من لاعب بالنادي الأهلي لطيار مقاتل.. اللواء طيار جلال حافظ يروي ل"بلدنا اليوم" جانب من معركة المنصورة الجوية

الخميس 14 أكتوبر 2021 | 09:55 مساءً
كتب : عمر يوسف

"في جبين السماء لاح نجم القدر، من غزاة الفضاء يتحدى الخطر، صاعدًا في الفضاء نازلا كالقدر، يا نسور الحما، يا غزاة السما، يومكم للنيل عيد، وإنتصار وخلود، إنه الفجر الوليد إنه الصف الجديد، فإسرفوا الجو وسودوا، وإرفعوا راية مصر إرفعوها للسماء".

لواء طيار جلال حافظ

في هذا الحوار، يأخذنا اللواء طيار دكتور جلال عبد الوهاب حافظ، في رحلة جوية إلى سماء المعركة، كل ما عليك هو الإستعداد للإقلاع في غضون 3 دقائق، فتلك هي الفترة التي يحتاجها الطيار المقاتل، ليتحول من حالة السكون على الأرض إلى التحليق في السماء.

لواء طيار جلال حافظالبداية

تخرج اللواء طيار جلال عبد الوهاب حافظ، في معهد التربية الرياضية بالهرم عام 1968، وتعين معيد في المعهد، وسط رغبة عارمة منه ومن جميع جيله، بمحو عار نكسة 1967، تلك الرغبة التي حولت حافظ من لاعب في صفوف النادي الأهلي ومنتخب مصر لألعاب القوى، إلى ضابط طيار مقاتل.

نكسة 1967

يقول اللواء جلال حافظ: لم نتوقع حدوث النكسة، فعندما كنت في المعهد، كنا نرى قوات المدفعية والألوية المدرعة والكثير من المعدات العسكرية، تتحرك من تمركزاتها في الهرم، متجهة إلى الجبهة، كنا جميعًا نقف فخورين بقوة جيشنا، فالتوقعات كانت تشير إلى صعوبة هزيمتنا في أي معركة، بالإضافة إلى إعدادنا كطلاب تربية رياضية للحرب، فكنا نرتدي الزي العسكري، ونتلقى التدريبات العسكرية المختلفة، ونحمل السلاح إستعدادًا للذهاب إلى الجبهة في أي وقت.

وأضاف حافظ: في ذات مرة، رأينا الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف مطار غرب القاهرة، موضحًا بإنه في تلك الفترة لم تكن وسائل التواصل متطورة كالآن، لم نجد سوى الراديو، حتى جاء الوقت الذي علِمنا فيه بالهزيمة، وذقنا مرارتها.

الكلية الجوية

ييقول حافظ: جاء إلتحاقي بالكلية الجوية قدريًا، فلم أكن أخطط لأن أصبح طيار مقاتل، فشغفي وأحلامي كانت على المستوى الرياضي، إلى أن جاءت اللحظة التي ذهبت فيها بصحبة أخي، للتقديم له بالكلية الجوية، وعندما كنت معه، عرفنا أن الكلية الجوية طلبت دفعة من الجامعيين حملة المؤهلات العليا للإلتحاق بصفوفها بجانب دفعات الثانوية العامة.

ويواصل حديثه قائلا: إستشرت أهلي في هذا الموضوع، وعلى الفور حصلت على الموافقة، فذهبت للتقديم في اختبارات الكلية والتي تتميز بالصعوبة وطول فترة أدائها، إلى أن وفقني الله وإلتحقت بالكلية الجوية، عام 1968.

لواء طيار جلال حافظ

وتابع: لم أكن أتخيل بإنني سألتحق بتلك الكلية، والتي تتميز بصعوبة الدراسة بها، لم أجد صعوبة في الإنضباط العسكري أو أداء التمارين الرياضية، فكل هذا تعلمته على مدار 4 سنوات بمعهد التربية الرياضية، حتى أن قادتي بالكلية، ومنهم العقيد أركان حرب محمد حسني مبارك، الذي كان منبهر بي، وكيف إني طالب مستجد، وعلى قدر عالي من الإنضباط وأداء التمارين الرياضية.

وأكمل: كان ترتيبي الأول على زملائي في فترة الإعداد، وفي العلوم النظرية، فتم ترقيتي إلى رتبة عريف، وإرسالي على رأس بعثة من طلاب الكلية، لإستكمال الدراسة في الاتحاد السوفيتي.

