انقلاب في إثيوبيا.. خطة الإطاحة بأبي أحمد

الاثنين 29 يونية 2020 | 01:30 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

مع وصول حكومة آبي أحمد إلى السلطة في عام 2018، نظر كثيرون بتفاؤل إلى مستقبل الدولة والديمقراطية في إثيوبيا، لكن بعد مرور قرابة عامين من حكم آبي أحمد تصاعدت التوترات الإثنية، والخلافات السياسية والحزبية، الأمر الذي أكد على هشاشة الأوضاع الداخلية، وأنذر باحتمال دخول البلاد في نفق مظلم، وحالة متزايدة من التوترات وعدم الاستقرار وربما التفكك. هذه مقدمة الدراسة الرصينة التى أعدها الباحث صلاح خليل إبراهيم بمركز الأهرام للدراسات الاجتماعية والتاريخية.

أولًا- آبي أحمد وتعثر مسار الإصلاح

تبنى آبي أحمد مبادرة للإصلاح السياسي في إثيوبيا بعد وضع حد ونهاية لمسيرة طويلة من الحكم الاستبدادي للجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، وهذه المبادرة كانت رافعته إلى تولي منصب رئيس وزراء إثيوبيا في أبريل عام 2018

كان من بين أهم ركائز مبادرة آبي أحمد الإفراج عن عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، وفتح المجال السياسي بعد إلغاء تجريم أحزاب المعارضة، وتوقيع معاهدات السلام مع المنظمات السياسية المحظورة والمتمردة. ولم تقتصر مبادرته الإصلاحية على الداخل الإثيوبي، بل إنه ذهب إلى إعادة هيكلة سياسة إثيوبيا الخارجية تجاه الإقليم، ومحاولة تصفير المشاكل مع دول الجوار، حيث لعب دورًا إيجابيًا في حلحلة الصراعات وحل الأزمات في دول الجوار.

وقد ساهمت هذه الجهود بشكل كبير في حصول آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام لعام 2019

وفي محاولة لإعادة هيكلة المشهد السياسي وتنظيمه، قام آبي أحمد في ديسمبر 2019 بدمج الحزب الحاكم مع العديد من الأحزاب التي تقودها مجموعات عرقية تحت اسم جديد هو حزب الازدهار كخليفة للجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية

كما وقع آبي أحمد اتفاقيات لإنهاء العنف وإحلال السلام مع جبهة تحرير أوجادين المتشددة، ووقع اتفاقيات تاريخية مشابهة في 2018 لإلقاء الجبهات المتمردة السلاح ومواصلة نضالهم عبر الوسائل السياسية

ووعد آبي أحمد بإجراء انتخابات حرة ونزيهة بحلول عام 2020، بما كان يبشر بعملية تحول واعدة، وعملية مصالحة وتعايش تنهي إلى حد كبير التوترات العرقية والتهميش والإقصاء السياسي، وتعالج الأزمات الناجمة عن تسييس الإثنية في إثيوبيا

لكن بعد عامين من السلطة، بدت مبادرة آبي أحمد الإصلاحية في مهب الريح، وبدت الصورة في الداخل مثيرة للشكوك ومخيبة للآمال. وبعكس أجواء الانفتاح التي تبناها آبي أحمد ، عاد إلى المشهد اعتقال الصحفيين والمعارضين السياسيين بصورة متواترة، واتهمت منظمة العفو الدولية قوات الأمن الإثيوبية -التي تم تعبئتها لمحاربة المتمردين المسلحين في أجزاء من البلاد- بالقتل خارج نطاق القانون، فيما بدا واضحًا وكأنه محاولة لتأسيس حكم فردي بقيادة آبي أحمد بعيدًا عن كل الوعود التي جاء بها

واستنادًا إلى المخاطر التي يشكلها تفشي وباء كورونا، عمدت حكومة آبي أحمد إلى الإعلان عن تأجيل الانتخابات العامة لمدة تسعة أشهر على الأقل. وبناء على هذا القرار الذي وافق عليه المشرعون الإثيوبيون، سيستمر تفويض رئيس الوزراء آبي أحمد المقرر أن ينتهي في أكتوبر 2020 لمدة قد تصل إلى عام كامل

ولم تتوقف التداعيات على الجوانب السياسية، بل طالت الأوضاع الاقتصادية لا سيما مع تفشي وباء كورونا، وظهور ضعف القطاع الصحي وضعف إمكانيات الحكومة في مواجهة الوباء، فضلًا عن تدهور الأوضاع الاجتماعية واحتمال دخول البلاد في حروب داخلية ودعاوى انفصال ربما لم تشهدها إثيوبيا في حقب سابقة

وطالت المشكلات علاقات إثيوبيا بدول الجوار، حيث اندلعت مواجهات على الحدود مع السودان، وتعقدت مفاوضات سد النهضة مع مصر والسودان، وبدت سياسة آبي أحمد الخارجية تسير باتجاه معاكس لوعوده بحل الأزمات وتصفير المشكلات مع دول الجوار.

