يعاني حزب المحافظين البريطاني، الذي قدم أقوى رئيس وزراء، وهي مارجريت تاتشر، من موقف بالغ الصعوبة؛ إزاء التطورات التي تشهدها حاليا الساحة السياسية في بريطانيا، فبعد أن كان الحزب مكتسحا انتخابات 2019، صار اليوم مثار سخرية الخصوم وإشفاق الحلفاء، حيث أثار تخبُّط حزب المحافظين في اختيار زعيم جديد له سخرية موسكو من الجهل الكارثي لرئيسة الحكومة المستقيلة، بينما أشفقت كل من باريس وواشنطن عليها، متمنيتين عودة الاستقرار، ومؤكدتين على متانة العلاقة مع لندن.
وأمام الحزب أسبوع لتوفيق أوضاعه والتجهيز لتنصيب ثالث رئيس وزراء خلال أربعة أشهر، بعد استقالة رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس الخميس الماضي وبعد 44 يوما من توليها منصبها، وسط انقسامات شديدة وأزمة غلاء معيشة هي الأسوأ منذ أربعة عقود.
أشعلت استقالة تراس صراعا على خلافتها، وأعلن الحزب عن عملية انتخابية خاطفة تستمر 7 أيام فقط، يختار النواب المحافظون والأعضاء خلالها زعيمهم الجديد، على أن يتم تنصيبه رئيسا للوزراء بحلول ظهر الجمعة 28 أكتوبر.
ووضعت لجنة 1922، المسئولة عن تنظيم شؤون الحزب شرطا لمن يخلف تراس، وهو الحصول على تأييد مائة نائب (من بين 357 نائباً محافظاً في مجلس العموم) على الأقل بحلول يوم الاثنين.
وتعرض الحزب لنفس الموقف في عام 2016، عندما تنحت أندريا ليدسوم لصالح تيريزا ماي في سباق خلافة ديفيد كاميرون.
وبينما لم تعلن إلا بيني موردنت عن ترشحها رسميا، إلا أن عددا من الوزراء والنواب بدءوا في إعلان ولاءهم لها، وذلك وفقا لاستطلاعات رأي مبكرة.
بن والاس يعلن رفضه الترشح
ورغم الدعوات المتكررة، أكد بن والاس، وزير الدفاع البريطاني، رفضه الترشح لزعامة الحزب للمرة الثانية، وقال: "أشعر أن بوسعي إضافة أفضل قيمة في الحفاظ على أمن الناس بكوني وزيراً للدفاع.. إنها الوظيفة التي أعتزم مواصلة الاضطلاع بها، ولذا لن أترشح لمنصب رئيس الوزراء هذه المرة". معربا عن ميله لدعم بوريس جونسون.
جونسون أول المرشحين
وهنا شكوك بين المحافظين حول قدرة بوريس جونسون على توحيد صفوفهم وقيادتهم إلى الانتخابات التشريعية بعد سنتين ونصف، وسط استطلاعات رأي تتوقع تكبد الحزب هزيمة مدوية أمام حزب العمال المعارض.
ويحمل المعارضون لجونسون مسؤولية الفوضى التي عمت الحزب في السنوات الأخيرة له، مستشهدين بتراجع شعبيته وانهيار حكومته في يوليو الماضي، إثر استقالة أكثر من 50 مسؤولا من مناصبهم في خلال 48 ساعة.
وأبدى جيسي نورمان، وزير الدولة، تخوفه من عودة جونسون، وقال في تغريدة إن "هناك العديد من المرشحين المحتملين الجيدين جدا لقيادة حزب المحافظين. لكن اختيار بوريس الآن سيكون قراراً كارثياً للغاية".
ويعاني جونسون من أزمة خضوعه لتحقيق برلماني حول مزاعم تضليل المشرعين فيما يتعلق بانتهاك قواعد إغلاق كوفيد-19. وحال ثبوت التهمة فسيواجه احتمال تعليق عضويته مؤقتا بالمجلس. وأقر وزير الدفاع بأنه ما زال يتعين على جونسون الإجابة عن بعض الأسئلة حول هذا التحقيق.
