رحيل صانع المعجزة..معلومات لا تعرفها عن «باقي يوسف» صاحب فكرة تدمير خط بارليف

السبت 23 يونية 2018 | 08:05 مساءً
كتب : مصطفى محمود

حالة من الحزن شهدتها الشوارع المصرية اليوم، على إثر فقدان واحدًا من أبنائها الأبرار، الذين كان لهم دور كبير في المساهمة بعودة سيناء الحبيبة إلى الأحضان المصرية، عقب ست سنوات من الانتكاسة عمت أرجاء المحروسة، عقب الهزيمة في يونيو 1967.

 

ولم تكن لترجع الآمال إلى نفوس المصريين، لولا وجود أبناء مصر الذين ولدوا ليكونوا عظماء، تتجلى أعمالهم الكبيرة في صفحات كُتبت بماءٍ من ذهب، لتروي معجزة عسكرية لم تشهد مثلها حتى وقتنا الحاضر، حروب العصر الحديث.

 

إنه اللواء مهندس باقى زكى يوسف، صاحب فكرة عبور خط بارليف، والذى اقترح على القيادة السياسية فى حرب أكتوبر 1973 بالاعتماد على مضخات المياه القوية لتجريف خط بارليف لعبور القوات.

نشأته:

وُلد زكى يوسف من العام 1931، لتدفعه الأقدار للتخرج فى كلية الهندسة جامعة عين شمس قسم ميكانيكا سنة 1954، ملتحقا بالقوات المسلحة فى ديسمبر 1954، إلا أن تدرج فى القوات المسلحة بجميع الرتب والمواقع المختلفة حتى رتبة لواء، حصل اللواء باقي على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات سنة 1974، وبه إشادة بأعمال استثنائية، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس محمد حسني مبارك سنة 1984، ولكنه ظل يذكر أن أكبر وأهم تكريم حصل عليه، عندما طلب تسجيل فكرة المضخات باسمه.

 

ثغرات خط بارليف:

وساعد باقر زكي، والذي كان شابًا في بداية الثلاثينيات من عمره، في اكتشاف ثغرات خط بارليف، وجود 3 أخطاء دفعة واحدة، الأولى: أن الساتر الترابي يعتمد في تكوينه علي الرمال، والثاني: أن الساتر الترابي تمت إقامته بزاوية مائلة (80 درجة)، والثالث: أن الساتر أقيم على حافة الضفة الشرقية.

ويأتي هذا في حين أنه قبل حرب أكتوبر عام 1973 كان خط بارليف معجزة عسكرية بكل المقاييس، وتدميره كان يحتاج إلى معجزة أخرى في زمن انتهت فيه المعجزات.

وهذا ما أكده الخبراء العسكريين في ذلك الوقت، أن القائمين على خط بارليف درسوا الحصون العسكرية التي شيدت على مر التاريخ، واستفادوا من الأخطاء التي أدت لسقوطها فيما بعد، ومن ثم فإنه لا مجال لعبور المصريين للضفة الشرقية من قناة السويس.

 

الاستعدادات الإسرائيلية

 

واستعان الإسرائيليون بشركات متخصصة ودرسوا وبنوا خط بارليف وكلفوه ملايين، وظلوا يرفعون منه ويزيدون عليه سنوات متتالية على أساس أنه سيكون حدود إسرائيل ولا يمكن اختراقه، وكان الجيش المصري يبعث بعمليات خلف خطوط العدو فتجمع لنا كل المعلومات التي نحتاج إليها، وبلغ الموقف صعوبته القصوى عندما أكد الخبراء الروس أن خط بارليف يحتاج إلى قنبلتين نوويتين لاختراقه.

 

مشروع السد العالي

 

وقبل اللحظة الموعودة، صدرت أوامر لإدارة المركبات بالجيش لترشيح بعض الضباط للعمل كمنتدبين في مشروع السد العالي، ومن بينهم  باقي زكي يوسف مع آخرين للسفر، وكان العمل يجري على مدار الـ24 ساعة، وكان باقي أحد المسئولين عن إذابة الجبال التي تحيط بمكان مشروع السد العالي والاستفادة من الرمال والصخور المذابة في بناء جسم السد نفسه.

