حملت حرب أكتوبر المجيدة قصص وحكايات أشبه بالخيال، فكل ما حُكي أو كتب من وثائق وروايات ما هو إلا قطرة في محيط انتصارات أكتوبر، فهي ليست قصة عبور قناة السويس، واختراق خط بارليف، وليست مجرد معركة انتصرنا فيها، ولكنها قصة كتبت ونسجت خيوطها وحروفها بدماء رجال لم يعرفوا يومًا غير الشجاعة والفداء والتضحية والبطولات، انصهر فيها أصالة شعب رفض الهزيمة، وقدم فيها جيل كامل كثيرًا من التضحيات من أجل كرامة وعزة شعب بأكمله، فحرب أكتوبر ستظل محفورة في قلوب وأذهان من عاصروها ومن لم يعاصرها أيضًا.
اللواء محمد حسن الصول، أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة، لعب دوراً مهماً ومشرفًا، ارتبط اسمه بانتصارات أكتوبر، قائد محنك شارك هو وأقرانه في كتابه تاريخ العسكرية المصرية. وصلنا إلى مدينة دمنهور، ومن داخل منزله وحوار خاص لـ "بلدنا اليوم " مع اللواء محمد الصول رئيس أركان قوات حرس الحدود بالجيش الثاني.
ماهو الهدف الرئيسي من حرب 6 أكتوبر 1973؟
الهدف الأساسي من نشوب هذه الحرب هو استعادة العزة والكرامة المفقودة لبعض الدول العربية وتحديدًا مصر وسوريا، وذلك عقب قيام القوات الإسرائيلية بالاستيلاء على أجزاء من سيناء وهضبة الجولان، ولذلك عندما واجهت القوات المصرية هزيمة في الحرب التي قامت في العام الميلادي 1967، والتي أطلق عليها العديد من المسميات والتي منها نكسة 1976 وحرب الأيام الستة وغيرها، قامت القوات المصرية بشن هذه الحرب والتي نتج عنها هزيمة القوات الإسرائيلية هزيمة ساحقة.
لماذا كانت حرب أكتوبر يوم 6 ولماذا كان ميعاد الحرب الساعه 2 ظهرًا؟
بدايةً يتحدث اللواء محمد الصول، بحب شديد وفخر أشد، وقال إنه يعتبر يوم 6 أكتوبر هو "عيد الغفران بالنسبه لإسرائيل" وتكون فيه تل أبيب في حالة سكون وهدوء تام وتغلق جميع الهيئات والمؤسسات.
وكانت براعة التخطيط لحرب أكتوبر تكمن في اختيار الموعد بهذه الدقة، فكان المعهود أن وقت العمليات الحربية يبدأ مع آخر ضوء ليل، وأول ضوء نهار، ولكن حرب أكتوبر بدأت في الثانية ظهرًا، وتم اختيار ذلك الموعد بالتحديد لكي يستطيع جندي المشاة الذي يقوم بالعبور في تنفيذ المهمة المباشرة خلال أربع ساعات علي ضوء النهار، وأشعة الشمس في اتجاه العدو لتكون عائقًا أمام نقط الملاحظة والطيارين، وصاحب ذلك عمليات الخداع والتمويه والإعلان عن عمرة للقوات المسلحة وتسريح بعض المجندين، وكانت تصرفاتنا على القناة لا تدل أبدا أننا على وشك الحرب.
ماهي رتبتك العسكرية أثناء حرب أكتوبر ودور الكتيبة 524 مشاه؟
كنت أثناء حرب أكتوبر ضابط استطلاع برتبة ملازم أول بالكتيبه 524 مشاة في اللواء السابع، وهي أول كتيبة تستولي علي نقطة صعبه للعدو حيث تم تقسيم الكتيبة إلى ثلاث سرايا؛ السرية الأولي مهمتها عبور القناة واحتلال مصاطب الدبابات على الضفة الشرقية وعلى حافه القناة، وتم الاشتباك مع العدو ودمرنا 90% من دبابات العدو، أما السريتان الثانية والثالثة، فكان دورهما تطويق النقطة الحصينة وسقطت تلك النقطة بالكامل يوم 7 أكتوبر، وأعطينا تمام باحتلالها وأخذنا 18 أسير في ملحمة أسطورية لا تتم إلا من خير أجناد الأرض.
