في كل يوم وفي جميع أنحاء العالم يواجه العديد من الأشخاص أصعب قرارات في حياتهم، وهو مغادرة من بلد إلى أخرى نتيجة الظروف القاسية التي نراها، ولكن الأصعب هو قرار الدولة باتخاذ هذا القرار بالإجبار رغم عدم موافقة هذا الشخص إلى الرحيل لدولة أخرى.
احتج عدد من اللاجئين في بريطانيا، بعد إبلاغهم عن اختيارهم ضمن مجموعة تقرر ترحيلها بعد أقل من أسبوعين إلى رواندا، وقالت Zoe Gardner رئيسة قسم السياسة والمناصرة في "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين" المعروف بأحرف JCWI اختصارا، إن بين المقرر ترحيلهم 15 سوريا، فيما البقية هم 85 من المصريين والأكراد والتشاديين والأفغان، وهو ما سبق وأعلنته وزيرة الداخلية بريتي باتيل.
وكانت الوزيرة قالت الثلاثاء الماضي، إن الحكومة سترحل أول مجموعة من المهاجرين إلى رواندا في 14 يونيو الجاري، وأن وزارتها بدأت بإصدار إخطارات رسمية بترحيلهم "كخطوة إدارية نهائية" في شراكتها مع الدولة الواقعة بالشرق الإفريقي "برغم وجود محاولات لتأخير العملية التي "لن تتوانى الوزارة عن تنفيذها" وفق تعبيرها.
وأيضا احتج المحتجزون من اللاجئين في مركز Brook House القريب من مطار "غاتويك" اللندني على القرار، وأضربوا عن الطعام، بعد أن علموا من الوزارة بقرب ترحيلهم إلى "كيغالي" عاصمة رواندا، وبعد أن صادرت السلطات هواتفهم المزودة بكاميرات، وزودتهم بأخرى دون اتصال بالإنترنت.
وما يستهدف اللاجئين إلى بريطانيا حاليا، هي خطة اعتمدها رئيس الوزراء بوريس جونسون في أبريل الماضي، لصد من يستخدمون طرقا غير قانونية، منها عبور بحر "المانش" تسللا، ووعد "بنقلهم بسرعة وإنسانية إلى دولة ثالثة أو إلى بلدهم الأصلي" وهي خطة تعرضت لانتقادات شديدة من جمعيات مختلفة، إلا أنه يصر على أن المتسللين بقارب صغير "هم في الغالب شبان لم يفروا مباشرة من خطر وشيك"، وأكثرهم وفق بيانات الوزارة من أفغانستان.
لذلك، انتقد عدد من السياسيين والجمعيات الخيرية في بريطانيا خطة الحكومة الخاصة بإرسال عدد من طالبي اللجوء إلى رواندا، واصفين إياها بـ"القاسية".
وكان رئيس الحكومة البريطانية قد كشف في وقت سابق من اليوم عن أن الخطة ستقتصر على ترحيل الذكور الذين يصلون إلى الجزر البريطانية وحدهم.
وقال جونسون إن البرنامج الذي سوف يكلف 120 مليون جنيه إسترليني سوف ينقذ حياة العديدين ويجنبهم الوقوع في براثن المهربين.
وانتقدت منظمات اللاجئين الخطة وطرحوا علامات استفهام على تكلفتها وتأثيرها، وحذروا من سجل رواندا في قضايا حقوق الإنسان.
وقال جونسون إن هناك ضرورة للوقوف في وجه "المهربين الحقراء" ومنعهم من تحويل المحيط إلى مقبرة مائية للاجئين، من خلال خطة تهدف إلى إعاقة عملهم.
وأضاف قائلا "قد تكون إنسانيتنا بلا حدود لكن قدرتنا على مساعدة الآخرين ليست كذلك لا نستطيع أن نطلب من دافع الضرائب البريطاني أن يتحمل تكاليف قدوم من يرغب بالقدوم للحياة هنا بلا حدود".
وأضاف أن من يصلون إلى بريطانيا للجوء لن يستقبلوا للإقامة في فنادق بل سيوضعون في مراكز احتجاز.
