ألقى الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، كلمة خلال الندوة التي نظمتها جامعة بني سويف تحت عنوان: "ظاهرة الأمن الفكري ومناهضة الإرهاب"، بحضور الأستاذ الدكتور منصور حسن رئيس الجامعة.
وخلال الندوة، أكد "علام" أن الدين من مكونات المنظومة الحياتية للإنسان، وهو الضابط لهذه الحياة، فقد اقتضى خلق الإنسان ووجوده، نوعان من الهداية "فطرية وتشريعية"، فإذا حادت فطرة الإنسان عن مسارها الصحيح، احتاجت إلى الهداية التشريعية.
وأشار "مفتي الجمهورية"، إلى أن أول سمات التدين الصحيح، عدم الانفصال بين الإيمان القلبي وعمل الجوارح، فالعلاقة بين إيمان القلب وعمل الجوارح، من أهم قضايا الإيمان، فلا يمكن أن يكون إنسان كامل الإيمان في القلب، مع عدم عمل الجوارح مطلقا، وذكر القرآن الكريم الإيمان، وذكر معه العمل الصالح، في أكثر من سبعين آية.
وأضاف أن من سمات التدين الصحيح، الإخلاص في القول والعمل، موضحا أن الإخلاص هو أن يريد بطاعته التقرب إليه تعالى وحده، وليس تصنعا لمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، فالمتدين حقا، غايته رضا الله، يعبد الله كأنه يراه، وأفعاله وأقواله موجهة لله وحده، ابتغاء الأجر والثواب، فلا يتاجر بالدين ولا يستغله للوصول إلى تحقيق مآربه.
وأشار إلى أن تتبع المنهج الشرعي الصحيح، المأخوذ عن العلماء، يعد من أهم سمات التدين الصحيح، وهذا المنهج هو ما عبر عنه ابن عباس حين قال للخوارج: "جئتكم من عند أمير المؤمنين وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فأخبر أنه جاءهم من عند الصحابة، الوارثين العلم عن النبي الكريم، وورثوه للتابعين وتابعيهم، حتى وصل إلى الأزهر الشريف، ذلك المنهج الصحيح الذي يربط بين الشكل والمضمون بوضوح تام، ولا يفصل بحال بينهما.
وقال مفتي الجمهورية، إن الأمة الإسلامية تميزت دون سائر الأمم بالوسطية، والتي تعني التوسط والاعتدال بين طرفي الإفراط والتفريط.
ولقد سلك المتطرفون مسلك التشدد، وركبوا مركب التعصب باسم التمسك بالسنة المطهرة، لكن نصوص السنة واضحة وقطعية، في نبذ التشدد والغلو.
وأوضح أن عدم الانفصام بين العبادة والأخلاق، هو من صحيح التدين، وقد اشتهر على الألسنة أن الدين المعاملة، والمقصود بالمعاملة الأخلاق.
وفي التدين الحقيقي، لا فصل بين الإيمان والأخلاق والعمل، ويؤصل لهذا المعنى حديث جبريل عليه السلام المشهور، حين سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام والإيمان والإحسان، فقد بين هذا الحديث الشريف أن الإسلام: شعائر وعقائد وأخلاق، والأخلاق هي مرتبة الإحسان.
ولفت المفتي، إلى أن المسلم الحق يكون مشاركا بإيجابية في المجتمع، بسعيه لعمله كما يسعى إلى صلاته، يصلح بين المتخاصمين، ويجود بماله ووقته من أجل الآخرين، ويحارب الفساد، ويتصدى للمنكرات، ويتعاون مع أفراد المجتمع، من أجل رقيه والنهوض به، امتثالا لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
وأكد المفتي، أن تقبل الآخر والتعايش معه بالتسامح والمحبة، تعد من سمات التدين الصحيح، فالإسلام يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد، وأنهم خلقوا كلهم من نفس واحدة، وأنهم جعلوا شعوبا وقبائل ليتعارفوا.
وأضاف أن المتدين تدينا صحيحا، هو الذي يؤمن بأن البشر جميعا تجمعهم رابطة الأخوة الإنسانية، فهو يقبل الطرف الاخر ولا يقصيه، لأن الإسلام أكد على وحدة البشرية، وإن تعددت شرائعهم.
وعن احترام الأديان والمقدسات، قال مفتي الجمهورية، إن الإسلام يدعو الى احترام الأديان، كما يحرم الاعتداء على دور العبادة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ويدعو إلى تقبل التعددية العقدية، لأن الناس لن تجتمع على دين واحد، لأن الاختلاف سنة الله في هذا الكون، قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
وأوضح أن حب الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره، يعد أساسا من أسس التدين الصحيح، لأن المسلم الحق هو الذي يحب وطنه، ويعمل جاهدا على دعم مقومات الدولة، والحفاظ على مؤسساتها، لأن في ذلك حفاظا على شعائر الدين ورعاية لمصالح الخلق وانضباطا لحياتهم.
وهذا من الإصلاح الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، فالمتدين بحق، هو أبعد الناس عن معاني الإفساد في الأرض.
