الجلسات العرفية لا تتعارض مع القانون
ورجل قانون يطالب بوضع شكل دستوري للجلسات العرف
"كريمة": الجلسات العرفية تنزع فتيل الخلافات
سامية خضر: جلسات العرف هدفها نشر الأمن والسلام الإجتماعي
إن عملية رد الحقوق وإعطاء كل ذي حقٍ حقه هى من أساس شريعه الله على الأرض ليسود الأمان والطمأنينة بين الناس، كما إن عملية رد الحقوق هى الغاية الكبرى التي يضعها أي قاضي نصب عينيه قبل إصدار أي حكم قانوني ذلك لأن العدل هو أساس الملك وهو أساس الحياة فى كل أنحاء الأرض، وتعتبر الجلسات العرفية هى الباب الخلفى والأقرب للمحاكم فى وأد النزاع ورد المظالم وإعطاء الحقوق لأصحابها، وتختلف شكل المحاكم العرفية بإختلاف البيئة التى تتواجد فيها كما أن إختلافها يختلف بسبب طبائع البشر فى الأماكن والأزمنة المختلفة، الأهم أن هدفها واحد وهو إيقاف نزيف النزاع الدائم فى المشكلات الصغيرة والكبيرة، وخاصة المشاكل التى لا تستطيع المحاكم الرسمية حلها بشكل جذرى، فإعطاء الحقوق هدفها، بالإضافة الى الصلح الدائم بين المتخاصمين، كما يجب التأكيد على أن الجلسات العرفية أحكامها نسبية وهدفها أسمى فالبعض يؤيدها والبعض يرفضها على الإطلاق.
الحاج محمد عبد العاطى أحد القضاة العرفيين بقرية العمار الكبرى التابعة لمحافظة القليوبية، وأحد الذين أتقنوا القضاء العرفى على مدار 35 عاما، قال: ان الجلسات العرفية ما هي إلا عمل تطوعي بحت خالص لوجه الله تعالى، يهدف إلى نشر السلام والعدل والصلح والمودة بين أهالى القرية أو المنطقة الواحدة مثلا من خلال فض المنازعات والحد من الخلافات.
وأكد الحاج محمد عبد العاطى أن التحكيم العرفي هو تحكيم "غير إلزامي" لذلك يجب أن يوافق أطراف الخلاف أو المشكلة على اللجوء إلى هذه الجلسات، ويجب أن يتقبلوا أولاً لجنة المحكمين لكي يثقوا بها وبالأحكام الصادرة عنها، قائلا: إن هناك الكثير من الشروط الواجب توافرها في القاضي العرفي يتمثل أهمها في أن يكون شخصية عامة مرموقة ومحبوبة من الناس، وأن يتصف بالعدل والنزاهه وموازنة الأمور وألا يميل لطرف على حساب الطرف الآخر، وأن يكون مشهوراً بالأخلاق والصلاح وحسن السيرة، وكذلك أن يتميز بالفراسة والذكاء وبالصبر وقوة التحمل وحسن التصرف والمرونة لكي يتمكن من السيطرة على أي حادث غير متوقع أثناء الجلسة، وأيضاً أن يكون على دراية كافية بالأحكام العرفية وأحكام القانون والشريعة وما يتفق مع العرف والتقاليد.
وأوضح عبد العاطى أن شكل الجلسات العرفية تتم من خلال لجوأ الطرفان إلى المسئولين عن إدارة الجلسات، ثم يتم الاتفاق على أن يحضر كل طرف من الأطراف عدد متساو من المحكمين مثلاً ثلاثة أطراف لكل خصم، وغالباً ما يكون صاحب المكان الذي ستدار فيه الجلسة هو المرجح لجميع الأطراف، ثم يتم بعدها الاستماع إلى صاحب الشكوى "المجني عليه" ثم إلى المشكو بحقه "الجاني"، ثم يقوم القاضي والمحكمين بعدها بالتشاور في غرفة خاصة من أجل أن يتم محاولة الوصول إلى ترضية يقبلها الطرفين.
وبعدها يتم إصدار محضر بالجلسة التحكيمية فيها كل ما ورد في الجلسة وما تم الإتفاق عليه، ويأخذ كل طرف من الأطراف صورة منه، ويتم إعطاء المشكو بحقة مهلة 40 يوم لكي يلتزم بتعويض المجني عليه، فإن لم يلتزم يقوم المجني عليه بأخذ محضر الجلسة والتوجه إلى القضاء الرسمى، وغالبا ما يلتزم كل الأطراف بما جاء فى محضر الجلسة لأن التهيئة التى تتم من خلال الجلسة تتم للترضية أولا.