وأردف حافظ: تعلمنا هناك الطيران على متن المقاتلة (ميج 21)، وكافة المعلومات المتعلقة بها، إلى أن جاءت اللحظة التي إنتظرناها كثيرًا، وهي لحظة الرجوع إلى مصر، والتخرج من الكلية الجوية، ليتثنى لنا القتال.

وتابع: تخرجت على قوة الدفعة 25 طيران، عام 1970،وخدمت باللواء جوي 104 والذي يحوي 3 أسراب، سربين بالمنصورة، والثالث في أنشاص.

الخدمة

بدأ اللواء جلال خدمته بقاعدة المنصورة الجوية، ويقول: وجدت في القاعدة حياة عسكرية وإنضباط لم أعيشه بالاتحاد السوفيتي، منذ أول يوم وطأت فيه قدماي أرض القاعدة، والعمل الشاق المخلوط بالعنف الشديد، هو المسيطر على الأجواء، تدربنا كثيرًا، في كل الأوقات، ودرسنا العدو وتكتيكاته التي يتبعها في الطيران، للتغلب على فارق الإمكانيات الشديد الذي كان يصب في مصلحته.

1973

وعن هذه الفترة، قال حافظ: احتجزت في المستشفى، قبل الحرب ولمدة 3 أشهر، بسبب حالة مرضية، إلى أن جاء يوم السادس من أكتوبر 1973، فطلبت من رئيس أركان المستشفى اذن بالخروج، لتجهيز مراسم خطوبتي، فحصلت على اذن نصف يوم.

وتابع: بعد يوم شاق بصحبة خطيبتي، جلسنا بأحد الأماكن بوسط البلد، لنيل قسط من الراحة، وأثناء جلوسنا، استمعنا في الراديو بيان عبور القوات لقناة السويس، لأتحول في هذه اللحظة إلى ضابط مقاتل، إذ قمت بإيصال خطيبتي إلى منزلها، ثم رجعت منزلي، وإرتديت بدلتي العسكرية، وعدت إلى المستشفى، حتى أحصل على اللياقة الطبية التي تسمح لي بالسفر إلى الجبهة.

وواصل حديثه قائلا: إنتهت إجراءات سفري إلى الجبهة، وذهبت إلى قاعدتي في الأقصر، وعندما ذهبت إليها، علمت أن سربي نُقِل إلى قاعدة وادي قنا، كما تم نقل سرب قاعدة وادي قنا إلى قاعدة الأقصر، كشكل من أشكال التمويه.

وأكمل: بعد وصولي إلى قاعدة وادي قنا، تحدثت مع القادة والضباط، لرغبتي في التحليق من جديد والمشاركة في المعركة، فأكدوا لي إنني سأحلق في أول ضوء من اليوم التالي.

الثامن من أكتوبر 1973

كان أول تحليق لي منذ خروجي من المستشفى، بأول ضوء من يوم الثامن من أكتوبر، بصحبة رضى صقر ، إذ قمنا بعمل مظلة لحماية ساحل البحر الأحمر.

العمليات

قال حافظ: كانت الأوضاع مستقرة نوعًا ما في الجنوب، لهذا صدرت إلينا الأوامر بنقل السرب 42 بكامل عتاده وتسليحه أثناء الحرب، من الجنوب إلى الشمال، بقاعدة طنطا الجوية، لمعاينة السربين 44 و46 بالمنصورة.

وأشار حافظ في حديثه إلى صعوبة ما قام به السرب 42 من نقل كامل عتاده من الجنوب إلى الشمال، أثناء الحرب، دون أن يكشفه طيران العدو، حيث أضاف: طرنا على وجه الأرض، حتى لا نتحول إلى صيد سهل بالنسبة للعدو، فكنا غير مجهزين للقتال، بل كنا ننقل معدات السرب إلى المكان الجديد، بمعاونة الموجهين الأرضيين.

جانب من معركة المنصورة الجوية

14 أكتوبر 1973

يقول اللواء حافظ: كنت محلقًا في الجو مع الطيارين بشر، وتيمور إحسان، وشريف سامي، متجهين مباشرةًا إلى شمال شرق الدلتا، بتوجيه من الموجه الأرضي متولي، نحو طائرات معادية.