وقالت الحكومة الرواندية إن اللاجئين سيحظون بحماية كاملة تحت القانون الرواندي، وسيحصلون على فرص عامل متكافئة والانتفاع بالنظام الصحي ونظام الرفاه الاجتماعي.
وتعتقد وزارة الداخلية البريطانية أن قانون الهجرة الحالي يجعل تطبيق الخطة ممكنا، لكن تبقى هناك علامات استفهام حول مشروعية البرنامج.
وقال جونسون إن الخطة منسجمة تماما مع القانون الدولي، لكنه اعترف أنه سيواجه تحديات في المحاكم ومع من وصفهم "بجيش من المحامين ذوي النوايا السياسية".
وكان جونسون يتحدث في كنت، وقال إن الخطط الجديدة ستعيق مع الوقت نوايا اللاجئين بشكل كبير.
ووصف زعيم حزب العمال سير كير ستارمر البرنامج بأنه غير قابل للتنفيذ، وقال إنه يهدف إلى صرف الأنظار عن فضيحة الغرامات التي فرضت على أعضاء في حزب المحافظين بسبب مخالفتهم قوانين الإغلاق بسبب كورونا.
يذكر أن 28526 شخصا دخلوا بريطانيا العام الماضي في قوارب صغيرة، بينما لم يتجاوز العدد 8804 عام 2020، وقد وصل حوالي 800 شخص وقد يصل العدد إلى 1000 شخص يوميا في الأسابيع القادمة.
وقال جونسون إن رواندا تملك إمكانيات لإعادة توطين عشرات الآلاف في السنوات القادمة، بمن فيهم أولئك الذين دخلوا بريطانيا بشكل غير قانوني منذ بداية السنة.
وقالت المدير التنفيذي لمنظمة الصليب الأحمر البريطاني زوي إبرامز إن المنظمة في غاية القلق من البرنامج وإن تكلفته المادية والإنسانية ستكون كبيرة.
كما قال المدير العام لمجلس اللاجئين أنور سولومون إن منظمته مذهولة من "قرار الحكومة البغيض" الذي لن يحول دون مجيء اللاجئين إلى المملكة المتحدة.
ونوهت ميراندا بتلر، وهي محامية متخصصة بقانون الهجرة، إلى أن هناك أسئلة مهمة تتعلق بالمخاطر التي يوجهها اللاجئون بسبب عملية الترحيل، وقال حزب الليبراليين الديمقراطيين إن الحكومة تغلق الباب في وجه اللاجئين، أما إيان بلاكفورد من الحزب الوطني الاسكوتلندي فقال إن الخطة "مفزعة"، وقد أثيرت شكوك حول سجل حقوق الإنسان للحكومة الرواندية ورئيسها بول كاغامي.
وكانت الحكومة البريطانية قد عبرت عن قلقها العام الماضي في الأمم المتحدة بسبب استمرار القيود المفروضة على حقوق الإنسان والحقوق السياسية وحرية الصحافة في رواندا.
مع ذلك وصف جونسون رواندا بأنها واحدة من أكثر البلدان أمانا، وكانت جهات أخرى مثل جبل طارق وجزيرة أسينسيون ضمن البلدان التي جرى بحثها كمقصد لترحيل اللاجئين.
وعقب ذلك، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيانها عن "معارضة شديدة ومخاوف بشأن خطة المملكة المتحدة لتصدير التزاماتها الخاصة باللجوء"، وحثت المملكة المتحدة على "الامتناع عن نقل طالبي اللجوء واللاجئين إلى رواندا من أجل البت في طلبات اللجوء".
وقالت مساعدة المفوض السامي لشؤون الحماية، جيليان تريغز:"لا تزال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعارض بشدة الترتيبات التي تسعى إلى نقل اللاجئين وطالبي اللجوء إلى دول ثالثة في غياب الضمانات والمعايير الكافية، إن مثل هذه الترتيبات تقوم ببساطة بتغيير مسؤوليات اللجوء، والتهرب من الالتزامات الدولية، وتتعارض مع نص وروح اتفاقية اللاجئين".
