قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية إننا لا نمن على المرأة عندما ندعو للعناية بتعليمها وتثقيفها فهو حقها الأصيل الذي سلبته العادات والتقاليد الموروثة الخاطئة فضلًا عن دعاوى المغررين، حتى أنها لا تقل في تدينها عن الرجل بل يظهر تمسكها وحرصها على دينها وحياتها في حالات عديدة فربما تكون كالرجل أو أكثر عند تلفظه بالطلاق في الحرج والخشية فتسعى وتحرص على معرفة موقفها الشرعي.
وأضاف المفتي، خلال لقائه على فضائية "صدى البلد"، أن الزوجة المصرية في أغلب الحالات داعمة لزوجها وأسرتها في كل شئون الحياة، ومحافظة على كيان الأسرة، ومكملة لشخصية الرجل في البيت وليست ملغاة، وعليها أن تساعد زوجها في إدارة المنزل، التي تنجو بها سفينة الأسرة، انطلاقًا من المودة والعشرة الطيبة وهو أمر تتميّز به المرأة المصرية والعربية.
وعن الخلافات الأسرية واستخدام العنف داخل الأسرة قال المفتي: "نحن في حاجة ماسة وشديدة إلى إدارة حضارية للخلاف الأسري؛ لأن هذا الخلاف الأسري هو ظاهرة موجودة وواقعة لا يمكن أن تنفك عنها أسرة سواء حصل الخلاف بنسبة كبيرة أو بنسبة صغيرة، لكن الأسرة الذكية والرشيدة والعاقلة هي التي تستطيع أن تحتوي هذه الخلافات وتميتها في مهدها".
وأوضح أن القرآن الكريم يرشدنا في مراحل وعظية ومراحل تأديبية ويبين لنا طريق الصواب في التعامل مع الخلافات الأسرية، فيحدد لنا أول هذه المراحل وهي الوعظ وتحتاج إلى لين جانب وليس استعلاء من كلا الزوجين، ثم مرحلة الهجر وتهدف لاتّخاذ موقف صارم وليس ترْك البيت لأنه تصرف خاطئ، فترْك أي طرف للبيت ما هو إلا تصعيد للمشكلات؛ حتى أنه من رحمة الإسلام يطلب الله عز وجل بعدم إخراج المرأة المطلقة من بيتها إلا بعد انقضاء العدة، ثم يأتي الضرب ويمثل رمزية ويجب أن يفهم مدلوله وكيفيته وفقًا للمسلك والنموذج النبوي الشريف في التعامل مع زوجاته، فتقول السيدة عائشة رضى الله عنها وعن أبيها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه قط، ولا ضرب خادمًا قط، ولا ضرب شيئًا بيمينه قط إلا أن يجاهد في سبيل الله"، بل ومغاير لمنهج الصحابة رضوان الله عليهم كما ثبت عن سيدنا عمر رضى الله عنه، فقد صبر على خلافه مع إحدى زوجاته باستحضاره لإيجابياتها وفضائلها.
ولفت مفتي الجمهورية النظر إلى أن حل المشكلات الزوجية بالضرب وإبراز السلبيات هو مسلك الضعفاء وغير المنصفين الذين لا يديرون الأسرة إدارة حسنة، فضلًا عن تعارضه مع الميثاق الغليظ، فضلًا عن أنه من غير المحبب استعمال الضرب حتى ولو كان يسيرًا.
وأكد المفتي على أن العنف الأسرى يتعارض مع مقاصد هذه الحياة الخاصة في طبيعتها حيث مبناها على السكن والمودة والرحمة، بل يُهدِّد نسق الأسرة بإعاقة مسيرتها وحركتها نحو الاستقرار والأمان والشعور بالمودة والسكينة، ومن ثَمَّ تحويلها لتكون موطنًا للخوف والقلق والشجار المستمر ونشر الروح العدوانية، فضلًا عن مخالفة هذا العنف لتعاليم الإسلام؛ فقد حث الشرع الشريف على اتّباع الرفق ووسائل اليسر في معالجة الأخطاء".
وأردف مفتي الجمهورية قائلًا : " إن مسئولية الزواج هي مسئولية مشتركة بين الزوجين، فقد حث الشرع الشريف المسلمين كافةً على ضرورة تحمل المسئولية في كل شئونهم، ولم يفرق بين أحد وأحد، بل وضع كل واحد أمام المسئولية المنوطة به؛ كل حسب قدراته ووظيفته في الحياة؛ فكل فرد مسلم يعتبر راعيًا ومرعيًّا في وقت واحد، عليه واجبات يجب أن يؤديها لأهلها، وله حقوق يجب أن تؤدى إليه؛ وقد جُمع كل ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته»، وجاء تعميمه صلى الله عليه وسلم في بداية الحديث بقوله: «كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته»، وفي آخره أيضًا: «وكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته»؛ تأكيدًا على تلك المسئولية.
ولفت فضيلته النظر إلى أن الرجولة أو القوامة تعني مسئولية الرجل عن الأسرة المكونة من الزوجة والأولاد إن وجدوا، فهي لا تعني تسلطًا واستعلاءً، بل تعني قيامًا على الحق وعدلًا في تولي الأمر، وكل ذلك يدخل في مضامين المسئولية والولاية؛ فمفهوم القوامة الزوجية وحقائقها يدور حول قيادة الأسرة وضبط أمورها وانتظام شئونها في رشد ووعي استحضارًا وامتثالًا للنموذج النبوي الشريف.