 

وعقب النكسة، عاد «زكي» كرئيس لفرع المركبات في إحدى تشكيلات الجيش الثالث، فكان يمارس مهامه ويراقب خط بارليف الذي يقف بارتفاع 20 متراً، وبطول 180 كيلومتراً، بأكثر من 19 موقعًا حصينا مجهزة بالألغام والمفرقعات.

 

وفي عام 1969 صدرت الأوامر بالاستعداد للحرب، وأثناء اجتماع القادة برئاسة اللواء سعد زغلول عبدالكريم لدراسة الأفكار المقترحة للعبور، كانت كل الاقتراحات التي تم عرضها زمن فتح الثغرة فيها كبير، يتراوح بين 12 – 15 ساعة، وكانت الخسائر البشرية المتوقعة لا تقل عن 20% من القوات.

 

فكرة العبور

وحتى هذه اللحظة لم يكن لدى المقدم باقي زكي يوسف أية فكرة يمكن طرحها، حتى تحدث ضابط الاستطلاع عن كون الرمال هي التي تشكل الساتر الترابي، هنا رفع «زكي» يده طالباً الكلمة، سأله قائد الفرقة عما ينوي أن يتحدث فيه، فقال: الساتر الترابي، ليرد القائد: ده مش شغلك أنت ظابط مركبات، أصرّ «زكي» على طلب الكلمة، فسمح له.

 

فقال: «انتوا بتقولوا رملة وربنا أدانا الحل قدام المشكلة وتحت رجلينا وهو المياه وفي الحالة دي المياه حتكون أقوى من المفرقعات والألغام والصواريخ وأوفر وأسرع»، وبمجرد ما أنهى كلامه حل السكون في أرجاء القاعة، لدرجة أنه قال «خفت أكون خرفت».

 

سيطر الصمت علي المكان، وكان الحوار في بدايته يدور حول فتح الثغرة بالمفرقعات، والألغام، والمدفعية، والطيران، فظهر شخص يتحدث عن خرطوم مياه.

 

وقطع المقدم زكي يوسف حالة الصمت قائلاً: «إحنا عملنا كدة في السد العالي» فقال له قائد الفرقة: ولكن ما الذي يضمن أن تتحرك الرمال بالطريقة التي ذكرتها؟ ليرد عليه المقدم باقي: الذي يضمن هو قانون نيوتن الثاني الذي يقول «إذا أثرت قوة أو مجموعة قوى على جسم فإنها تكسبه تسارعًا يتناسب مع محصلة القوى المؤثرة».

 

بعد عرض الفكرة على قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبد الكريم، تحدث مع نائب رئيس العمليات، اللواء أركان حرب محمود جاد التهامي، وأخبره أن ضابط برتبة مقدم في فرقته لديه فكرة يريد عرضها عليه، فسأله: اسمه إيه؟ فقال له فلان، ليرد: «لا دة أنا عارفه دة ما بيهزرش هاتهولي».

 

وخلال 12 ساعة، ما بين الساعة 12 ليلا وحتى الساعة 12 ظهر اليوم التالي، كانت الفكرة قد وصلت لأعلى مستوى في القوات المسلحة، وفي أقل من أسبوع كانت وصلت للرئيس جمال عبد الناصر، القائد الأعلى للقوات المسلحة.

 

البروفة الأخيرة:

وأصدر«عبد الناصر» أوامره بأن تتم تجربة الفكرة، فكان التطبيق الأول لها في حلوان عام 1969، وكانت مفاجأة أن يتم فتح الثغرة في نموذج مماثل بطلمبات السد العالي في 3 ساعات بدلاً من الـ 15 المتوقعة.

 

تمثل الرهان بعد نجاح الفكرة في كيفية الوصول إلى أكثر الطلمبات كفاءة وخفة، وتدريب الجنود في الوقت نفسه، وبعد أربع سنوات في يناير 1972 تم عمل بروفة نهائية في جزيرة البلاح داخل القناة على نموذج مماثل، فكانت النتيجة مبهرة، وبعدها بعام تم العبور، عقب خمس سنوات في عز الحرب العسكرية والمخابراتية، ومصر تكتم سر «الخراطيم»، تشتري طلمبات من انجلترا وألمانيا وتجري تجارب دون أن يشم أحدهم خبراً عن الموضوع، وتلك تعد معجزةً أخرى.

 

 

اقرأ أيضا