- الشهيد وعد زوجته بمفاجأة تهز كيانها قبل وفاته بساعات
- نص رسالة العتاب من زوجة العميد عامر عبدالمقصود لمخرج مسلسل "الاختيار 2"
- تفاصيل أخر ما قاله العميد عامر قبل إزهاق روحه بدقائق -زملاء الشهيد لقبوه بـ"شيخ العرب" لتنفيذه روح القانون
في ظهر يوم الأربعاء الموافق 14 أغسطس 2013، مسلحون بآر بي جي وبنادق آلية حاصروا مركز شرطة كرداسة وبداخله لوائين وعقيد ونقيبان و7 آخرين من الأمناء والأفراد، رغبة منهم في قتل ما بداخله ردًا على قيام وزارة الداخلية بفض اعتصام رابعة صباح نفس اليوم، في حالة من التمسك بميثاق شرف المهنة والعهد الذي يتعهد به كل رجل أمن في البلاد لم يقبل هؤلاء المواطنين الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم ولم يهربوا وتحملوا الاعتداء عليهم بالضرب بالأسلحة النارية والبيضاء والسحل والتمثيل بجثثهم حتى لا يتركون أعداء الوطن يقومون بتنكيث علم مصر ورفع علم الجماعة الإرهابية على مؤسسة شرطية دورها حماية المواطنين وليس استباحة الدماء، كل ذلك أحداث مر عليها من الزمن مايقرب من ثمان سنوات أحياها منذ عدة أيام عمل درامي وهو مسلسل "الأختيار 2"الذي يجسد هذا العام بطولات رجال الشرطة المصرية أو "رجال الظل" كما أطلق عليه، وهذا ماجعلنا نشارك في إحياء ذكرى هؤلاء الأبطال من خلال مقابلة أهاليهم وسماع سيرتهم العطرة.
ومن أبرز هؤلاء الأبطال الذي سجل بدماءه اسم من ذهب في ذاكرة كل مواطن مصري شريف محب لتراب الوطن، يتألم قلبك ويشب شعر رأسك وتنغرس الوجيعة والحسرة بداخلك عندما تسمع قصة رجل أعطى من عمره مايقرب من 25 عامًا ضابط شرطة يحمي البلاد يتمنى الشهادة في سبيلها، ينولها ولكن بطريقة مفجعة عندما يتم الاعتداء عليه بالضرب بأسلحة نارية وبيضاء تقطع شرايين يده اليمنى، ويضرب بآلات حادة على كافة أنحاء جسده ويتم سحله ثم حمله على سيارة ربع نقل ويتم نقله لمنطقة نهيا التابعة لمحافظة الجيزة وتسليمه لسيده تدعى "سامية شنن" إحدى العناصر النسائية بجماعة الإخوان الإرهابية؛ لتقوم بالتمثيل بجثمانه وأثناء ذلك وهو يحتضر وكان صائم الست الأيام البيض يطلب مياه ليرتوي حلقه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة فتقوم بإعطائه ماء النار التي حرقت جوفه وأنهت حياته.
قصة تقشعر البدن فما بالك ببطلها الذي فعل فيه كل ماذكر من قلوب متحجرة يملؤها الكرهه والحقد فقدت العقل والضمير واستبدلت بعشق هدر دماء الشرفاء.
لإستكمال قصة الشهيد البطل عامر عبد المقصود، انتقلت لـ"بلدنا اليوم" لمقابلة نصفه الثاني السيدة "نجلا" التي استقبلتني بإبتسامة مرسومة على وجه شاحب وعينان ممتلاءن بالحزن والدموع، لتروي لنا قصة حبيب القلب التي عاشت من العمر 21 عامًا مسنودة على جبل قوي كان لها الزوج والصديق والأخ والأب السند بمعنة الكلمة التي بدأت حديثها عنه أنها تربت على يده بحكم القرابة بينهما، ونشأت بينهم قصة حب كبيرة توجت بالزواج وإنجاب ولدين وهم "أحمد" الذي يبلغ من العمر الأن 27 عامًا، و"علاء" 21 عامًا.
رسالة عتاب
في بداية حديثها قامت بتوجيه الشكر لفريق عمل مسلسل "الأختيار 2"، على تجسيد بطولات الشرطة المصرية، ولكن كان لها تحفظ على عدم إبراز دور الشهيد عامر عبد المقصود، والتي طالبت مخرج العمل "بيتر ميمي" إعداد عمل خاص بمذبحة كرداسة لأنها تستحق أن تجسد في عمل خاص لإنها شهدت الكثير والكثير من الأحداث المؤلمة التي وجعت عدد من البيوت المصرية حسرة على فراق أحبتهم.
ووصفت السيدة "نجلا" أبطال مذبحة كرادسة إنهم رجال تستحق إحياء ذكراهم على مدار التاريخ، وإنها بدورها زوجة شهيد سوف تظل تحي في سيرته العطرة حتى أن تلحق به.