كيف كان الاستعداد والتدريب لحرب أكتوبر؟
انتصار أكتوبر كان نتيجة تدريب شاق وإعداد وتخطيط جيد، وتلقينا التدريب في منطقة الخطاطبة بمحافظة البحيرة، وكان مشروع سنوي عبارة عن معركة كاملة، كنا نعيش داخل المعركة كأننا نحارب، تدربنا علي العبور في الرياح البحيري بالخطاطبة وعزبة بني سلامة، حتي وصلنا لمرحلة الاحتراف، وتدربنا أيضًا علي مواقع هيكلية، وكان الكيلو 85 أرض التدريب الجاف، وكنا نستفاد منها بالعبور في الأرض الصحراوية، وتدربنا في الكيلو 85 علي المرتفعات والجبال، وتدربنا على عبور قناة السويس في منطقة تسمي البلاح وتقع ما بين مدينتي الإسماعيلية وبورسعيد، وكانت جزيرة وسط القناة، فرع ناحية العدو وفرع ناحيتنا، كنا نتدرب على العبور حتى جزيرة البلاح في الجزء الخاص بنا.
كيف كان شعورك عندما تم إبلاغك بموعد بدء الحرب؟
كالعادة بعد قضاء كتيبتي لفترتها في النسق الأول، تم التبديل إلى النسق الثاني، وفي أثناء العودة فوجئنا بأمر بتحرك ثلاثة كتائب في المنطقة الابتدائية للهجوم، وكنا كل سنة نقوم بعمل مشروع سنوي كانت عبارة عن حفر خنادق، وكان يوم الجمعة 5 أكتوبر أشعر ان هناك حرب أو عملية ضد العدو، ولكن لم أكن أتخيل أنها غدًا، وفي حوالي الساعة 9 مساء ذهبت مع قائد الكتيبة وكان اجتماع مع قائد اللواء السابع العميد "فوزي محسن" وعقد الاجتماع في ملجأ تحت الأرض، وتحدث معنا على ضرورة إعطاء التمام علي كافة السرايا وتمام استعداد الكتيبة في السادسة صباحًا، وفي الساعة العاشرة صباحًا أمرني قائد الكتيبة بجمع قادة السرايا في نقطة الملاحظة تحت الأرض وكنا نتوقع أنه وقت العودة من المشروع، وفتح القائد ظرف وبدأ في تلاوته علينا، وكان نصه: "بسم الله الرحمن الرحيم، على هدى من الرحمن وتوكل عليه، قررت قواتنا المسلحة عبور قناة السويس واقتحام النقطة الحصينة رقم 151، ومواعيد العبور ساعة 14.05، وسوف يعبر الطيران لضرب مراكز القيادة والسيطرة ومرابض المدفعية"، وعندما سمعنا هذا الأمر كنا في غاية السعادة وفي داخلي كنت أخشى أن يتم إلغاء العبور، وفي تمام الساعة الثانية ظهراً رأينا الطيران وكان يطير علي ارتفاع منخفض جدًا لدرجة أن هواء الطائرات حرك الرمل من حولنا وبعدها بدأت المدفعية في الضرب، وفي تمام الساعة 2:20 بدأنا في التحرك بالقوارب ونزلنا بها لمياه القناة وعبرنا في نصف الزمن الذي تدربنا عليه، وكان بجانبي الكتيبة 19 مشاة والكتيبة 21 مشاة وكنت انا في الكتيبة "524 اللواء السابع" وبجانبنا اللواء الأول مشاة والخامس "الفرقة 19 مشاة".
ماذا عن توجيه 41 وماذا عن ابتكارات المقاتل المصري في حرب اكتوبر؟
كان للفريق سعد الدين الشاذلي دور كبير للتخطيط للمعركة، فإنشاء توجيه يسمي التوجيه 41 وكان توجيه شامل للمعركة، كان توجيه لكل شئ، حيث يستطيع الجندي أن يعرف مواقيت التحرك والمهمات ومن علي يمينه ومن علي يساره، صحيح كان العدو يملك أحدث المعدات العسكرية ويملك العديد من الطائرات المتطورة وقتها، ولكن العقل المصري كان مبتكر، فابتكر عدة ابتكارات كانت عوامل هامة ومساعدة لتسهيل عمل القوات، منها جاكت خفيف مصنوع من مادة الفايبر يشبه جاكت النجاة به العديد من الجيوب لحمل الذخيرة والمياه، والابتكار الثاني هو ابتكار العقيد باقي زكي يوسف، المهندس العبقري الذي ابتكر فكرة إزالة الساتر الترابي بواسطة خراطيم المياه، وابتكار مصري أخر وهو سلالم الحبال علي طول الساتر الترابي لتتمكن الأفراد في الموجة الأولي من الصعود على الساتر الترابي، وابتكار آخر للمقدم إبراهيم شكيب صاحب فكرة سد مواسير النابلم، فكان الجندي المقاتل المصري هو معجزة حرب أكتوبر والبطل الأول.
