«احترسوا من أطماع الأرض، فالإنسان مهما تفتكت أفكاره سيحصد في النهاية تراب».. وسط حزنًا شديدًا يحوي الصلاة، بث قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، خلال صلاة الجناز على الأنبا إبيفانيوس، أسقف رئيس دير الأنبا مقار، الذي قتل غدرًا العديد من الرسائل الهامة للرهبان، وكأنه يدرك جيدًا ماذا سيحدث خلال الفترات المقبلة.
كانت البداية يوم الأحد 29 يوليو، وسط حالة من الحزب الشديد فى الأوساط الكنيسة حزنًا على «الأنبا أبيفانوس»، أسقف ورئيس دير القديس الأنبا مقار، بوادى النطرون، فى ظروف غامضة والذى عثر على جثته داخل الدير أمام القلاية الخاصة به، معلنين أنه توفي بسبب أزمة قلبية حادة، ثم أعلنت النيابة العامة بأن الأسقف قد قتل.
وتتوالي الأحداث، وتظل التحقيقات هى البوابة الفيصل فى الأمر، خاصة وأنه لم يعلم أحد ما السر المخفي وراء تلك الحادث الأليم، حيث قامت إدارة البحث الجنائي بالبحيرة بأستجواب ما يقرب من 400 عامل بالدير و150 راهب حول ملابسات الحادث، ومكان تواجدهم وقت حدوث الجريمة.
ولكن الغريب فى الأمر أنه بعد تلك الأجواء، أعلنت لجنة الرهبنة والأديرة بالمجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية تجريد راهبين بدير الأنبا مقار من رتبة الرهبنة ورجوعهما إلى أسمائهما العلمانية، بسبب عدم الخضوع لقرارات اللجنة والأديرة وعدم الطاعة للآباء الأساقفة المنتدبين.
وقررت اللجنة تجريد الراهب القس يعقوب المقاري من الرهبنة، ورجوعه إلى اسمه العلماني شنودة وهبة عطا الله جورجيوس، وتجريد الراهب إشعياء المقاري من الرهبنة ورجوعه إلى اسمه العلماني وائل سعد تواضروس ميخائيل.
وربما يرجع التفسير الوحيد فى مقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير أبو مقار، قمة التراجيديا فى الصراع المكتوم بين الأب متى المسكين الأب الروحى للدير، والبابا شنودة الثالث، وهو صراع يمتد لأكثر من 50 عاما، وانتهى هذا الصراع بين مدرسة أكاديمية علمية "الأب متى" ومدرسة شعبية انتصرت بالانتشار والوعظ العام "البابا شنودة"، وبدأ الاحتقان سماحة البابا تواضروس فور توليه الكرسى بعرض كتب المسكين، التى ظلت ممنوعة لعقود، وصولا بتكريمه فى احتفالية مئوية مدارس الأحد بمكتبة الإسكندرية 25 يوليو، الأمر الذى جعل تيار البابا شنودة يشعر بإهانة تاريخه البطريركى.
ولكن في الحقيقة لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، مما يترتب عليه اشتعال فتيل الأزمة، لينتج عنها أن الراهب الذي تم التحقيق معه فى قضية الأنبا إبيفانيوس، أسقف رئيس دير الأنبا مقار، أقبل على محاولة انتحار فاشلة من الراهب فلتاؤس المقارى، بكنيسة أبو مقار بوادي النطرون، والذي لايتعدي من العمر الثلاثين، من خلال قطع شريان يده، ثم إلقاء نفسه من أعلى مبنى مرتفع بالدير.
وبالرغم من أن الأخوة الأقباط يدركون جيدًا أن الديانة المسيحية تحرم «الانتحار» وقتل النفس بشكل قاطع، ونص الأنجيل على أن الحُجة تقوم على أساس وصية "لا تقتل" الواردة فى (إنجيل متى :١٨:١٩)، كما أن الانتحار يخالف «نواميس الكون»، وبالتالى فهو يتتعارض مع خطة الله للعالم أجمع.
ولكن من الواضح أن تبعات حادثة مقتل «الأنبا إبيفانيوس» وانتحار الراهب «فلتاؤس المقارى»، مازالت تشهد الكثير من المفاجآت، ففى ذات الأسبوع يقدم الراهب «إشعياء المقاري» على الانتحار بتناول مادة سامة، عقب سماع خبر تجريدة من رتبته وطردة من مجمع دير القديس بوادي النرون.
وبعد كل تلك المحاولات للتخلص من الصراعات والجريمة، إلا أنه سسيظل القضية محط أنظار الجميع ليعلم الجميع من المذنب فى الأمر، وهل ستظل ذلك الثأر إلي متي، خاصة وأنهم ليسوا السبب الرئيسي فى تلك الصراعات التي نشبت منذ الزمن.