ثانيًا- أبعاد الأزمة الراهنة في إثيوبيا

يرى البعض أن آبي أحمد استغل تفشي وباء كورونا، وقام بالدفع بتأجيل الانتخابات من أجل كسب مزيد من الوقت، والعمل على هندسة المشهد السياسي لصالحه وصالح حزبه الجديد، الذي يتوقع أن يكون المهيمن على الحياة السياسية في إثيوبيا في السنوات القادمة

لهذا رفضت القوى السياسية قرار تأجيل الانتخابات، واعتبرت حزب الازدهار الحاكم يستغل تفشي وباء كورونا لضمان بقاء الحكومة أطول فترة ممكنة. وأعربت جبهة التحرير الوطنية من جانبها، من بين مجموعات أخرى، عن استيائها مما وصفته بأنه توقف عميق في عملية التحول الديمقراطي . وقد أعلن حزب بالديراس المعارض من أديس أبابا أنه سيعتبر الحكومة الحالية قد تم حلها اعتبارًا من 10 أكتوبر القادم، ودعا إلى الاحتجاجات بجميع أنحاء إثيوبيا.

هذا الموقف جاء جزءًا من تنامي نشاط معارضي “آبي أحمد” في الشهور الأخيرة، خاصة بعدما انتقل حليفه السابق “جوار محمد” إلى معسكر المعارضة. كما دعت بعض أحزاب المعارضة الأخرى إلى تشكيل حكومة ائتلافية مكونة من مختلف الكيانات السياسية حتى إجراء الانتخابات القادمة، حيث قال الدكتور “بيكيلي جيربا”، نائب زعيم حزب المؤتمر الاتحادي أورومو المعارض: “لا يمكن لهذه الحكومة أن تحكم بعد 10 أكتوبر. وفقًا لدستورنا، يجب أن تجتمع الأحزاب لمناقشة كيفية حكم البلاد”.

وقد رفض رئيس الوزراء “آبي أحمد” هذه الفكرة، وقال في خطاب مسجّل بالفيديو في مايو 2020: “أولئك الذين يقترحون هذا هم أولئك الذين يعطون الأولوية للحصول على السلطة بأي ثمن، إنها تتعارض مع ما هو قانوني ومع تطلعات المواطنين”. أما ممثلو المعارضة فيبنون طلباتهم على تفسير المادة 60 من الدستور الإثيوبي. القسم 5، التي تشير إلى أنه عند حل الحكومة “سيستمر ائتلاف الأحزاب كحكومة تصريف أعمال”. وهذا الرفض القاطع من جانب رئيس الوزراء يرجع إلى عجزه المتوقع عن التوصل إلى اتفاق مع المعارضة حول القضايا الأساسية المتنازع عليها.

واستغل خصوم “آبي أحمد” الأساسيون هذه التطورات لإعادة تنشيط جماعات المعارضة من جديد، خاصة جبهة تحرير تيجراي، وهي منظمة سياسية إقليمية كانت لها هيمنة رئيسية على الجبهة الثورية سابقًا، كخصم سياسي كبير لحزب الازدهار. وأعلن البرلمان الإقليمي في تيجراي رفض قرار الحكومة الفيدرالية، وأعلن أنه سيجري انتخاباته الخاصة. وقالت الجبهة في بيانها: “لن نتخلى عن حقنا في التصويت لمجرد إرضاء زمرة دكتاتورية في أديس أبابا”.

كما تبنت النخبة السياسية خطابًا تصعيديًّا وعدائيًّا تخطى حدود المنافسة السياسية؛ فالسياسيون البارزون يهينون بعضهم الآن على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير مسبوقة، ويعجز بعض المعتدلين والزعماء الدينيين المؤثرين عن تهدئة الصراع، وهو ما يظهر مدى الانقسام السياسي.