لحظة صمت ألتقطت فيها الزوجة المفتقدة لنصفها الثاني أنفاسها، وأكملت حديثها عن الحلقة التي أحيت ذكرى الشهيد بعد ثمان سنوات وهي الحلقة الخامسة من"الأختيار 2" التي وصفتها إنها مثل مباراة هامة للمصريين تجمعوا في "الكافيهات" لمشاهدتها، وأضافت إنها تلقت مكالمات كثيرة بعد عرض الحلقة من الأهل والأصدقاء وزملاء البطل في الداخلية يشاطرونها حزنها على استرجاع ذكريات مؤلمة جعلتها تعود لحالة الإنهيار التي عاشتها منذ سنوات.
اشتياق اللقاء الأخير
خرجنا عن الحديث عن الدراما وما جسدته وقررنا أن نتحدث عن الواقع وبسؤالها عن لحظة تلقى خبر استشهاد العميد عامر عبد المقصود، قالت إنها قبل الحادث بيوم بالتحديد يوم 13 أغسطس قبل خروجه للعمل طلبت منه الخروج مساء اليوم سويًا، وعندما سألها عن السبب ذكرته بعيد زواجهما الحادي والعشرون الذي سقط من ذاكرته من كثرة الضغوط عليه، ورد بالموافقة وسؤالها عن الهدية التي ترغبها، فكانت هي الفسحة التي كانت تفتقدها بعض الشئ بسبب عمله كاضابط شرطة.
وأضافت زوجة الشهيد، أنه ذهب لعمله وهو على اشتياق للقاء مع زوجته الحبيبة ليحتفلا سويًا بإحياء ذكرى توثيق حبهم الذي مر عليها 21 عامًا، ولكن لعب القدر دوره ولم تتم هذه اللحظة بسبب تلقيه اتصالًا هاتفيًا من والدته التي ارتجف قلبها بدقات اللهفة والاشتياق لرؤية ابنها لتودعه الوداع الأخير، وذلك بطلبها رؤيته ورغبتها بشدة وفي حالة من المحاولات منه لتأجيل اللقاء لغد حتى يحقق مطلب زوجته إلا أن قلب الأم الذي تملكته أحاسيس غريبة في هذا اليوم انتصرت وتمكنت من إقناعه بتأجيل الخروج، وذهب لوالدته وفي هذا اليوم صدرت عنه تصرفات غريبة لم يستوعبها عقل زوجته إلا بعد وفاته وهي أنه مر على كل الجيران في الشارع لحي الدقي وسلم عليهم ومن لم يجده في الشارع يذهب لبيته ويسلم عليه وكأنه يودعهم في اللقاء الأخير.
مفأجاة تهز الكيان
وتابعت أنه أثناء ذلك تلقى مكالمة من مأمور المركز اللواء محمد جبر يطلب منه العودة للعمل حالًا لرفع حالة الطوارئ، فقام بالاتصال بها وأخبرها بعودته للمركز بسبب هذه الظروف وطلب منها التماس العذر على عدم تلبية رغبتها وأنه سوف يعوضها غدًا ووعدها بمفاجأة سوف تهز كيانها كما قالت، وفي انتظار تلك المفاجأة، بدموع بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى رددت: "بالفعل اهتز كياني بموتك ياعامر."
صمتت قليلًا واستكملت الحديث إنها في نفس اليوم وجدت الشهيد ناشر عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" منشورًا يتضمن الآتي: "يارب وإن نامت أجزائي تحت التراب، وكنت ناسيا منسيا فاهبلي ناس يدعون لي دون مل".
رؤية في منام الشهيد
تقول السيدة "نجلا" أن ما قراءته أشعرها بحالة من القلق الشديد والخوف، على الفور قامت بالاتصال به لسؤاله عن ما كتبه، فكان رده: "متخديش في بالك" وردت عليه: "ازاي انت كاتب كلام صعب أوي كلام واحد بيودع الدنيا"، ليرد عليها: "أنا مش بحرص على كل تصرفاتي بسبب قلقك الزائد دائما أنا بقولك متقلقيش وادعيلي وانتي بتصلي الفجر وكترى من الدعاء" وقام بتذكيرها برؤية كان شاهدها قبل استشهاده بعدة أشهر بالتحديد يوم عيد ميلاده الموافق 25 فبراير، أثناء منامه وهي "أنه رأى نفسه في الجنة وشاهد نفسه تتفتح أمامه 7 أبواب كل ما يفتح باب يجد نفسه في جنة أكبر وأنه في الباب السابع رب العزة حدثه وقاله له أيرضيك يا عبدي قال يرضيني كل الرضا فقال له الله تمن علي" فسألته ماذا تمنيت فرد عليها: "تمنيت أن أنول الشهادة".
وأشارت زوجة الشهيد عامر عبد المقصود، إلى أنه أخبرها في هذه المكالمة أنه رأى نفس الرؤية أمس وخوفًا على قلقها رفض أن يحكي لها قبل نزوله من المنزل لعمله وطلب منها أن تغلق معه لتتركه يقرأ الورد اليومي من القرآن كما تعود.
