"من المدرسة للسجن".. "شادي" طفل فلسطيني اعتقله الاحتلال والسبب "كلمة"

السبت 07 سبتمبر 2019 | 02:53 مساءً
كتب : سارة أبو شادي

اختلفت أحلامهم عن أحلام من في أعمارهم، لم تستهويهم الألعاب ولم يشغل بالهم مشاهدة فيلم كرتوني، لم يخلقوا للعب واللهو كغيرهم، لكنّهم خلقوا للمقاومة جاؤوا للدنيا من أجل تحرير الأرض المغتصبة منذ سنين، يخرجون من المنزل لا يعلموا هل سيعودون لأحضان أبائهم؟ أم سيلحقوا برفاقهم الأسرى والشهداء، هؤلاء كان حلمهم الوحيد أن يحيوا آمنين .. "رسالة من أطفال فلسطين".

انتظرته والدته في موعد الخروج من المدرسة، كانت تترقب وصوله بقلق شديد لم يتأخر صغيرها كثيرًا هكذا، خطر ببالها أن يكون ذهب للعب الكرة برفقة أصدقائه بعد المدرسة، بالتأكيد ستعنفه عندما يأتي للمنزل، لقد حذرته من اللعب تلك الأيام تحديدًا فالوضع غير مستقر بالبلدة، قوات الاحتلال لا تترك صغيرًا أو كبيرًا تعتقل من يمر أمامها، دقت الساعة العاشرة مساءً ولم يعد الطفل حتى الآن، بدأ الجميع يبحث عنه حتى جاء للأسرة اتصال هاتفي أخبرهم بالفاجعة التي ألمت بصغيرهم .. "شادي اعتقل".

فلسطين

شادي فراح فلسطيني في الخامسة عشر من عمره، قبل 4 أعوام من اليوم كان شادي عائدًا برفقة أصدقائه من المدرسة، أثناء مرورهم بدورية تتبع الاحتلال الإسرائيلي، همس شادي لأصدقائه "بدنا ننتقم من هؤلاء الجنود"، لم يدر الصغير أنّ هناك أحدهم يتصنت إليه، وعلى حين غفلة منه ورفاقه أخرج هذا الشخص هاتفه الخلوي وأبلغ جنود الاحتلا،ل بأنّ هناك شخصًا يخطط لعمل إرهابي، لم يعلم شادي أنّ جملته سترهبهم لدرجة أنّه لم تمر دقائق حتى كان مكبلًا بالحبال ومقتادًا إلى سجن "المسكوبية"بالقدس لبدء التحقيق معه.

ظل "شادي" في سجن المسكوبية لما يقرب من 6 أيام يتم التحقيق معه خلالهم، "منظمات وسلاح وأنفاق ومقاومة وجنود"، كلمات كان يستمع إليها كثيرًا، يتحدّثون مع الصغير في أشياء كان يشاهدها في التلفاز فقط، لم يكن يعرف شيئًا عن التهم التي وجهت إليه، لكنّهم اعتبره كاذبًا، وقرروا اللجوء لأسلوب في اعتقادهم أنّه سيجعل الصغير يعترف.

فلسطين

استخدموا مع الطفل أشكال عدة من التعذيب اللفظي والجسدي، في البداية أزالوا شعره بالكامل، وجدوا أنّ الأمر لم يجدي وأصرً على حديثه معهم، فعاقبوه بالتحقيق معه لساعات متأخرة من الليل وإيقاظه في الصباح الباكر بالضرب لاستكماله، حتى لا يحصل على قدر مستطاع من النوم، وضعوه بدون ملابس في زنزانة درجة حرارتها منخفضة في الشتاء، إجباره على نزع ملابسه والاستحمام أمام المساجين وارتداء ملابسه مبللة فيما بعد، كان يضع على جسده العاري "بطانية" لما يقرب من 6 ساعات حتى تجف ملابسه، ظل الطفل ذو الـ12 عامًا على هذا الوضع حتى أصيب بفطريات الجلد.

