سنوات متتالية قضوها على الجبهة، تدريبات، مناورات، ترقب، مشاهدة الزي العسكري الإسرائيلي في الجهة المقابلة، على الضفة الشرقية لقناة السويس، والدم يغلي في العروق.
لذلك فإنه من الرائع أن يسجل أحد هؤلاء المقاتلين هذه اللحظات، والأكثر روعة أن تصل إلينا بعد 46 سنة من المعركة.
سيد بسطويسي كان أحد جنود القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر، استشهد يوم 16 من الشهر، كان حريصا على أن يسجل يومياته على الجبهة.
هذه اليوميات صلتنا في كتاب "مذكرات شهيد"، التي صدرت العام الحالي، بعد رحلة خاضها الصحفي محمد الليثي لاستعادة كشكول المذكرات بعد أن عثر عليه أحد الجنود الإسرائيين الذي شاركوا في هزيمة جيش الاحتلال في المعركة.
"تغريدة للأبطال".. كيف أحيا الأبناء ذكرى آبائهم المقاتلين على "تويتر"؟
وبمناسبة ذكرى حرب أكتوبر، لدينا هنا هذه الرسالة أو اليومية التي كتبها "بسطويسي" بتاريخ 7/ 10/ 1973 – 10 رمضان 1393، أي في يوم المعركة، وتحديدا قبيل دقائق من انطلاق الحرب، في الثانية إلا دقيقتين بعد الظهر.
يقول سيد بسطويسي: "بدأت الساعة تقترب من لحظة الصفر..الوجوه عليها تلك المسحة من الترقب.. والنظر نحو المستقبل الذي سوف يأتي بعد لحظات.. ويدور بين المجموعة عديد من التصرفات العصبية التي تعكس نفسية قلقة مضطربة، خاصة مثيرها.. محمد، وحبيب، ومحمد السيد، وصلاح عمارة، ذلك الطفل ذو العشرين عاما".
ويضيف متحدثا عن زملائه على الجبهة: "وانضم إلينا نصر (مقبل) كسائق عربة العبور..أما محب فإنه يشرد بنظره إلى بعيد ويحوم حول عروسه التي لم يزف إليها بعد.. أما علي طايع فإنه الآخر قلق جدا، ويتصرف تلك التصرفات التي لا معنى لها على الإطلاق سوى القلق والخوف والترقب!".
ويتأمل "سيد" في المشهد قائلا: "أنظر في وجوه الجميع من حولي هنا، وأقول في نفسي، هل سنلتقي ثانية".
حرب أكتوبر.. قصة الشفرة التي حيرت الإسرائليين في انتصارات 1973
ويكمل عائدا إلى زملاء السلاح: "قابلت ممدوح أحمد وشعرت بشيء من الحنان الأبوي نحوه، فإني كلما شاهدته منذ أن حضر إلى الكتيبة في يناير الماضي، كلما شاهدته، رأيت فيه نفسي، رومانسيته الحالمة وهدوءه وعدم تعوده على تلك الحياة الصعبة القاسية!! ورد الفعل العنيف تجاه تلك النفس الحالمة!!".
ثم يختم بشيء من الأسى: "شعرت أني أراه لآخر مرة.. باق 7 دقائق على بداية قصف المدفعية!! أتمنى أن يكون في العمر بقية.. والزمن في انتظار.. والحياة في انتظار".
لكن سيد بسطويسي استشهد بعد أيام من المعركة، في 16 أكتوبر، لتخلِّد هذه اليوميات التي كتبها وجوده في معركة التحرير.
"اتجسس على الصهاينة بالبيض".. حكاية أصغر أبطال حرب أكتوبر