خطبة الجمعة اليوم.. من دروس الإسراء والمعراج الفرج بعد الشدة

الجمعة 02 فبراير 2024 | 01:08 مساءً
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
كتب : محمود الطحاوي

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة اليوم الجمعة 2 فبراير 2024 والتي جاءت تحت عنوان: «من دروس الإسراء والمعراج الفرج بعد الشدة» من مسجد الشاطئ بمحافظة بورسعيد.

موضوع خطبة الجمعة اليوم 2 فبراير

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِئ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعد.

العاقلُ الفَطِنُ هو مَن يعتبرُ بالمواقفِ التي تجرِي حولَهُ، والأحداثِ والمشاهدِ التي تقعُ خلفَهُ؛ فينظرَ الخيرَ فيأتيهِ، ويحذرَ الشرَّ فيتجنبَهُ؛ لئلّا يكونَ عبرةً ومحلَّ سخريةٍ مِن غيرِه، «فالسعيدُ مَن اتعظَ بغيرِهِ، والشقيُّ مَن وُعظَ بهِ غيرُهُ»، وقد حوىَ حادثُ «الإسراءِ والمعراجِ» الكثيرَ مِن العِبرِ والفوائدِ التي لا يُحصيهَا عدٌّ، ولا يحويهَا قلمٌ ومدٌّ، وها أنَا أقتطفُ مِن ثمارِهَا وأريجِ أزهارِهَا كي تنيرَ حياتنَا، وننتفعَ بدروسِهَا، ونُحَيّيِ بهَا ما اندرسَ في نفوسِنَا، علّنَا نفوزُ في آخرتِنَا.

لم يجدْ رسولُنَا ﷺ في مكةَ – بعدَ موتِ زوجهِ ورفيقةِ دربهِ خديجةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وعمهِ أبي طالبٍ – آذانًا صاغيةً، وقلوبًا واعيةً فاضطرَّ للخروجِ إلى الطائفِ كي يعرضَ دعوتَهُ على أهلِ ثقيفٍ، لكنْ لم يلقَ منهم استجابةً، بل آذُوهُ ونالُوا منه، وأغرُوا به سفهاءَهُم وعبيدَهُم يرمونَهُ بالحجارةِ حتى دميتْ قدماهُ الشريفتان، فينصرفُ مهمومًا حزينًا على عدمِ إيمانِ هؤلاءِ، فإذا بهِ يجدُ نفسَهُ في «قرنِ الثعالبِ»، فأخذَ يُناجِي ربَّهُ، ويتضرعُ إليهِ مبتهلًا قائلًا: «اللَّهُمّ إلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَأَنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي؟ إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ تُنْزِلَ بِي غَضَبَكَ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سُخْطُكَ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِكَ» (دلائل النبوة، وأحمد)، ثم يعودُ إلى مكةَ في جوارِ «الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِي»، وفي ظلِّ هذه الأجواءِ الكالحةِ، والظروفِ المظلمةِ، والمحنِ المتعاقبةِ، تأتِي المنحُ الإلهيةُ بدعوةِ سيدِ البريةِ للقاءِ الذاتِ العليةِ، فيسليهِ ربُّنِا، ويثبتهُ على الحقِّ، فيمنُّ عليهِ برحلةٍ لم ينلْ شرفَهِا قبلَهّ لا نبيٌّ مرسلٌ ولا ملَكٌ مقربٌ ألَا وهي رحلةُ «الإسراءِ والمعراجِ»، وهكذا لطفُ اللهِ بعبادِه، ورحمتُهُ بأوليائِه، وعنايتُهُ بخلقِهِ، فالإنسانُ مهمَا اشتدتْ عليهِ خطوبُ الحياةِ، وضاقتْ عليهِ سبلُ النجاةِ، لا سبيلَ سوى الاعتصامِ باللهِ عزّ وجلّ، ورفعِ أكفِّ الضراعةِ إلى مولاهُ، لعلَّهُ ينجيه مِن بلواهّ، ويكشفُ عن كرباهُ، ويذهبُ عنه همّهّ وغمّهُ، فعَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» (أبو داود والترمذي)، فمَا على المسلمِ إلّا أنْ يصبرَ، ويأخذَ بالأسبابَ، ويتوكلَ على ربِّه، ويوقنَ بأنَّ فرجَهُ آتٍ لا محالةَ، وأنّ نصرَهُ قريبٌ لا مريةَ فيهِ، وقد قال ربُّنَا في محكمِ كتابِه: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً﴾، وقد كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلى أَبي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ قائلًا: «فَإِنَّهُ مَهْمَا يَنْزِلْ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ مِنْ مُنْزَلِ شِدَّةٍ يَجْعَلْ اللَّهُ بَعْدَهُ فَرَجًا، وَإِنَّهُ لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

عندمَا أخبرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمرِ الإسراءِ والمعراجِ طفقَ قومُهُ بينَ مصفقٍ وبينَ واضعٍ يدَهُ على رأسهِ تعجبًا؛ إذ الأمرُ يحتاجُ إلى يقينٍ بقدرةِ ربِّ العالمين، وحسنِ صدقٍ بسيّدِ العالمين، فالشدةُ تفرزُ معادنَ الرجالِ، فكما كشفَ الإسراءُ المنافقين، أفرزَ أيضًا رجالًا مِن المتقين كأبِي بكرٍ الصديقِ: فقدْ «أَصْبَحَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِذَلِكَ فَارْتَدَّ نَاسٌ مِمَّنْ كَانُوا آمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ وَسَعَوْا بِذَلِكَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا: هَلْ لَكَ فِي صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قال: أو قال ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ، قَالُوا وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، قَالَ: نَعَمْ إِنِّي لَأُصَدِّقُهُ بِمَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ: أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ فِي غَدْوَةٍ أَوْ رَوْحَةٍ»، إنَّه إيمانٌ ثابتٌ لا تزعزهُ زخارفُ الحياةِ، ولا تقلبهُ رياحُ المصلحةِ، ولا تثنيهِ المنفعةُ، فما أحوجنَا إليهِ في زمنٍ عزَّ فيهِ الصديقُ، وندرَ فيهِ الحبيبُ، وصدقَ الإمامُ الشافعيُّ.

اقرأ أيضا