وأضاف أن عدم استحضار أهمية الحقوق والواجبات المتبادلة للزواج ذلك الميثاق الغليظ هو من أهم أسباب فشل العلاقة الأسرية في الخمس سنوات الأولي في معظم حالات الطلاق، فضلًا عن السماح للعصف ببيت الزوجية نتيجة التدخلات الغير منضبطة من أهل الزوجين أو من مواقع التواصل الاجتماعي مما يبين عدم الاستعداد الجيد لهذه المرحلة الجديدة؛ لذا فنحن نجزم بأهمية التوعية والاستعداد للحياة الزوجية فقد أدركنا في دار الإفتاء المصرية أن قضية الطلاق لا تعد مشكلة اجتماعية وحسب بل هي بمثابة قضية أمن قومي ولذا أنشأنا منذ سنوات في 2014م بدار الإفتاء المصرية وحدة الإرشاد الأسري بالتعاون مع الجهات المعنية ومنها وزارة التضامن الاجتماعي على مدار سنوات وبرعاية قيادتها طوال هذه السنوات.
وأشار إلى أن الميثاق الغليظ للزواج يقتضي الامتزاج بين الطرفين وأن يحفظ كل من الزوجين سر الآخر وأن يكون ساترًا لعيوبه كما يكون ساترًا لعورته مصداقًا لوصف الله عز وجل ذلك بقوله: "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" (سورة البقرة 188).
وأضاف مفتي الجمهورية أن الزواج هو آية من آيات الله فقد جمع الله بين شخصين مختلفين في البيئة والفكر والثقافة والطباع وإن كان هناك تشابه في بعض الجوانب إلا أنه ليس تماثلا تاما فهذا من آيات الله فيقول الله عز وجل: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ "(سورة الروم 21).
وقال فضيلة المفتي: "ينبغي أن يتحمل كل من الزوجين هفوات الآخر وأن يصبر عليه ويتسامح على الزلات وتوافه وعظائم الأمور ويلتمس الأعذار، بل ويعمل على إيجاد الوسائل التي تخلّص الطرف الآخر من المتاعب لتحقيق السكن والمودة، وهذا من مقتضيات الميثاق الغليظ".
وأوضح المفتي إلى أن وحدة الإرشاد الأسري بدار الإفتاء المصرية حققت أهدافها المنوطة بها وما زالت بفضل الله؛ لأنها تعتمد على مجموعة من الخبرات والكفاءات المختلفة التي تشمل الجانب الشرعي، والنفسي، والاجتماعي، والمهاري؛ لتستوعب بذلك التنوع كافة جوانب العلاقة الأسرية وما يحيط بها من مشكلات تحتاج إلى تحليل علمي دقيق لفهم الأسباب والدوافع والوصول إلى العلاج المناسب.
وشدد مفتي الجمهورية على أن الطلاق يجب أن يكون هو الحل الأخير الذي يجب أن نلجأ إليه بعد استنفاد جميع الوسائل بمعنى الوصول إلى مرحلة لا يمكن أن تستمر فيها العلاقة الزوجية، وينبغي نشر التوعية والثقافات المهمة والرشيدة كتصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالطلاق مثل التسرع فيه عند ظهور توافه الأمور".
وحول يمين الطلاق أشار فضيلة المفتي أنه يأتي إلى دار الإفتاء شهريًا ما يقرب من 4800 فتوى طلاق أغلبها عبارة عن أيمان وحلف بالطلاق، يقع منها ثلاثة أو أربعة على الأقصى، وذلك لأن علماء دار الإفتاء المصرية لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة ما إذا كان هذا طلاقًا واقعًا أم يمين طلاق، وذلك عبر خبرتهم المتراكمة التي تلقوها عن مشايخهم ولا توجد في الكتب؛ فيقومون بالتحقيق مع الزوج لمعرفة هل كان مدركًا لهذه المسألة والكلمة وما يترتب عليها وهل صدرت عن رضا حقيقي عنده وقصد، فإنه حينها يقع الطلاق، أما إذا وجدوا أن الزوج لم يكن يدري ما يقول لشدة الغضب مثلًا ونطق بالطلاق دون أن يدري أو يقصد، فحينها لا يقع الطلاق باتفاق العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا طلاق في إغلاق" وفسره العلماء بأنه الغضب أو الإكراه.
وأوضح فضيلته أن كتب الفقه يوجد فيها "انفراجات فقهية" قد يلجأ إليها العلماء للحفاظ على كيان الأسرة، لأن الزواج هو عقد ثبت بيقين، ولا ينبغي أن يُرفع إلا بيقين، لذا نقوم بالتحقيق في المسألة.
واختتم فضيلة مفتي الجمهورية حواره قائلًا: " ينبغي تصحيح الوعي والتمسك بالقيم المعززة للانتماء إلى الوطن بدءًا من الأسرة الصغيرة ثم العائلة الكبيرة وصولًا إلى الأمة المصرية التي يجمع أطيافها حب الوطن والإيمان به حتى نقلل من أضرار الأمراض المجتمعة الغريبة عن مجتمعنا".
هالة زايد تكشف خطة الصحة لتوزيع لقاح كورونا