لماذا حدثت الثغرة وهل يتحمل الفريق الشاذلي مسؤليتها؟
هناك خطأ تكتيكي حدث وهو أن الثغرة حدثت بين الجيش الثاني والجيش الثالث وهذه المنطقة لم تكن مأمنة تأمين قوي فحدث فيه اختراق ولا يتحملها الفريق الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ولكن يتحملها قائد الوحدات والتشكيلات التي تركت هذا المكان خالي، فواصل العدو بهجوم تكتيكي بثلاثة كتايب عمليات وحدثت الثغرة.
ماذا عن إصابتك في حرب أكتوبر المجيدة؟
بعد احتلال النقطه الحصينة وإعادة استكمال المعدات والزخيرة ونقل المصابين للعلاج ودفن الشهداء خلال المعارك الأولى من يوم 6 حتي 8 أكتوبر، حيث اشتدد المعركة يوم 9 أكتوبر وقزفت إسرائيل بكل قوتها في ذلك اليوم ودارت معركة بين الدبابات المصرية والإسرائيلية، حيث أطلقت إحدى الدبابات قذيفة في مركز القيادة وانطلقت شاظية في الخوزة الخاصة بي وقطعت فروة الرأس وانتقلت بعدها الي المستشفى لتلقي العلاج وكانت غرفتي مليئه بالأسر والعائلات وطلبة المدارس والجامعات لزيارة جرحى ومصابي الحرب وتقديم الورود لنا.
ماذا عن الأوسمة التي حصلت عليها؟
حصلت علي أوسمـة وأنواط عديدة؛ منها نوط الشجاعة من الطبقة الأولى، ونوط الواجب والخدمة الطويلة والقدوة الحسنة، من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأيضًا نوط الشجاعة ونوط الواجب والخدمة الطويلة وميدالية أكتوبر من الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
كيف تحققت معجزة حرب أكتوبر وماذا تقول لشباب مصر؟
معجزة انتصار حرب أكتوبر هو الجندي المصري الذي كان يهاجم الدبابة بيده ويدمرها حيث اكتسب المقاتل المصري ثقته بنفسه وسلاحه وقادته وإيمانه بالهدف الرئيسي وهو استعادة أرضه المغتصبة، حققت حرب السادس من أكتوبر 1973 الكثير من النتائج الإيجابية، والتي يمكن ذكرها على النحو التالي؛ استرداد سيادة الدولة المصرية على قناة السويس وعودة الحركة الملاحية فيها وذلك في العام الميلادي 1975.
يضاف إلى ذلك، حصار النفوذ السياسي للدولة الإسرائيلية، وفرض العزلة عليه في العلاقات التي تجمعه مع الدول الخارجية ولاسيما الدول الأفريقية، وتحطم أسطورة أن الجيش الإسرائيلي لا يمكن هزيمته أو قهره، وسقوط خط بارليف الدفاعي الذي أقامته قوات الاحتلال على طول ساحل قناة السويس من الناحية الشرقية، مهدت هذه الحرب الطريق لإبرام اتفاقية كامب ديفيد، والتي تم انعقادها بين كلا من مصر وإسرائيل.
وأقول للشباب أن يأخذ من شباب أكتوبر الذي حرر سيناء عبرة، وأن يثقوا في جيش مصر، وأن يلتفوا حول الرئيس عبد الفتاح السيسي بروحه القتالية ووطنيته.
موضوعات متعلقة..
هاني سري الدين: سيبقى السادس من أكتوبر أعظم أيام تاريخنا
في الذكر الـ45 من الانتصار العظيم.. بالأدلة.. 5 بطولات خاضها الزمالك في ساحة حرب أكتوبر