«بمحمدٍ دامت لنا الأفراح.. وقلوبنا بذكره ترتاح».. بصوت جميل صادح، وخطى واثقة وأداء متميز، تقفن أعضاء فريق «الحور» تطربن مسامع الحضور، بمدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنشودة «يا إمام المرسلين»، ليتفاعل معهن المستمعون وينتفضون من أماكنهم وتتعالى أصوات التصفيق والتهليل، لـ«حور الأرض».
فى رحلة «الدروشة» وعالم السكينة والطمأنينة، ومع العلم أنهن لم يمارسن «المدح» منذ نعومة أظافرهن، كما يتبادر إلى مخيلتك بمجرد سماعهن، لكنهن ترعرعن عليه فى موالد السيدة نفسية والسيدة زينب وغيرها من الموالد حتى تمكنوا من الإنشاد وشكلوا الفريق.
25 فتاة يقفن بجوار بعضهن البعض على خشبة المسرح، يتزين بملابسهن الدينية الموحدة التى تنفض منها العفة، والوقار يرتسم على وجوههن، وحناجرهن الذهبية اللاتى يرطبونها بمدح الرسول، عيونهن مغلقة من الإحساس سارحين بأرواحهن فى ملكوت الله، صوتهن يرتفع ويحلق بهن فوق رؤوس الحاضرين: «يا رسول الله يا إمام المرسلين.. يا حبيب الله جئت بالحق المبين، ندعوك يالله أن نكون مقربين فى جنات العلا»، بالفعل هن «حوريات» لمستمعيهم ومحبيهم.
«الحور» اسمٌ استقرت عليه مؤسسة الفريق، بعد اقتراحات الأصدقاء، حيث إنها رأت أنه مقتبس من حور الجنة، وأن البنات أثناء المدح يكن أشبه بـ«الحوريات»، وخلال السطور التالية نسرد لكم قصة مؤسِّسة الفريق "نعمة فتحى"، والتى بدورها حكت لنا عن كل التفاصيل عن الفريق، منذ ولادته وحتى الآن.
نعمه فتحى السيد على، فتاة من مواليد الإسكندرية، صاحبة الـ23 عامًا، تخرجت فى كلية نظم ومعلومات، وعملت بإدارة الأعمال وتنظيم الحفلات، إلا أن عملها هذا لم يستمر كثيرًا، وسرعان ما اختارت لنفسها طريقا بعيدًا عن دراستها تمامًا قريبًا إلى قلبها وهواها فقررت أن تكون «مادحة» لرسول الله.
صوتها الشجى الذى اكتشفته والدتها وهى فى الخامسة عشرة من عمرها، شجعها على السعى وراء حلمها وشغفها، فكانت تصطحبها للمجالس الدينية والموالد وكانت تنشد فى الإذاعة المدرسية وبإجبار من المدرسين الذين كانوا يحبون سماع المدح من «الحورية».
وعلى الرغم من اكتشاف والدتها لموهبتها إلا أنها لم يجُل بخاطرها أن تتدرب على يد شيخ من المداحين، بل أخذت «نعمة» تستمع فى بيتها وتغنى، وكانت الأم تكتفى بالتشجيع.
الطفلة صاحبة الخمسة عشر عاما كبُرت، وتعلقت بالمجال لذا قررت أن تدرسه، ووالدتها شجعها على اتخاذ هذه الخطوة، وتدربت على يد نقيب المنشدين الشيخ محمود التهامى، وحسام صقر، وعرض عليها الشيخ الراحل وليد شاهين الانضمام إلى فرقة «العشق المحمدى» لكن توقف نشاط الفرقة.
وبعد دراستها الإنشاد الدينى والمقامات الموسيقية على يد هؤلاء الأساتذة الكبار، وتوغلها فى المجال، علمت أن مصر ليس بها فرق فتيات للمدح والإنشاد الدينى، إلا أن «المداحات» تعملن بشكل فردى وعددهن قليل، كان ذلك سببًا كافيًا لتفكيرها فى تأسيس أول فريق إنشاد فتيات فى مصر والوطن العربى، والسادس على مستوى العالم، وبدأت كخطوة فعلية على أرض الواقع، فى نشر إعلان عن تأسيس الفرقة الإنشادية، ووضعت اختبارات للراغبين فى الالتحاق بها.
الغرب يشيد بـ«مادحات الرسول».. والمساندة المحلية غائبة
مؤسِّسة الفرقة: «صوت المرأة عورة» ليست حديثا.. و«فى ناس عايشين يحبطوا الفتيات»
الموضوع كان صعبًا فى البداية، خاصة أن الآباء يرفضون دخول بناتهم للإنشاد، باعتبار أنه يأتى بالغناء الرومانسى، كما أنهم يخشون نظرة المجتمع الذى لا يريدون أن يخرجوا عن عاداته وتقاليده، وعلى الرغم من ذلك صبرت الفتاة، حتى انتشر الإعلان وتقدمت 60 فتاة من الراغبات فى الالتحاق بالفرقة، ووضعت «نعمة» الصوت والاستيعاب معيارين لاختيار «الحوريات»، واللاتى خلصن فى النهاية لـ25 عضوة.
مع التدريبات والانتظام فى البروفات تقلص عدد الفريق بعد قرابة شهر من البداية، لـ15 فقط أسسن الفريق وأكملن الحلم مع «نعمة»، بهدف إفادة الناس وتوصيل رسالة فنية راقية ومدح الرسول، وإتاحة الفرصة للفتيات فى المشاركة فى الإنشاد الدينى، آملين أن تنتشر الفرقة فى كل محافظات مصر وتقيم حفلات على المستوى المحلى والإقليمى والعالمى.
