في مشهد يعيد إلى الأذهان عصور الاستعمار والتوسع الإمبراطوري، يعكف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الدفع برؤى سياسية تعكس ميولًا توسعية غير مسبوقة في العصر الحديث.
من حديثه المتكرر عن "استعادة" قناة بنما، إلى مطالبته بالسيطرة على غرينلاند، وحتى طرحه فكرة ضم كندا كولاية أمريكية جديدة، يبدو أن ترامب يسعى إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية بما يخدم طموحاته في جعل الولايات المتحدة "إمبراطورية عظمى".
لم يكتفِ ترامب بذلك، بل ذهب إلى اقتراح تحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا" على البحر الأبيض المتوسط، في خطوة تثير تساؤلات كبرى حول نواياه الحقيقية.
ترامب بين بوتين وشي جين بينغ
ما يلفت الانتباه في نهج ترامب هو تشابه رؤاه التوسعية مع سياسات كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ. فقد أبدى ترامب إعجابه بكلا الزعيمين اللذين أظهرا نزعات إمبراطورية واضحة خلال السنوات الأخيرة.
بوتين، على سبيل المثال، دعم الحركات الانفصالية في ترانسنيستريا وأبخازيا، وخاض حروبًا في جورجيا وأوكرانيا، وأطلق غزوًا شاملاً لأوكرانيا عام 2022 تحت ذريعة أن أوكرانيا "جزء لا يتجزأ من روسيا"، بينما عملت الصين على عسكرة الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وفرضت سيطرتها على عدة أراضٍ متنازع عليها في المنطقة.
الإمبراطوريات في ثوب جديد؟
لطالما اعتقد المؤرخون أن عصر الإمبراطوريات قد انتهى، خاصة مع ظهور الدول القومية في أواخر القرن الثامن عشر، والتي أصبحت النموذج الأساسي للحكم في العالم.
ومع ذلك، فإن التاريخ يُظهر أن العديد من هذه الدول الحديثة لم تتخلّ عن الطموحات الإمبراطورية، بل سعت إلى توسيع نفوذها بطرق مختلفة، سواء عبر الاحتلال العسكري أو التدخل السياسي أو حتى السيطرة الاقتصادية.
وبالنظر إلى التاريخ الأمريكي، نجد أن الولايات المتحدة، رغم انفصالها عن الإمبراطورية البريطانية، لم تتأخر في توسيع نفوذها، فامتدت غربًا بطرق شملت الحروب والشراء والاستيطان، مما جعلها عمليًا إمبراطورية ذات نفوذ عالمي.
واليوم، يبدو أن ترامب يحاول إعادة إحياء هذا المفهوم من خلال إعادة النظر في الحدود والسيادة الوطنية للدول الأخرى.
ترامب و"القدر المحتوم"
إحدى الحجج التي يستخدمها ترامب لتبرير طموحاته التوسعية هي فكرة "القدر المحتوم"، وهي نظرية ظهرت في القرن التاسع عشر، تدّعي أن الولايات المتحدة مقدر لها أن تتوسع جغرافيًا لتشمل أراضي جديدة.
لكن المثير في رؤية ترامب أنها لا تقتصر فقط على الأرض، بل تمتد إلى الفضاء، حيث صرح مرارًا برغبته في رفع العلم الأمريكي على سطح المريخ، وكأن حدود الأرض لم تعد كافية لتحقيق تطلعاته الإمبراطورية.
هل نحن أمام انهيار النظام الدولي؟
إذا سارت الولايات المتحدة على خطى الصين وروسيا في انتهاك الحدود الدولية، فقد يكون النظام العالمي القائم على الحقوق والسيادة في خطر.
التاريخ يُظهر أن التعدي على سيادة الدول يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات كبرى، وقد يهدد الاستقرار الدولي بشكل خطير.
ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن يتجه العالم نحو تعزيز مفاهيم القانون الدولي والسلام، تأتي هذه الطموحات التوسعية لتثير المخاوف من عودة حقبة الغزو والتوسع.