وكشفت الأزمة الأخيرة عن صراع بين “آبي أحمد” والأورومو، ولجأت الحكومة إلى استخدام القوة العسكرية للتعامل مع متمردي جيش تحرير أورومو الانفصاليين. وأدى الصراع الدائر بين جيش تحرير الأورومو وقوات الأمن الإثيوبية في منطقتي (وليجا وغوجي) في إقليم أوروميا إلى مقتل وتشريد عشرات المدنيين خلال العام ونصف العام الماضيين. ويعكس هذا الصراع وجهًا آخر لأبعاد الأزمة التي تعاني منها الدولة.

ثالثًا- تداعيات محتملة

تحمل الأزمة السياسية الخاصة بتجديد ولاية الحكومة الإثيوبية العديد من التداعيات الخطيرة على مستقبل البلاد، يمكن إجمالها فيما يلي:

1- التشكيك في شرعية “آبي أحمد”: من شأن التطورات الراهنة في إثيوبيا أن تؤثر على شرعية “آبي أحمد”، وأن تقلل من أهمية إصلاحاته، والتأكيد على أنها لم تكن سوى ادعاءات تحولت على أرض الواقع إلى “سراب”. فسياسة حكومة “آبي أحمد” قد تفجر الاحتجاجات التي دعت لها بعض الأحزاب، وقد تتزايد دعوات مقاطعة انتخابات 2021 مما يشكك في شرعية حكومة “آبي أحمد”.

2- دخول البلاد في أزمة سياسية: ليس من المعروف إلى أي مدى يمكن أن تذهب الأزمة بعد انتهاء فترة ولاية الإدارة الحالية التي مدتها خمس سنوات تنتهي في أكتوبر 2020، حيث ستكون الظروف مواتية للمعارضة للتشكيك في نوايا “آبي أحمد” ومشروعية سلطته. وقد بدأت الأحداث في التبلور مع إعلان تحدي البرلمان الإقليمي في تيجراي قرار الحكومة الفيدرالية، وأعلن أنه سيجري انتخاباته الخاصة، وهذا القرار ستكون له آثار واسعة النطاق، من خلال إجراء انتخابات دون إشراف المجلس الانتخابي الوطني، حيث سيكون من شأن تلك الخطوات أثر سلبي على النظام الدستوري الإثيوبي، وسيشعل صراعًا مفتوحًا بين جبهة تحرير تيجراي والحكومة الفيدرالية. وإذا تدهور هذا الوضع أكثر يمكن للديمقراطية الوليدة في البلاد أن تتراجع، بل سيكون استقرار البلاد أمام خطر حقيقي، خصوصًا أن حكومة “آبي أحمد” تتجاهل حتى الآن تهديد جبهة تحرير شعب تيجراي.

3- تزايد الانقسامات الإثنية وانفجار العنف: قبل الإعلان عن تأجيل الانتخابات، كانت إثيوبيا تواجه بالفعل عنفًا متزايدًا بين الإثنيات، وكان أكثر من اثنتي عشرة مجموعة عرقية صغيرة تدعو إلى مزيد من الحكم الذاتي الإقليمي. واستغل القوميون في أقاليم أوروميا، وتيجراي، وأمهرا تعقيدات المشهد، وقاموا بتعبئة الشباب العاطل عن العمل والمحبطين لحشد الدعم للمطالب الانفصالية والخاصة والمعارضة لتوجهات حكومة “آبي أحمد”. ومن شأن هذه التطورات أن تدفع باتجاه انفجار العنف، لا سيما أن مشهد الميليشيات وإقامتها حواجز على الطرق أصبح جزءًا من الحياة اليومية في إثيوبيا. كما قد يتسبب تأجيل الانتخابات الآن في مواجهة وشيكة يمكن أن تمزق البلد متعدد الأعراق بمجموعاته الثمانين المتنوعة.

في النهاية، يمكن القول إن أزمة سياسية متعددة الأبعاد باتت تهدد الاستقرار في إثيوبيا، وتنذر بإضرابات داخلية، واتساع لنطاق العنف، وتزايد المطالب الانفصالية من جانب الأقليات. كذلك، فإن سياسة “آبي أحمد” لم تكن متسقة مع مبادراته الإصلاحية، وهو ما أثر على شعبيته داخليًّا. ربما هناك فرصة للخروج من المأزق الداخلي الراهن عبر الحوار والمصالحة، واستعداد الأطراف لتقديم تنازلات حقيقية لحلحة الأزمة. لكن ما يلوح في الأفق هو تعمق الانقسامات، وتراجع فرص الحوار والمصالحة، وبالتالي فإن المتضرر هو الدولة في إثيوبيا وفرص التعايش السلمي بين مكوّناتها العرقية.

موضوعات ذات صلة

بعد شكوي مصر.. تسريب قرارات مجلس الأمن بشأن سد النهضة