بدأ الحلم يتحقق فى أعين «نعمة»، واشتعل فتيل الأمل مع بداية حفلات الفرقة، التى أحيينها بدار الأوبرا وقصور الثقافة المختلفة فى نطاق «العاصمة»، وشاركن فى إحياء حفلات للمؤسسات الخيرية ومحافظتى «القاهرة والجيزة»، ونظمن حفلا فى ساقية عبد المنعم الصاوى، وتستعدن لآخر مقرر له 18 سبتمبر المقبل بساقية «الصاوى»، حيث يحمل مفاجأة.
تعتزم الفرقة الإعلان عن اسم مدربهن الذى لا يرغبن فى الكشف عنه حتى الآن، لتكون مفاجأة لجمهورهن فى الحفل، وهذا أول حفل له مع الفريق، «وغنى عن التعريف» (كما تسرد مؤسسة الفريق).
الفتيات حتى الآن لم يجدن من يتبناهن، وهى المشكلة الأكبر التى تواجههن، لذا طالبن وزارة الثقافة بالدعم، باعتبارها المنوطة بذلك، إلا أن «الرياح أتت بما لا تشتهى السفن»، فرفضت الوزارة المساعدة حتى ولو بمكان لتحضير «البروفات»، كان ذلك محبطا للفريق إلا أنهن ينتظرن مقابلة بوزارة الشباب والرياضة، والتى عرضت تبنى الفريق منذ وقت قريب: «عندنا مقابلة مع وزارة الشباب والرياضة.. لسه هنقعد ونشوف إيه اللى هيتم».
ثمة مشكلة أخرى تواجه هؤلاء الفتيات، فمشايخ المجال الكبار يرفضون منافستهن، وهو ما لم يكن متوقعا لديهن، حيث إنهن كن يتخيلن أن يحظين بدعم الجميع، كأول فريق مصرى للمنشدات فى الوطن العربى.
والمشكلة الأخرى هى أنهن لا ينظمن حفلات خارج نطاق القاهرة والإسكندرية، مع أنهن لسن لديهن مانع من الإنشاد فى مختلف البلدان وجميع المحافظات، خاصةً أن الأعضاء من «الإسكندرية وأسوان والفيوم والقليوبية والشرقية»، وتأمل «نعمة» أن تؤسس فرقة آخر فى الإسكندرية: «بيحبوا الإنشاد الدينى وله جمهور كبير هناك».
على الرغم من تلك الصعوبات التى تواجهها عضوات الفريق، إلا أنهن حققن جزءا من حلمهن، فبالرغم من عدم تلقيهن لعروض خارجية، إلا أنهن أصبح لهن جمهور فى عدد من الدول الأجنبية (حسب حديث المؤسِّسة): «من الإعلام الصينى والأمريكى وصلنا وعرفنا واتكلموا عننا بشكل راق، كتجربة تحدث لأول مرة فى مصر، وبالتحديد صحيفة واشنطن بوست، تناولت موضوعنا إننا كسرنا تقاليد المجتمع، بخلاف هنا تعرضنا للانتقادات».
خصصت مؤسسة «الحور» مستشارًا قانونيًا للحفاظ على الفتيات وحمايتهن، وبالأخص بعدما تعرضت الفرقة لانتقادات عديدة وخصوصًا فى البداية، فلم يكتف المهاجمون بالكلام، بل حاولوا كثيرًا إسقاط الفريق، كما حاول البعض نسبة الفريق المستقل لأنفسهم: «فى ناس عايشين عشان يحبطوا دور المرأة فى المجتمع، ومعلومة إن صوت المرأة عورة مقولة وليست حديثا شريفا».
المستشار القانونى، سهل على الفريق كثيرًا الحصول على علامة تجارية وشهادة معتمدة، وهذه خطة لتأمين الفريق، وبها أصبحت «الحور» أول فرقة إنشاد دينى للفتيات فى مصر مختلطة بالموسيقى: «الموسيقى عندنا بنعمل عليها بنسبة 60%».
ورأت المؤسِّسة أنه لا فائدة من الرد على أولئك الذين يهاجموننا بسبب الموسيقى: «لا تعليق على اللى مش عاجبه الموسيقى، مش شايفه إنى ممكن أرد على هذا الكلام، لإن اللى بيقول كدا، مبيكونش عارف الحالة اللى إحنا بنقدمها».
عام تقريبًا مر على تأسيس الفرقة، إلا أنها ما زالت لم تلق دعمًا ولم يتبناها أحد، وتعانين من المنتقدين الذين يشنون عليهن هجومًا شرسًا، كما أنهن لم تتح لهن الفرصة حتى الآن لإنتاج أنشودة خاصة بهن يقدمونها فى حفلات الفرقة، على الرغم من أملهن فى ذلك: «ملناش أغانى خاصة لسه، بس المدرب الجديد للفريق لحَّن لينا الأناشيد بألحان جديدة خاصة بينا، وهذه مفاجأة للجمهور فى حفل سبتمبر بالساقية»، مؤكدة أنهن تأملن فى تغير نظرة المجتمع لهن.
اقرأ أيضًا..
طالبة صعيدية تحصل على المركز الأول بالإنشاد الديني
شباب الجامعات لمتحدي الإعاقة يشاركون «الإنشاد والعزف» بالمنيا
حلمى عبد الباقى أول المترشحين لمنصب نقيب المهن الموسيقية