو العمود الفقري لبلادنا وعاشت مصر عبر تاريخها تصنع ريادتها لأنها تقدم خدمة العلم والتعليم وتنوير العقول لسائر الأشقاء والأوطان من حولها.
وأضاف أن الإنسان التفت إلى تلك الأحاديث النبوية، وانطلق وهو يحمل قيم التدين التي تدفعه إلى الإقبال على العلم والشغف به ومعرفة قيمته، فتوسع الإنسان في العلوم والمعارف ومن هنا بدأت رحلته مع حركة العلم والتعليم.
وأكمل: "قام الأمراء من بني أيوب بعد الدولة الفاطمية بحبس أوقاف هائلة على مدارس العلم، وكانت حركة تنافسية شريفة لا يتنافس فيها الملوك والأمراء على عرض من أعراض الدنيا ولا متاع من متاعها، بل ألقى الله في قلوبهم رعاية العلم وأهله فانتشرت حركة واسعة في أمراء الأيوبيين على أن يسابق بعضهم بعضا على من يقدم من أمواله وقفا موقوفا على مدارس العلم ورعاية العلم وأهله، وراجت حركة العلم رواجًا عظيما في الديار المصرية في القرن السادس الهجري، وامتلأت المدن بالمدارس التي تصنع العلماء على أكمل وصف، ولما وافينا أوائل القرن التاسع الهجري وجدنا شهادة خبير من خبراء العلم البارزين في تاريخ الإنسانية وهو ابن خلدون حيث يقول إن العلم والتعليم في زماننا إنما هو في القاهرة في أرض مصر".
وعرض مستشار الرئيس خلال الخطبة نماذج عجيبة عن أهمية العلم والتعليم في الصعيد والدلتا، ففي مدينة قوص في الصعيد في القرن السابع الهجري كان فيها 16 مكانا للتدريس وكان حافلة بمدارس العلم وتنوير العقول وتهذيب الأخلاق وتعليم بناء المؤسسات وتنشط بها حركة العمران قبل نحو 800 سنة، وفي أرمنت وقنا والأقصر ومدينة جرجا التي قال إنها كانت عاصمة من عواصم العلم وقتها، ومن الصعيد إلى أرض الدلتا ضرب نموذجا لوالد الزعيم أحمد عرابي فكان عالما أزهريا جليلا، والزم الناس بالتعليم وشدد عليهم في ذلك، وفي المنوفية في قرية هورين في بركة السبع 1903 عالم جليل اسمه أحمد الشرقاوي دعا أبناء القرى لحضور مجالس التدريس عنده فعمرت مدرسته وتدافع إليها أبناء القرى وأنفق من ماله على مكان إقامتهم ومسكنهم وتوفير الكتب لهم وظل مواظبا على ذلك حتى 1938 وكلما سمع بمولد طفل جديد يسعى لأسرته ويأخذ عليهم العهود بدفعه للعلم والتعليم وخرج أجيالا وراء أجيال.
وقال إن استحضار مثل تلك اللمحات لنخرج منها معا بأن سبيل النهوض ببلادنا اليوم أن يتحرك الجميع، وأن توجد بيننا حالة شغف وعناية هائلة بالعلم والتعليم، كبريات الجامعات في أوروبا وأمريكا ما نهضت فيها حركة العلم إلا بالدفع الذاتي من أموال الأوقاف، جامعة هارفارد الأولى في العالم وقفيتها 30 مليار دولار من أموال الأوقاف المخصصة لها، جامعة كامبريدج تبلغ وقفياتها 8 مليار دولار.