ناقش ملتقى "شبهات وردود" الذي عقد في رحاب الجامع الأزهر الشريف ، اليوم الثلاثاء ، واحدة من أهم القضايا التي تهم الرأي العام، والتي تدور حول "منهج الإسلام في الترشيد الاقتصادي"، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبتوجيهات من الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر ، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف على الرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة مدير عام الجامع الأزهر.
وحاضر في ملتقى هذا الأسبوع الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الأسبق ورئيس لجنة الفتوى الرئيسية بالأزهر الشريف، والدكتور مجدي عبد الغفار حبيب، استاذ ورئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، والدكتور صالح أحمد عبد الوهاب، وكيل كلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، وأدار الملتقى الشيخ أحمد رمضان، منسق رواق القرآن الكريم والتجويد والقراءات ورواق الطفل بالجامع الأزهر.
قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر السابق، إن الشرع الحنيف ما ترك أمرا يعرض للناس في حياتهم ، ويتعلق بعباداتهم أو معاملاتهم بكل فروعها وجوانبها حتى جوانب الترفيه، إلا وضحها وفصلها، مؤكدا أن الالتزام بالمنهج الشرعي الذي جاء به الإسلام في شأن الاقتصاد يجنب المسلمين كثير من الأزمات التي تعرض لهم ، وهذه الأزمات أحيانا تكون من باب الابتلاء والاختبار، فالله تعالى يمحص المؤمنين ويمتحنهم ليظهرا مدى تمسكهم بإسلامهم وغيمانهم ، وحدث هذا كثيرا ، وأكثر من تعرض لهذا هم الرسل والأنبياء ومنهم رسول الله ﷺ، وهناك الكثير من المواقف التي تعرض لها النبي بأذى، وناله الأذى، وكذلك صحابته ، فقد ضيق عليهم حتى أكلوا ورق الشجر فلم يتزحزح إيمانهم قيد أنملة، والله تعالى قادر أن يجنبهم ذلك ولكن واجهوا الكثير من الصعوبات.
وأوضح شومان، في كلمته بملتقى شبهات وردود ، أن الأزمات ربما تكون للابتلاء والاختبار ، وأحيانا تكون نوعا من التحذير ليعود الناس إلى رشدهم وإلى شرعهم، يقول الله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، إذن ما يحدث في حياة الناس أحيانا يكون سببه الإنسان ، والمقصود منه أن يعود الناس عن الطريق الخاطئ.
ولفت إلى أن الناس في زمانا ابتعدوا كثيرا عن شرع الله تعالى، فرغم أن كثير منهم يصلون ويزكون ويحجون ويصومون ، لكن الجانب السلوكي لديهم فيه كثير من الخلل ، مشيرا إلى أن الاقتصاد يعني بجانب الاستغلال الأمثل للثروات والموارد المتاحة ، والاقتصاد مهمته هو البحث عن أفضل طريقة لاستغلال الثروات التي منحها الله تلك الدول ، لتحقق سعادة الناس، فهناك أنظمة متعددة للاقتصاد ، ومنها النظام الاشتراكي والرأسمالي، وهناك نظام الاقتصاد الاسلامي وهو النظام المتكامل من كافة جوانبه والذي إذا طبق لغير من حياة الناس كثيرا ، ولدينا منهج واضح في التعامل مع المال، فالله تعالى يقول : "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما"، هذا هو المنهج، لا إسراف ولا تبذير ، ولا تقتير ولا بخل ، فكلاهما "الاسراف والبخل"، مذموم في شرعنا الحنيف ، وهذا لا يتعلق بالأزمات فهو منهج ثابث ، وهو أن تكون في منطقة الوسط في كل شيئ وليس الإنفاق فقط.
من جهته، قال الدكتور مجدي عبد الغفار أستاذ ورئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، إن أزمتنا الاقتصادية الحالية تكمن في سوء المسالك ، وعدم تنفيذ مآلات المناسك، فنحن أمة القواعد الغائية ، لا أمة الحياة العشوائية، فالدين جعل لنا غايات فنحن تركنا الغايات وعشنا العشوائيات ، مؤكدا أننا أمة القوام وليس أمة اللئام، ولذا فإن من صفات عباد الرحمن هو الوسطية في الانفاق ليس بالمسرف ولا بالمقتر ، فهو إنسان وسطي، ولذلك جاء في الحديث : التدبير نصف المعيشة"، وجاءت الآيات وقد نهت في أمر التقتير أو الإسراف: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك"، فهذا تقتير وقوله: ولا تبسطها كل البسط"، فهذا إسراف ، وهذين الأمرين مخالفين.
وأشار إلى أن الاقتصاد يقوم على ركنين أساسيين، الركن الأول الكسب ، والثاني الإنفاق، وسؤالنا بين يدي الله في يوم القيامة عن هذا الجانب بجهتين عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، أن تكتسب حلالا هذا فرض عليك، لكن لا يكفي أن تكتسب الحلال ولكن يجب أن تكتسب الحلال وتنفقه في الحلال، وأن تكتسب الحلال ولا تسرف في الحلال لقول الله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"، والمسرف عطائه يزيد ولم يراعي التوازن بين دخله ونفقاته في الحلال ، لذلك عليك أن تراعي هذه الجوانب من بداية حياتك وبداية معرفة المكاسب بالنسبة لك.
من جهته، قال الدكتور صالح عبد الوهاب وكيل كلية البنات جامعة الأزهر بالعاشر من رمضان، إنه ما أحوجنا في هذه الأيام أن نتكلم عن منهج الإسلام في الترشيد الاقتصادي ، خاصة في هذه الأيام التي تبدلت فيها المفاهيم والقيم فحل التخشع محل الخشوع وحل الهدم محل البناء وحلت الرزيلة محل الفضيلة ، فأصبح سلوكنا لا يتفق مع مناسكنا ، والهدم محل البناء والهدم ما يتعلق بالنزعة الاستهلاكية أو السلوك الإستهلاكي، وخاصة يزاد الأمر فداحة في الدول النامية التي تتقن ثقافة الاحتياج وعدم ثقافة الانتاج، وحلت الرزيلة محل الفضيلة فإذا تتبعنا كثيرا من ظاهر الاستهلاك وجدنا أنه يمكن الاستهلاك عنها وإشباع شهوة البطن والفرج والتملك .
وأوضح أنه عندما تزيد النزعة الاستهلاكية تزيد شهوات الإنسان ، متسائلا لماذا حدد القائمين على هذا الملتقى الترشيد بمنهج الإسلام ، لأن الإنسان في الإسلام هو محور هذا الكون وهو العمود الفقري لهذه الشريعة، فلا يمكن لأي تقدم أن يكون على يد الإنسان ولا يمكن لأي إصلاح إلا بيد الإنسان، فقد حبى الله الإنسان بكثير من النعم فقد سخر الكون كله لخدمته، معنى ذلك أن الإنسان هو محور الشريعة الإسلامية، ومن هنا كان منهج الإسلام في الترشيد الإقتصادي ، إذن فلماذا لم نتحدث عن النظام الاشتراكي والرأسمال ، لأن قيم الإسلام وقيم القرآن باقية لا تتغير أما أصحاب الفلسفات والمذاهب والأنظمة الاقتصادية تتغير مبادئها فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، لكن في الإسلام شرف الغاية من شرف الوسيلة.