مع استمرار سقوط دموعها وصفت السيدة "نجلا" أن هذه المكالمة كانت مصدر حالة من وجع القلب والرعب والقلق التي انتابتها، واستشعرت أن تحقيق الكابوس الذي كانت تشاهده منذ عامين بأن زوجها سيموت قد اقترب، ولم تستطع النوم في هذه الليلة، وظلت في هذا القلق حتى الساعة العاشرة صباحًا عندما تلقت منه مكالمة يخبرها أنه اتصل بنجلهما الكبير الذي كان في رحله مع أصدقائه واطمأن عليه، وسألها على ابنهم الصغير "علاء" الذي أخبرته أنه نائم وللمرة الأولى الذي يطلب منها أن تقوم بإستيقاظه وألح بشدة على ذلك.
وصية أب واستطردت: "بالفعل ذهبت لنجلنا وأيقظته وبعد رده على والده سمع منه تلك الكلمات التي كانت الوداع المحمل بوصية قال له أناعاوزك النهاردة راجل البيت وتاخد بالك كويس من ماما، ومتفتحش الباب لحد، وبسؤال الابن عن سبب هذا الكلام، قاله يا حبيبي أدعي لبابا يا عالم هتشوفني تاني ولا لاء".
وأوضحت زوجة الشهيد، أن تلك الكلمات جعلتها تأخذ الهاتف لتفهم سبب كل هذا، فما كان إلا إنها هي الأخرى تلقت الوصية الأخيرة «خدي بالك من نفسك أنا عارف أن ورايا ست بميت راجل ومهما حصل مش عاوزك تنهاري وتتمسكي، وأنهى الكلام بكلمة اقفلي دلوقتي فيه حاجة بره.
وقالت إنها بعد دقائق فتحت التلفاز لمتابعة أحداث فض الاعتصام ومع توالي الأحداث تم الإعلان عن خبر الهجوم على مركز شرطة كرداسة، على الفور استرجعت حديث الشهيد معها فانتفضت في حالة من الهستيريا وجرت لتتصل به للإطمئنان عليه فقام بفتح المكالمة فسمعت صوته يقول: "أنا مش عاوز أضرب رصاصة واحدة ومش عاوز تجمهر، حفاظًا على الأرواح مش هنضرب طلقة، مع سماع صوت شتائم بألفاظ نابية في حق رجال الشرطة.
لن أهرب
وأوضحت إنها انتابتها حالة من الصراخ وطلبت من زوجها العميد عامر عبد المقصود أن يترك المركز فكان رده: "تحبي أن جوزك يتقال عليه هرب وساب مكانه على جثتي أنتي عاوزاهم يرفعوا علمهم على المركز" وبدأت تسمع أصوات طلقات الرصاص وضرب المبنى بالآر بي جي فصرخ وقال: "قتلوا هشام شتا" الذي كان يوصفه بأنه ابنه الذي لم ينجبه، وفجأة الاتصال انقطع وفي محاولات عديدة منها للاتصال به كان يتم قفل الخط من الطرف الأخر، وبعد نصف ساعه تلقت مكالمة من نجلة خالها لتخبرها بإستشهاده وفي وسط حالة من رفض تصديق ما سمعته وجدت صورته على التلفاز وإعلان الخبر الذي تلقته كالصاعقة والذي أفقدها التركيز وعدم استيعاب ما سمعته الذي أودى بإصابتها بجلطة أفقدتها الحركة.
وعن المجرمة سامية شنن التي سقت الشهيد ماء نار قالت السيدة "نجلا" إنها كانت تتمنى أن تراها، متابعة: "لو كنت روحت محاكمتها كنت هاخد ماء النار وأذوقها ما أذاقته لحبيب قلبي دون إنسانية أو شفقة".
شيخ العرب
وأكدت زوجة الشهيد، لـ"بلدنا اليوم" أن العميد عامر عبد المقصود، رغم السنوات الطويلة التي قضاها في عمل يتصف بالشدة والحزم إلا أنه لم تتغير طباعه الإنسانية وحنية قلبه فكان زوج رجل بمعنى الكلمة وأب حنون وأخ وصديق رحيم بالجميع لقب في مكان عمله بأنه "شيخ العرب"؛ لأنه كان يستخدم روح القانون في أغلب الأحداث.
انتهت قصة الشهيد البطل الذي رحل جسده فقط ولكن مازالت ذكراه العطرة تذكر بالخير من الجميع، ونهاية مؤلمة تبدو قاسية ولكنها سوف تكون سببًا في تخليد ذكراه في التاريخ مدى الحياة، الدنيا مليئة بالأشخاص فمنهم من تنتهي حياته في صمت ومنهم من يخلد اسمه في مزبلة التاريخ كالإرهابية سامية شنن وكل من لوثت أيديهم بدماء الأبرياء، ومنهم ما يخلد اسمه من ذهب في قصص أساطير الأبطال.