في يوم 21 أغسطس 1969، شهد المسجد الأقصى في القدس حادثة مأساوية هزت العالم الإسلامي، حيث أقدم شاب أسترالي يُدعى مايكل دينس روهان، على إشعال النار في الجامع القبلي داخل المسجد الأقصى، زعم روهان الذي كان يدعي أنه جاء إلى فلسطين كسائح، أنه نفذ هذا الفعل بدافع ديني، تسببت النار في تدمير أجزاء كبيرة من المسجد، بما في ذلك منبر صلاح الدين الأيوبي، الذي يعتبر رمزًا تاريخيًا للفتح الإسلامي للقدس، ورغم أن الحريق لم يلتهم المسجد بالكامل، إلا أنه ألحق أضرارًا جسيمة بالتراث الإسلامي.
ألقت السلطات الإسرائيلية القبض على روهان، وزعمت أنه يعاني من اضطرابات نفسية، ما أدى إلى ترحيله إلى بلده الأصلي أستراليا، حيث توفي عام 1995، ورغم ذلك، شكك الكثيرون في حقيقة ادعاء الجنون الذي أطلقته إسرائيل لتبرير الحادث، خاصة أن روهان عاش لسنوات عديدة دون أي دليل قاطع على معاناته من أي اضطرابات عقلية.
الحريق أثار غضبًا واسعًا في العالم الإسلامي، حيث خرجت مظاهرات غاضبة في العديد من الدول الإسلامية، واستنكرت القيادات العربية والإسلامية هذا الهجوم على ثالث أقدس المواقع الإسلامية، كان لهذا الحادث دور في دفع الملك فيصل بن عبد العزيز إلى اقتراح إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، التي ضمت كافة الدول الإسلامية للدفاع عن مصالح المسلمين في أنحاء العالم.
وبالعودة إلى تفاصيل الحريق، يُذكر أن النافذة العلوية الواقعة في الزاوية الجنوبية الغربية من الجامع القبلي، كانت إحدى الأماكن التي تعرضت للاحتراق، هذه النافذة، التي ترتفع عن الأرضية حوالي عشرة أمتار، كانت مستهدفة بطريقة يصعب على الجاني الوصول إليها دون أدوات متخصصة، مما يثير الشكوك حول التواطؤ والتخطيط المسبق للحادثة، بالإضافة إلى ذلك، قامت إسرائيل بقطع المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في يوم الحريق، وتأخرت سيارات الإطفاء التابعة لبلدية القدس في الوصول إلى المكان، في حين وصلت فرق الإطفاء العربية من الخليل ورام الله بسرعة أكبر وساهمت في إخماد النيران.
وقع الحادث أدى إلى حالة من الفوضى والاضطرابات في القدس والعالم الإسلامي، وخرجت مظاهرات حاشدة في اليوم التالي في القدس، حيث أدى آلاف المسلمين صلاة الجمعة في الساحة الخارجية للمسجد الأقصى احتجاجًا على الحريق.
وفي إطار الردود الدولية، عُقد أول مؤتمر قمة إسلامي في الرباط بالمغرب لبحث تداعيات الحريق وسبل حماية المقدسات الإسلامية.
غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل حينذاك، صرحت في إحدى اللقاءات بعد الحادثة بأنها لم تنم تلك الليلة، خشية من أن يرد العرب على الحادثة بقوة، ولكنها فوجئت بعدم حدوث أي رد فعل يُذكر، مما جعلها تعتقد أن بإمكان إسرائيل القيام بما تريده دون خوف من أي رد فعل عربي، هذه الكلمات، وإن كانت مشكوك في صحتها، تعكس الواقع المرير الذي عاشته الأمة الإسلامية في تلك الفترة، والتقصير في الدفاع عن مقدساتها.
الحريق لم يُدمر فقط المنبر التاريخي، بل طال أيضًا أجزاء مهمة من المسجد، من بينها مسجد عمر، محراب زكريا، مقام الأربعين، وبعض الأروقة والأعمدة. كما تضررت القبة الخشبية الداخلية، والزخارف الجبصية، والمحراب الرخامي، والجدار الجنوبي، والنوافذ الخشبية المزخرفة، والسجاد العجمي الفاخر.
الحريق الذي وقع في المسجد الأقصى لا يزال ذكرى مؤلمة في تاريخ المسلمين، يذكرهم بأهمية حماية مقدساتهم والدفاع عنها في وجه أي تهديد.