وأكد الحاج محمد عبد العاطى أن الأحكام الصادرة تختلف عن أحكام القانون ولكنها تظل منبسقة من الشرع، ممثلاً على ذلك بـ "أنه في حالة ما إذا تم الاشتباك بين الطرفين وأصاب كلاً منهما الأخر، يتم هنا احتساب عدد الجروح في كل منهما وتسعير كل جرح بثمن معين، فجروح الجسد غير جروح الوجه والتي يتم مضاعفة ثمنها، ومن لديه جروح أو غرز أقل يقوم بتعويض الطرف الأخر، أما عن قضايا الثأر والإقتصاص التي يكون الحكم القانوني فيها بالإعدام أو المؤبد ، أكد أنه فى أغلب الأحيان ما يتم التوصل فيها إلى تقديم الكفن وتعويض أهل المجني عليه بـ "دية" مناسبة، وفي هذه الحالة يقوم القانون بتخفيف العقوبة على الجاني بناءاً على الاتفاق الذي تم بعد التأكد من أنه كان قتل خطأ أم قتل مع سبق الإصرار والترصد.
وأشار عبد العاطى أن الجلسات العرفية "قانونية" والدليل على ذلك إنها تتم أحياناً بمساعدة أو بحضور رجال الأمن وضباط الشرطة ونواب مجلس الشعب والقيادات التنفيذية والشعبية ، مثلما يحدث في قضايا الثأر والفتنة الطائفية، كما إنها تساعد القانون لأنها تخفف من حجم القضايا الموجودة أمام المحاكم، مؤكدا أن المسئولين عن هذه الجلسات العرفية يقدمون للمحاكم القانونية والمحامين كل الأوراق والمحاضر التحكيمية ويُعلمونهم بما تم التوصل إليه.
اللواء حازم حمادي: الجلسات العرفية تسهل عمل السلطة القضائية
وفى سياق متصل أكد اللواء حازم حمادي الخبير الأمنى، أنه كثيراً ما نقرأ أو نسمع عن بيانات رسمية صادرة من وزراة الداخلية تؤكد فيها على نجاحها فى إنهاء الخصومة الثأرية بين عائلتين في الصعيد وبين أخرين فى سيناء وغيرها، من خلال التصالح بطرق الجلسات العرفية قائلا: أنها الأساس فى الصلح ونشر الأمن وإستقراره، لذلك تدعمها الجهات الأمنية ويشارك فيها المسئولين، فهي تقلل من حدة الخلافات والصراعات الموجودة في القرى وخاصة في صعيد مصر، كما أن الجلسات العرفية لا تعارض عمل السلطة القضائية، بل على العكس هي تقوم بتدعيم أعمال السلطة القضائية ومساندتها وبتخفيف أعباء كثيرة جداً عن عاتقها فإذا تم حل الخلافات ودياً أفسحت المجال للقضاء للنظر في قضايا أخرى.
وقال المستشار عبد الحكيم شداد أن الجلسات العرفية رغم عدم نص القانون عليها إلا أنها لا تتعارض مع عمل القانون ممثلاً على ذلك بأنه في حالة ما إذا تم التصالح بين الأطراف، يتم تدوينه وكتابته ويقدم بعدها إلى القاضي الرسمى الذي يأخذ به في حالة القضايا والشكاوى الخاصة بالخلافات العادية، أما فيما يخص قضايا القتل تصبح الجلسة العرفية محل اعتبار في الحكم فهي تساعد فى تخفيف الحكم القانوني على الجاني وليس إلغائه.
وأكد المستشار عبد الحكيم شداد أن هذه الجلسات مهمة جداً لأنها تساعد على حل الكثير من القضايا والخلافات خاصة في مناطق الأرياف والصعيد قبل أن تصل إلى القضاء، مشيراً إلى أن هذه الجلسات لها قوانينها المحفوظة الخاصة التى تحكمها والتي يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل وهي مأخؤذة من الشريعة الإسلامية والعرف.
وناشد المستشار عبد الحكيم شداد المسوؤلين فى الدولة على ضرورة وضع إطار قانوني للأحكام التي تصدر عن المحكمين في هذه الجلسات العرفية حتى تصبح ملزمة أمام القضاء.