وتابع: قمنا بإلقاء الخزانات الإضافية، وتوجيه مقدمة الطائرة إلى الأسفل، ورأيت لأول مرة 4 طائرات معادية في الأسفل، وأخبرت بشر بمواقع الطائرات، فأكد رؤيتها، ومع توجهنا نحوهم وجدنا 4 طائرات إضافية خلفهم.

وأضاف موضحًا: أثناء توجهنا نحوهم، حاولوا الفرار، نظرًا لإرتفاعنا الأعلى منهم، فقاموا بالتوجه شمالا للعودة، لاكنهم أخطأوا حيث جعلوا نفسهم فريسة لنا، فانتظرنا مرورهم جميعًا ثم دخلنا خلفهم، ورأينا آخر تشكيل معادي يقوم بإلقاء معداته من أجهزة إلكترونية وذخيرة، ويزيد من سرعته للفرار، فظللنا نطاردهم إلى أن إقتربنا من آخر طائرتين.

وأكمل: اقترب بشر أكثر لاكنه غير قادر على الإطلاق، بسبب سرعة دوران الطيار المعادي، لاكني كنت موجه طائرتي نحوه مباشرةًا، وعند اخباري لبشر، حذرني من الضرب، حتى لا أصيبه بالخطأ، وكان على حق، وهذا بالتزامن مع عودة طائرتين معاديتين إلينا من الأعلى، مستغلين إنشغال تيمور وشريف بالإشتباك مع 4 طائرات أخرى.

وأردف: أخبرت بشر بالأمر، فأمرني بالإشتباك معهم، فعلى الفور قمت بالدوران سريعًا لأصبح في وجه الطائرة الأولى والتي هبطت إلى الأسفل، والثانية مرت من جانبي، حتى إني رأيت الطيار والملاح بالحجم الطبيعي، وسريعًا هبطت خلفه، وقمت بإمطاره بوابلٍ من الطلقات، ولاكنها لم تصيبه، ثم قمنا بعدة مناورات إلى أن أصبح بجانبي مباشرةًا، فقمت بالصعود معه لأعلى، ثم رفعت سرعتي وقلبت الطائرة رأسًا على عَقِب، فأصبحت بمواجهته، فقمت بإطلاق عدة طلقات، أصابت جناحه الأيسر.

وإختتم حافظ حديثه قائلا: وفجأة توقفت طائرتي في الجو، دون أي حركة، فحاولت السيطرة عليها، ونجحت في إنزال مقدمة الطائرة للأسفل، وهذا بالتزامن مع توقف المحرك عن العمل، فقمت بعدة محاولات لتشغيل المحرك، حتى نجحت قبل اصطدامي بالأرض بمسافة بسيطة، وبالتواصل مع الموجه الأرضي، أخبرني بالتوجه إلى قاعدة طنطا، نتيجة لتعرض المنصورة إلى هجوم، وأمرني بالطيران على وجه الأرض، نتيجة لفتح جميع الأسلحة في الجو، فإذا لم أسقط من العدو، ستضربني صواريخ الدفاع الجوي المصرية، لغياب عمليات التعرف في تلك المنطقة، فأخذت طريق طنطا ومررت بين الأشجار والأعمدة إلى إن وصلت إلى القاعدة، وبتواصلي مع برج مراقبة المطار لم أجد ردًا، حتى تواصل معي الطيار أحمد الوكيل من طائرته الكائنة بإحدى الدشم، وأخبرني بوجود عطل في المراقبة، وبعد ثواني قام أحد من البرج بالتواصل معي، وأخبرني بضرورة النزول بسبب تعرض المطار لهجوم، فقمت بالتوجه إلى الممر وهبطت، لأفاجأ بتشكيل من الطائرات المعادية دمر ممر الدشمة المخصصة لي، فعلى الفور توجهت إلى دشمة أخرى، بالتزامن مع توجه تشكيل طائرات معادية نحوي، ونظرًا لقلة الوقود توجهت سريعًا دداخل الدشمة، ثم أُغلِقت خلفي، وسمعت دوي إنفجارات في الخارج.

ليست هذه البطولة الوحيدة لللواء جلال عبد الوهاب حافظ، فإعلم عزيزي القارئ، أن ما قام به حافظ، لا يكفيه هو وباقي الأبطال حوارٍ واحد فقط.