الأمة الإسلامية تميزت دون سائر الأمم بالوسطية.. والمتطرفون سلكوا مسلك التشدد
وقال: "على نقيض ما سبق، فقد انحرف عن منهج الإسلام القويم في القديم والحديث، فئة فهموا الدين على غير مراده، فخالفوا مقاصده، وأتوا فيه بمعان ومفاهيم جديدة وغريبة، ادعوا أنها تمثل صحيح الدين، وهذه الفئة الضالة قد ابتدعت دينا موازيا جديدا، وهذه الجماعة هي جماعة الخوارج، وهم أصحاب التدين المغشوش".
وأوضح أن أصحاب التدين المغشوش، يزعمون الاختصاص بالحق من دون سائر الخلق، رغم أن شريعة الإسلام تشهد للأمة كلها بالخيرية.
يقول الله عز وجل: ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾، وقال نبينا الكريم ﷺ: "وجعلت أمتي خير الأمم"، وجماعات الخوارج تخص نفسها بالهداية والاستقامة، وترمي الناس بالزيغ والهلاك، وتصف مجتمعات المسلمين بالجاهلية، وترى في نفسها أنها هي جماعة المسلمين.
كما أنهم يتخذون الدين وسيلة لتحصيل أمور دنيوية، مع أن شريعة الإسلام تأمرنا بتنفيذ أوامر الله، والالتزام بالدين طاعة لله عز وجل، رغبة في تحقيق رضاه، ودين الخوارج، يجعل ذلك وسيلة تحقيق أهداف دنيوية يلبسونها ثوب الدين، فيرفعون شعار الدين، يخدعون به الناس لتحصيل الدنيا.
المسلم الحق يكون مشاركا بإيجابية في المجتمع ويسعى لعمله كما يسعى إلى صلاته
هذا فضلا عن غلوهم في الدين، الذي من أبرز سماته الوسطية وعدم التنطع، قال سبحانه وتعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا﴾، وحذرنا النبي ﷺ من التشدد والغلو فقال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"، وأخبرنا ﷺ عن جوهر دعوته وحقيقتها فقال: "بعثت بالحنيفية السمحة"، بينما دين الخوارج يرى أن التشدد والغلو، علامة على حسن دين صاحبه.
وقال إن شريعة الإسلام، ترشدنا إلى أن حب الوطن من الإيمان، وتبين لنا أن الانتماء الوطني أمر فطري وواجب شرعي، وتوضح لنا أن قوة الوطن قوة للدين، في حين أن دين الخوارج، وأهل التدين المغشوش، يعتبر محبة الأوطان شركا، ويرى أن التعاون مع مؤسسات الدولة والعمل بها كفر، فهم في خصام وتنافر مع مظاهر عمارة الأرض وضد كل نجاح بشري، فهم لم يقدموا أي شيء نافع لمجتمعاتهم أو أمتهم.
وأضاف أن أهل التدين المغشوش، من شأنهم دائما الانتقاص من أهل الاختصاص والتطاول على علماء الأمة، ويجترئون بذلك على انتهاك المحرمات، ويصدرون الفتاوى الضالة، ويأمرون بالفتن، ويظنون أنفسهم من أهل العلم.
واستعرض المفتي خلال الندوة، ثمرات التدين الصحيح على الفرد والمجتمع والدولة، فأشار إلى أن التدين الصحيح، بما يستلزمه من الإيمان، يهدي الله صاحبه إلى معرفة الحق، وإلى العمل به، وإلى الشكر على النعم، والصبر على المكاره والمصائب، كما أنه يحقق التوازن بين مطالب الروح ومطالب الجسد، ويحقق الأمن والاستقرار النفسي؛ قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}.
تقبل الآخر والتعايش معه من سمات التدين الصحيح.. والإسلام يدعو إلى احترام الأديان كافة
وبالنسبة للمجتمع، أوضح أن من ثمرات التدين الصحيح، تحقيق أمن واستقرار المجتمع من خلال تطبيق تعاليم الدين من قبل الأفراد، فيأمن كل إنسان في المجتمع على دينه ونفسه وعرضه وماله، كما أنه يحافظ على مؤسسات الدولة من التخريب والإفساد، بما يحفظ على الدولة هيبتها ويؤدي إلى استقرارها، ويعمل على تقدم الدولة بإنشاء المشروعات، وجذب الاستثمارات والنهوض بالتنمية، ما يؤدي إلى ازدهارها.
وفي المقابل تحدث المفتي، عن الآثار المترتبة على التدين المغشوش، فأشار إلى أن المتدين تدينا مغشوشا، يشعر بثقل ما جاءت به الشريعة عليه بسبب تشدده وغلوه في الدين، وكذلك كراهية الناس له ونفورهم منه، وفشلهم في التواصل والتعايش معه.
وأضاف أن أهل التدين المغشوش، ينشرون ظاهرة التكفير بلا موجب، وما يترتب عليه من آثار لها خطرها على أفراد المجتمع، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وقطع الوشائج والصلات بين أفراد المجتمع، كما يتساهلون في أمر سفك الدماء، فتضعف حرمة دم الإنسان في النفوس، ما يؤدي إلى شيوع التطرف الفكري، وغياب المنهج الشرعي الصحيح المأخوذ عن العلماء.
أما عن تأثير التدين المغشوش على الدولة، أوضح أنه يؤدي إلى تخريب المؤسسات وإفسادها، والعمل على انهيار كيانها، ما يؤدي إلى ضياع الدولة وفقدها هويتها، وعرقلة مسيرة التنمية، التي تؤدي إلى تقدم الدولة وازدهارها.