في أكثر من واقعة أظهرت مدى التخبط في العلاقات بين الرئيس الأمريكي وإدارته، خاصة بعد الاجتماع الأخير بين بوتين وترامب في العاصمة الفنلندية هلسنكي.
بدا الرئيس الأمريكي متناقضًا، بعدما أكد أن روسيا لم تتدخل بأي شكل من الأشكال في الانتخابات الرئاسية، ثم كتب بعدها بيوم عبر حسابه على «تويتر»، أن هناك بعض الشخصيات الروسية تورطت في الانتخابات.
لم يحتمل البيت الأبيض تناقض التصريحات، وتلاعب الرئيس، فخرجت المتحدثة باسم المكتب البيضاوي سارة ساندرز أمس، مؤكدة أن روسيا متورطة في الانتخابات ولكن دون علم ترامب.
التناقضات الكبيرة في التصريحات الأخيرة، تنذر بأن إدارته لم تعد تحتمل تصرفاته، كما أن جملة الاستقالات غير المسبوقة لا تبشر بخير أبدًا.
سجلت إدارة الرئيس الأمريكي، خلال العام الأول لعملها، رقما قياسيا من حيث نسبة استقالات وانسحابات الموظفين في غضون سنة واحدة، متفوقة على أي إدارة أخرى في تاريخ البلاد.
وذكر تقرير صادر عن معهد «بروكينغس» الأمريكي للأبحاث، الذي يتخذ مقرا في واشنطن، أن 34% من كبار المسؤولين استقالوا من مناصبهم في حكومة ترامب منذ تأسيسها قبل نحو عام.
وأشار التقرير إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي الـ40، رونالد ريغان، التي تعتبر ثاني أعلى حكومة في تاريخ البلاد من حيث هذا المعدل، شهدت مغادرة 17% من كبار مساعديه خلال عامها الأول، وذلك في سنة 1981، وهذا أقل مرتين من عدد الاستقالات في إدارة الرئيس الحالي.
وفي تعليق منها على هذه الظاهرة، قالت كاثرين دان-تمباس، الخبيرة في معهد بروكنغز المختصة في مراقبة التغيرات في كوادر الحكومة الأمريكية، إن النسبة المئوية لمغادرة المسؤولين في إدارة ترامب غير مسبوقة.
وأضافت دان-تمباس: "هذا أمر غير متوقع بالنسبة إلي شخصيا، لأن العام الأول، كالعادة، يشهد بعض أخطاء في تشكيل الكوادر، نظرا لأن المهارات التي تنجح في الحملات الانتخابية لا تتناسب دائما مع تلك التي تعد ضرورية في إدارة الحكومة، لكن هذه المرة هناك رئيس لا يتمتع بأي خبرة في الحكم، كما لا يتمتع بها الأشخاص في محيطه، ولذا ليس من المفاجئ أن هذا المعدل أعلى من مستواه العادي، لكن ما يفاجئه هو ارتفاعه بدرجة مثل هذه".
ولفت التقرير، الذي أعدته دان-تمباس، أن حركة دوران الموظفين في إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، بلغت 9%، وفيما وصل نفس المعدل في إدارة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون 11%.
دليل آخر على معارضة الإدارة والجيش لقرارات ترامب، حيث قال ترامب خلال خطابه بولاية أوهايو مارس الماضي: «نحن هناك لسبب واحد، وهو والتخلص من داعش، والعودة إلى المنزل، نحن لسنا هناك لأي سبب آخر ولقد حققنا هدفنا إلى حد كبير».
وخلافا لذلك، لا تزال القيادات العسكرية الأمريكية ترى ضرورة عدم الانسحاب قبل الانتهاء من قتال تنظيم «داعش» الإرهابي، وزوال تهديده بشكل كلي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن رغم خسارة التنظيم العسكرية، وخسارته جميع المراكز الحضرية في العراق وسوريا منذ ديسمبر العام الماضي.
ووفق مصادر شبكة «CNN»، فإن كلا من وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال جوزيف دانفورد، وقفا ضد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في اجتماع لمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.
ونقلت الشبكة عن مايك بومبيو، الذي عينه ترامب مؤخرًا وزيرًا للخارجية، وينتظر تصديق الكونغرس على تعيينه، قوله إن «انسحاب الرئيس من البلد الذي مزقته الحرب سيعتبر خطأ».
وحذر لينزي جراهام عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأمريكي مطلع أبريل الجاري، من سحب القوات الأمريكية، لأن «ذلك سيؤدي إلى إحياء تنظيم داعش، وزيادة النفوذ الإيراني على نظام الرئيس السوري بشار الأسد».
واعتبر جراهام أنه «أسوأ قرار منفرد يمكن أن يتخذه الرئيس»، بعد أن «أوصلنا تنظيم الدولة إلى حافة الهزيمة»، ورأى أن القرار إذا اتخذ فإنه يعني «إبعاد التنظيم عن حافة الهزيمة».
يبدو أن سوريا ستصبح ميدان توجيه الضربات إلى البيت الأبيض، بعدما نشر ترامب تغريدة على موقع «تويتر»، توعد فيها روسيا، قائلًا إن الصواريخ «قادمة» لضرب سوريا، وستكون «جميلة وجديدة وذكية».
وحذر الرئيس الأمريكي روسيا الداعمة الأبرز لنظام الرئيس بشار الأسد، من أن الصواريخ «قادمة» لضرب سوريا، ردًا على هجوم يعتقد أن تنفيذه قد تم بالأسلحة الكيميائية واستهدف المدنيين في دوما السورية.
وتوعد ترامب عبر «تويتر» قائلا: «تعهدت روسيا بضرب جميع الصواريخ الموجهة إلى سوريا. استعدي يا روسيا لأنها قادمة وستكون جميلة وجديدة و ذكية، عليكم ألا تكونوا شركاء لحيوان يقتل شعبه بالغاز ويتلذذ».
جاء رد البنتاجون سريعًا، وأحال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، الاستفسارات بشأن تغريدات ترامب عن ضرب سوريا إلى البيت الأبيض.
كما رفض البنتاجون، التعليق على تصريحات ترامب بشأن إطلاق صواريخ على سوريا.
وفي خطوة تصعيدية، توجه وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، إلى البيت الأبيض، لعقد اجتماع طارئ، لم يكن مجدولًا مسبقًا مع الرئيس دونالد ترامب، وذلك بحسب ما ذكرته شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.
تصريحات ترامب اختلفت بشكل جذري عقب اجتماعه مع رئيس بنتاجون، فخرج الرئيس الأمريكي مؤكدًا أن الضربة قادمة ولكن لا يعرف متى ذلك.
ولكن ما حدث خلال العدوان الثلاثي، يؤكد هذه المرة أن الجميع كان يعلم، وأن بنتاجون فضل أن يبلغ الدب الروسي بخلاف ما كان يرغب به الرئيس الأمريكي.