فلسطين

عانى شادي كثيرًا لكن كل تلك المعاناة لم تكن بقدر معاناته بداخل "البوسطة" السيارة المصفحة التي كانت تنقل الأسرى من السجون لمقر محاكمتهم، تلك السيارة التي كانت تمتلئ بالفلسطينيين الأسرى طفل بجواره شاب ويهون عليهم مشقة الطريق عجوز، كانوا يتم تقييدهم بالسلاسل حتى لا يستطيعوال الحركة، وتتنقل تلك السيارة من سجن لآخر لجمع الأسرى للمحكمة، بحسب حديث شادي كان من الممكن أن يظلوا بداخل تلك السيارة أيامًأ عدة ، حتى تصل إلى مستقرها الأخير المحكمة.

لم يكن مشهدًا من مسلسل تليفزيوني، صغير مكبل بالسلاسل أب سبقته دموعه فور مشاهدته لطفله، وشقيق ينادي عليه من خلف القفص، وأم تجمعت بداخلها مشاعر الألم والحزن ، وقفت وبيدها شيكولاته وطعام لطفلها ، كانت النظرات المتبادلة بينهما كفيلة أن تحكي الكثير، دقائق حتى بدأت المحاكمة، تيقنّ الجميع أنّ شادي سيخرج برائه كونه لم يفعل أي جرم، كانت أمه تنظر له وكأنها تحدثه "لاتقلق ياصغيري فحتمًا ستعود برفقتنا للمنزل".

فلسطين

"حبس المتهم شادي فراح 3 سنوات".. صرخة مدوية هزت أرجاء القاعة كانت للأم المكلومة، حاول الأب تهدئتها لكن سبقته الدموع على فلذة كبده، في الناحية الأخرى لم يعلم شادي مايعنيه هذا الحكم، كان يتحدث في صمت .. كيف حدث ذلك؟، أخبرته أمه قبل قليل أن لايقلق فعمره الصغير سيشفع له لدى هؤلاء، ظلت الأم تتوسل للقاضي، لكن بلا فائدة فلم يستمع إليها أحد.

"ماما معقول حكموني ماما مجانين هدول انا ما عملت شي ماما أنا كنت بحكي حكي"، تشبّث الصغير بملابس أمه، كان يبكي بشدة يطلب منها أن تصطحبه للمنزل لايريد أن يعود للسجن مرة ثانية، حاول الجنود نزعه من أحضان والدته، فقد الصغير الأمل في العودة بعد دقائق، استسلم لوضعه ورحل برفقة الجنود الذين رحلوه إلى سجن جديد في شمال فلسطين، يبعد عن مدينة القدس بحوالي 7 ساعات.

فلسطين

كانت العزلة هي رفيقته الوحيدة خاصة وأنّه كان يقيم بزنزانة هو أصغرهم، كانت الأيام تمر على الصغير وهو يحيا على أمل واحد الخروج من هذا المكان، وفي أول زيارة لأسرته، كانت الأم تجلس تنتظر رؤية فتاها المدلل حتى خرج إليها شخص نحيل الجسد حليق الرأس، نال منه المرض حتى جعله يتحرك ببطئ، اتجه نحوهم مشتاقًا لكن الأم ظلت تردد للأب "هاد ليس شادي".

دقائق وانتهت الزيارة عاد كلا منهم إلى مستقره، الطفل إلى الزنزانه والأم إلى منزلها وقلبها معلق هناك بداخل حجرة ضيقة في سجن كبير، ظل الفتى 3 أعوام بالمعتقل دخل طفلًا صغيرًا صاحب 12 عامًا، خرج فتى يافعًا وعمره 15 عامًا، بداخل السجن تغيّرت أحلام شادي، نضجت أفكاره كثيرًا، صنع السجن من الطفل معدن من الصعب أن ينكسر حاليًا، خرج من سجنهم وقضية بلاده تتعلق بقلبه أكثر وأكثر، قبل سنوات اعتقلوه بسبب كلمة، ضاعت طفولته بالسجن، لكنّ اليوم،خرج الفتى رجلًا يافعًا يحمل قضية تحرير بلاده على عنقه، والتي لن يلهيهم السجن عنها مطلقًا مهما حاول الاحتلال.

فلسطين

كان شادي نموذجًا للكثير من أطفال فلسطين، ممن انتهكت حرياتهم وضاعت طفولتهم بين جدران زنزانة سجن، لكنّهم بالرغم من ذلك لن يتنازلوا عن العقيدة التي ولدوا عليها "تحرير الأرض".

فلسطين

اقرأ أيضا