لو أمسك بها الأكراد الآن لقتلوها 1000 مرة، لأنها قضت على حلمهم في إقامة الدولة، وفرقت شملهم في 4 دول، إنها أخطر جاسوسة أهملها التاريخ، "جيرترود بيل" النسخة الأنثوية من لورانس العرب، التي ساهمت في رسم الحدود بين الدول العربية وخاصة العراق، عرفها العراقيون بخاتون أو "أم المؤمنين" البريطانية، لكن الإنجليز عرفوها بـ"ميس بيل"، أسماء كثيرة وأفعال أكثر، لكن الكثير في وقتنا الحالي لا يعرفون عنها شئ، ماذا تعرف عن مهندسة الثورة العربية الكبرى.
حياة "جيرترود بيل"
ولدت في 1868 في إنجلترا لعائلة ثرية، درست التاريخ بجامعة أوكسفورد، وتخرجت منها بتقدير امتياز كان جدها، السير إسحاق لوثيان بيل، عضوا في البرلمان الانجليزي كان يعمل إلى جانب رئيس الوزراء بنيامين ديسيلي، نشأت في ريدكار، وهي بلدة في يوركشاير، في منزل بناه والدها ورجل الأعمال والصناعي السير توماس هيو بيل، توفيت والدتها ماري في عام 1871 بعد ولادة شقيقها الأصغر موريس، اكتسبت جيرترود بيل أول ظهور لها في السياسة والشؤون العالمية من خلال جدها ومعاونيه.
يهودية دمرت تل أبيب.. قصة سيلفيا الحمراء أخطر جواسيس إسرائيل
رحلة "جيرترود بيل" للشرق
سافرت للشرق لتبدأ في لعب دورها المحوري الذي ساهم في جعل المنطقة العربية على حالها الذي نعرفه الان، البداية كانت من بلاد فارس، فقد سافرت لتقيم مع عمتها زوجة السفير البريطاني في طهران، فكانت البوابة التي اجتازتها للعبور للشرق الأوسط. وكانت أيضاً المكان الذي قابلت فيه حبها الأول، الذي انتهى نهاية مأساوية بانتحار حبيبها، الذي كان يعمل في السفارة البريطانية هناك، وهذا ما دفعها لتبدأ رحلتها نحو الشرق وتعمل كعالمة آثار ومستكشفة.
بدأ عمل ميس بيل في الشرق من بلاد الشام، تحديداً فلسطين وسوريا، وعايشت أهل المدن، واختلطت بهم وألفت كتاباً بعنوان سوريا الصحراء، والذي يعد مرجعاً لدارسي تاريخ بلاد الشام. بعد ذلك اتجهت نحو حائل في الجزيرة العربية، وركبت الجمال عبر الصحراء وتعرفت إلى شيوخ القبائل، وأسست علاقات قوية معهم بفضل اتقانها للغة العربية.
تعد خاتون العرب المهندس الفعلي للملكية الدستورية بالعراق، وذلك بالتعاون مع المستعمر البريطاني، ويرجع لها الفضل في اختيار الملك فيصل الأول، لينصب ملكا مما جعلها فيما بعد محط ثقته المطلقة وصديقته المقربة حتى وفاتها.
كان هدف "أم المؤمنين" البريطانية في بداية رحلتها للشرق الاستكشاف والبحث عن الآثار والتعرف على طريقة حياة الناس، لكن بعد ذلك تغير الهدف ليكون دراسة أوضاع دولة آل رشيد في الحجاز، والاتصال مع القبائل العربية، وإرسال تقييمها الشخصي لمستقبلهم كما تراه إلى الحكومة البريطانية، فساهمت تقاريرها في تشكيل جغرافيا المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وتقسيمها بين بريطانيا وفرنسا. كما ساعدت الحكومة البريطانية على الإطاحة بحكم آل رشيد، واستبدالهم بعبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة.
تزامنت رحلة بيل إلى المنطقة العربية في فترة انهيار الدولة العثمانية، والتفاف بريطانيا وفرنسا حولها لتقاسم الغنائم، حيث برز في هذه الفترة العرب كورقة رابحة أمام البريطانيين، للقضاء على ما تبقى من الدولة العثمانية المتهلهلة. فكان لمعرفة مس بيل باللغات العربية والفارسية والتركية، دوراً كبيراً في اختراقها للمجتمعات على المستويين الشعبوي والنخبوي.
كانت العراق المحطة الأخيرة والمفصلية في رحلة مس بيل في الشرق الأوسط، وصلتها لأول مرة عام 1909، ضمن بعثة أثرية قامت خلالها برسم الخرائط للمدن العراقية، وجمعت المعلومات عن العشائر التي مرت بها. بعد أن أرسلتها الحكومة البريطانية للقاء لورنس العرب في القاهرة، لمساعدته في تأسيس مكتب للمخابرات في القاهرة يتبع وزارة المستعمرات البريطانية، ثم عادت لتستقر في بغداد نهائياً عام 1914، للشروع بمهمة تتعلق بترتيبات اتفاق سايكس بيكو.
من هبة سليم إلى أسماء محفوظ.. قصة أشهر 5 جواسيس خانوا مصر
تغلغل "جيرترود بيل" في المجتمع العراقي
وقد استطاعت بيل في التغلغل بالمجتمع العراقي واتلقرب من المواطنين العراقيين في العراق، ومن صفوته وعامته، واستخدمت جلسات النميمة النسائية في التعرف إلى عادات وثقافة المجتمع العراقي، وجمع المعلومات الاستخباراتية، كما استطاعت كسب حب الجميع في بغداد، لدرجة أن الأديب العراقي عبد المجيد الشاوي لقبها بأم المؤمنين، ولقبها عامة الشعب بالخاتون، نظرا لأناقتها واتباعها فنون الاتيكيت واختلافها عن النساء العراقيات في ذلك الوقت.
ورغم أن ماركس سايكس نعتها في يوم من الأيام بالبلهاء، والثرثارة، والمغرورة، والسطحية، ورغم أنها لم تؤخذ في البداية على محمل الجد لكونها امرأة، حيث كان ميدان السياسة حكراً على الرجال في ذلك الحين، إلا أن الدور الذي لعبته في العراق يثبت ما يمكن للمرأة فعله عندما تتاح لها الفرصة.
نظراً لرحلاتها السابقة وتجربتها الواسعة في المنطقة، قامت برسم حدود العراق كما نعرفها اليوم. وتعمدت أن تقسم المنطقة الكردية على 4 دول، للحول دون استقلالها في المستقبل، وعملت على ترتيب الوضع الداخلي في العراق بعد الحرب العالمية الأولى، خصوصا بعد تعيينها كمستشارة للمندوب السامي هناك بيرس كوكس.
توفيت مس بيل عام 1926، بعد جرعة زائدة من الدواء وأقيمت لها جنازة مهيبة، شارك فيها العراقيون جميعاً وعلى رأسهم الملك فيصل الأول.