وكانت المفوضية، قد أوضحت في تغريدة على موقع تويتر، إنه "لا ينبغي معاقبة الأشخاص الباحثين عن الأمان والحماية، والذين لا يملكون سوى القليل من البدائل ".
وأكد بيان مفوضية اللاجئين على أن "الأشخاص الفارين من الحرب والصراع والاضطهاد يستحقون التعاطف والتعاطف لا ينبغي معاملتهم مثل السلع الأساسية وتحويلهم إلى الخارج للبت (في أمورهم)".
ومنذ عدة أيام، أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن الرحلة الأولى إلى رواندا التي ستنقل طالبي لجوء لم يسمح لهم بدخول المملكة المتحدة، من المقرر أن تغادر منتصف يونيو.
وبدأ المسؤولون عن هذا الملف إرسال إخطارات نهائية إلى أول مجموعة من الأشخاص الذين سيتم ترحيلهم إلى الدولة الواقعة في شرق أفريقيا، وذلك بموجب مخطط ترحيل جديد مثير للجدل، وصفه ناشطون بأنه "غير عقلاني" و"غير قانوني".
وعلم أن وزارة الداخلية أبلغت في وقت سابق من مايو الماضي، عشرات الأشخاص، بأنه يجري النظر في موضوع ترحيلهم، وتقوم في الوقت الراهن بتوزيع إخطارات الترحيل عليهم وأكدت الوزارة أن المسؤولين يعملون على ضمان حصول الأفراد على "المساعدة المناسبة" قبيل مغادرتهم.
وقد جرى تحديد موعد الرحلة الأولى في الرابع عشر من يونيو، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا سيكون جميع الأفراد الذين تلقوا الإخطارات، على متن الطائرة وتعد إشعارات الترحيل آخر عقبة إدارية في مسار عمليات الإبعاد، علماً بأنه يمكن للأشخاص الذين يتلقونها الطعن فيها أمام المحكمة.
وأوضح "المجلس المشترك لرعاية المهاجرين" Joint Council for the Welfare of Immigrants (مؤسسة خيرية تعنى بعدالة قوانين الهجرة والجنسية واللاجئين)، أن هناك أكثر من 12 لاجئا سوريا من بين الأفراد الذين جرى إبلاغهم بأنه سيتم ترحيلهم في الرابع عشر من يونيو.
ومن جانبه، وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل قالت إنه "فيما ندرك تماما أننا سنرى محاولات إحباط لعملية الترحيل وتأخيرها، لن أسمح لأي شيء بأن يحيدني عن هذا المسار، وسأظل ملتزمة التزاما كاملا للوفاء بما يتوخاه منا الرأي العام البريطاني".
وتجدر الإشارة إلى أن "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كانت قد أعربت عن معارضتها سياسة الترحيل البريطانية، معتبرة أنها "تتهرب من الالتزامات الدولية، وتتنافى مع نص (اتفاقية اللاجئين) وروحيته".
ولفت مسؤولو المفوضية إلى أنه لا يوجد التزام قانوني دولي يفرض على اللاجئين طلب اللجوء في "أول دولة آمنة يصلون إليها"، وهي حجة رئيسة من الحجج التي بنيت عليها سياسات الحكومة البريطانية في هذا المجال.
رواندا دولة آمنة لنقل المهاجرين
يشار أخيراً إلى أن في التوجيهات الصادرة التي جرى تعميمها في ما يتعلق بالتهديد باتخاذ جمعيات خيرية مؤيدة للاجئين إجراءات قانونية ضد الحكومة أكدت وزارة الداخلية أيضاً أن رواندا "هي دولة آمنة لنقل المهاجرين إليها"، على الرغم من أن التقييم الذي تم إجراؤه قبل الاتفاق أورد "تسجيل بعض المخاوف في شأن حقوق الإنسان في رواندا" بالنسبة إلى المعارضة السياسية للنظام الراهن، والمنشقين عنه، وحرية التعبير في البلاد".