ورغم ذلك فإن أنصاره يهونون من أهمية التحقيق، ويرون أن جونسون هو الوحيد القادر على إنقاذ الحزب من هزيمة مهينة في صناديق الاقتراع، نظرا لقدرته على حشد دعم الناخبين، والبناء على وعود الانتعاش الاقتصادي ما بعد بريكست. ويذكرون الفوز التاريخي الذي حققه في عام 2019 ضد جيرمي كوربن، عندما نجح في كسر الجدار الأحمر، واستقطب مقاعد عمالية تقليدية، ولكن نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة أشارت لتراجع جزء من هذا الدعم؛ نتيجة الفضائح التي تورط فيها جونسون.
فيما توقعت استطلاعات يوجوف للرأي بين الأعضاء المحافظين فوز جونسون بغالبية مريحة حال انحصار السباق بينه ووزير خزانته السابق ريشي سوناك. أما عموم الناخبين فيعارضون عودة رئيس الحكومة السابق بأكثر من 50%.
سوناك صاحب أفضل الحظوظ
أما عن منافسه سوناك، الذي كان من أقرب حلفاء جونسون، فلا يُسبتعد نجاحه في حشد تأييد مائة نائب بحلول الاثنين؛ حيث إنه المرشح المفضل لدى النواب لخلافة جونسون، وتفوق على منافسيه في غالبية المراحل الانتخابية الأولى، إلا أن قاعدة الحزب فضلت تراس.
ويدعم موقف سوناك أنه عارض استراتيجية تراس الاقتصادية، ووصفها بالمغامرة غير المسؤولة، كما أنه مهندس برامج الدعم المليارية خلال جائحة كورونا، وينظر إليه على أنه مرشح جاد يملك رؤية اقتصادية واضحة لإخراج البلاد من أزمتها.
وأكد كريسبن بلانت، النائب المحافظ البارز، أن تنبؤات ريشي سوناك حول سياسة تراس الاقتصادية كانت دقيقة للغاية. علينا الآن أن نتبع الطريق الوحيد المتاح لنا، ونحشد الدعم لصالح ريشي".
واتفق معه النائب ريتشارد هولدن، الذي صرح بأنه يؤيد ريشي ليكون رئيس الوزراء المقبل، قائلا: "لقد تحدثت إلى عدد من الزملاء الذين دعموا تراس، وهم الآن يدعمون ريشي"، مؤكدا "نواجه تحديا وطنيا كبيرا، ونحتاج إلى أفضل مرشح لاستعادة المصداقية الاقتصادية. هذه هي الطريقة الوحيدة لتوحيد حزب المحافظين".
موردنت تعلن ترشحها رسميا
وبجانب جونسون وسوناك يظهر مرشح جديد لخلافة تراس، وهي بيني موردنت، وزيرة العلاقات مع البرلمان، والتي تتمتع بحظوظ جيدة، رغم أن الاستطلاعات تضعها وراء بوريس وسوناك. وبرز نجم موردنت، والتي كانت وزيرة للدفاع عام 2019؛ للعبها دورا بروتوكوليا بارزا في مراسم تنصيب الملك تشارلز الثالث، كما قدّمت أداء جيّدا في مجلس العموم أمام المعارضة العمالية.
ويعتبر أنصار موردنت أنها قادرة على تقديم صورة جديدة لحزب المحافظين وتوحيد مختلف أطيافه. وكتبت النائبة البالغة من العمر 49 عاما على تويتر: "أعلن ترشحي لأكون زعيمة حزب المحافظين ورئيسة وزرائكم، لتوحيد بلدنا، والوفاء بالتزاماتنا والفوز في الانتخابات التشريعية القادمة".