حمزة: ما يحدث في الجلسات العرفية يشبه طريقة فض المنازعات الدولية
وأعلن الدكتور محمد حمزة، الخبير القانوني والخبير فى جرائم أمن المعلومات أن الجلسات العرفية لها أهمية خاصة ومهمة بشرط ألا تتعارض مع النظام العام للدولة، وألا تتدخل في القضايا الجنائية كقضايا القتل، وأن تقتصر على فض المشاكل والنزاعات الاخلاقية والتجارية.
وأكمل أنها تشبه كثيراً ما يحدث فى المعاهدات وقضايا التحكيم الدولى التي تعتبر جلسات عرفية من الأساس -على حد وصفه، فهي تتبع نفس النهج المتبع فيها من حيث الواسطة من أجل فض المنازعات والهدف الرئيسي منها محاولة تقريب وجهات النظر للوصول إلى اتفاق مرضي لجميع الأطراف.
وعن عدم التزام المحكمين فى الجلسات العرفية بأحكام القانون، أشار إلى أنهم يلتزمون بما ينص عليه العرف والتقاليد وأحكام الشريعه الإسلامية واللذان يعدان مصدران من مصادر تشريع القانون الخمسة.
الجنزوري: أحكام الجلسة العرفية غير معترف بها قانونياً
وأكد الدكتور أحمد الجنزوري المحامي والفقيه الدستوري أن الجلسات العرفية لا تتعارض مع عمل القضاء، فالقانون لا يعترف بأحكام الجلسة العرفية إلا بشرط معين وهو أن يتم في إطار القضايا التي يمكن التصالح فيها قانونياً، أما أحكام الجلسات العرفية في الجرائم التي لا يمكن التصالح فيها قانونياً مثل جرائم القتل والسرقة تحت الإكراه وإحداث عاهه مستديمة، فلا يمكن أن يتم فيها إبطال أحكام القضاء، فالتصالح هنا إذا تم إقراره من جميع الأطراف يكون "وسيلة" من ضمن وسائل تخفيف العقوبة فقط.
وأضاف أن هذا النوع من الجلسات تكون أحياناً وسيلة لحقن الدماء، وهذا هو السبب الذي يدفع رجال الأمن للتدخل في عقدها خاصة في قضايا الثأر ذات التاريخ الطويل والتي يموت بسببها الكثير من الأشخاص من الطرفين.
"كريمة": الجلسات العرفية تنزع فتيل الخلافات
وعن رأي الدين، قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعه الإسلامية بجامعة الأزهر أنه لا مانع من وجود هذا النوع من جلسات الصلح العرفية فهي لا تتعارض مع الشريعه ما دامت تحكم بما أمر به الله سبحان وتعالى، حيث أنه يلزم على كل مسلم أن يطالب بحقه، سواء من خلال القانون أو من خلال تدخل أهل العلم والخبرة والدين، فإن توصلوا إلى إتفاق أو ترضية تمكنوا من نزع فتيل الخلافات التي يمكن أن تقع.
وأوصى الدكتور أحمد كريمة المحكمين بأن يتحروا العدل في إصدار أحكامهم وألا ينحازوا لأي طرف على حساب الأخر، كما أكد على ضرورة أن يلتزم المشكو بحقه على تعويض الجاني لأن هذا العوض شرعي وموجود في الدين الإسلامي فمثلاً إذا أتفقوا على إعطاء الأموال كعقوبة للجاني يسمى هذا في الاسلام "التغريم بالمال".
سامية خضر: الجلسات العرفية تساهم في عودة الحق لأصحابه
وعن تأثير هذه الجلسات العرفية إجتماعياً صرحت الدكتور سامية خضر استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس قائلة: أنا أشجع كثيراً عقد هذا النوع من الجلسات خاصة إذا كانت تتم تحت رعاية كبار المسئولين والعوائل في القرى ورجال الأمن فيها ومشايخ الأزهر، حيث أن لها الكثير من الأثار الإجتماعية الإيجابية أبرزها نشر الأمن والسلام الاجتماعي فهي بمثابة تضميد للجروح ووأد للخلافات قبل أن تتطور.
وأكملت "تنتهي كل جسلة تصالح بوعد إلزامي وكلمة شرف لا يمكن لأي طرف أن يتراجع عنها، وبالتالي فهي تساهم في عودة الحق لأصحابه".
وأثنت خضر على السرعة التي يتم بها عقد الجلسات العرفية وسرعة التوصل إلى الحلول، وقالت "لعل هذه السرعة هي أهم ما يميزها على عكس خطوات التقاضي العادى الذي يأخذ الكثير من الوقت".