العبودية كلمة آثمة في قاموس البشرية، وتعرف بأنها امتلاك كامل للإنسان في كل شئ حتى حقه في حياته وموته، هذا ما تفعله ميليشيات الحوثيين بالمواطن اليمني، في المناطق التي تخضع تحت سيطرتها، حيث تشهد العاصمة اليمنية صنعاء ومناطق أخرى تابعة لسيطرة المليشيات الحوثية انتشاراً لما يسمى بظاهرة "العبودية الحديثة"، التي ترتكبها قيادات الميليشيات وتسعى لتوسيعها منذ انقلابها وعلى أوسع نطاق، وخرج مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتقارير عديدة تؤكد انتشار ظاهرة العبودية في اليمن بشكل كبير خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، أي أثناء انقلاب مليشيات الحوثي واستيلائهم على الشرعية، حيث وصل عددهم إلى 1800 سخص فقط في منازل قادة الحوثيين، وتشير التقارير إلى أن الجرائم التي خلفتها الميليشيات والمتعلقة بالعبودية الحديثة تتنوع ما بين استعباد المواطنين واستغلال فقرهم وجوعهم، والزواج القسري، والإتجار بالبشر، وتجنيد الأطفال والنساء لخدمة هدفهم فى تقسيم المجتمع اليمنى لسادة وعبيد.
فكرة قائمة على استعباد الإنسان
وفى هذا السياق قال وضاح عبد القادر، عضو تيار المستقبل اليمني، إن الحوثية ظاهرة وفكرة قائمة أساسا على فكرة الاستعباد والامتهان للإنسان على أساس خلافة البطنين، حيث ترى الطائفة الزيدية التى تنتمى إليها ميليشيات الحوثي، أن الإمامة بعد الحسن والحسين في البطنين، أي ما كان من أولاد الحسنين، وأحقية الحكم الإلهي لآل البيت على أساس أن كل من ينتمي لآل البيت هو "سيد " وحاكم، بينما الآخرين هم مجرد عبيد وخدام أي فكرة قائمة على الاصطفاء الإلهي وخرافة السلالة وهي بحد ذاتها فكرة استعلائية تكرس مفهوم العبودية بشكل حقيقي وواضح، وقد عملت الميليشيات الانقلابية على تكريس فكرة العبودية بشكل غير مباشر من خلال تغيير المناهج التعليمية على أسس طائفية تكرس ثقافة العنصرية والطائفية والسلالية وبشكل مباشر من خلال فرض ثقافة الأمر الواقع على القبائل للقتال في صفوفها وأيضا أخذ أولادهم للقتال في صفوفها سواء بالإكراه أو الإغراء بالمال والآن تقوم المليشيات الحوثية بعمل المراكز الصيفية بما يقارب مئة مركز صيفي في عموم المحافظات التي تسيطر عليها، ورصدت ميزانية تبلغ حوالي مليون دولار وتستخدم هذه المراكز للدورات الطائفية التعبوية لفكر هذه المليشيات الانقلابية بالإضافة إلى فرض التجنيد الإجباري لخريجي الثانوية العامة في صفوف المليشيات بالفعل.
وواصل وضاح أن المليشيات حولت البلد إلى سوق سوداء كبيرة وواسعة تحول المشرفين العسكريين التابعين لها إلى تجار سوق سوداء سواء بمادة البترول والمحروقات والغاز المنزلي، وهو ما جعلها تتحكم بمصير الشعب وشراء ولاءاتهم وإجبارهم على الرضوخ، هذا من جانب ومن جانب آخر عملت هذه المليشيات على النهب والسيطرة على كل ممتلكات المعارضين لسياستها ومصادرتها واستغلالها لزيادة رصيدها من الأموال التي تعمل من خلالها على تمويل حروبها في مواجهة الحكومة الشرعية.
أوضح أن المليشيات عملت على مصادرة كل القوافل الأغاثية التي تقوم بها المنظمات الدولية والمحلية إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها وحولتها للبيع في السوق السوداء وإن سهلت دخول بعضها إلى تلك المحافظات فإنها تعمل على توزيعها وفقا لسياستها التي تحرم المواطن الرافض لها من تلك المساعدات وبالتالي تجعله يرضخ لإملاءاتها من أجل الحصول على "لقمة العيش"، كما أن منظمة الغذاء العالمي كانت قد أكدت قيام الحوثيين بمصادرة المساعدات الغذائية ولذلك أوقفت برنامجها الإغاثي بسبب تصرفات المليشيات الانقلابية اليوم أصبحت كثير من الأسر اليمنية في مناطق الحوثي على وجه الخصوص تحت خط الفقر مما يعني أنها أصبحت وقودا لحروب الحوثي سواء من خلال أرباب تلك الأسر الذين يضطرون للقتال في صفوف الميليشيات من أجل الحصول على ما يسدون به رمق أسرهم أو من خلال قبول تلك الأسر بالزج بأبنائها للقتال في صفوف الحوثيين.
أكد عضو تيار المستقبل اليمنى، أن إيران تمارس دور قذر من خلال تكريس الحوثية كفكرة وكميليشيات مسلحة وتعمل على تجربة خلق حزب الله جديد في اليمن على غرار مليشياتها في العراق وسوريا ولبنان من أجل زعزعة أمن المنطقة وبالذات اليمن ودول الخليج العربي وتكريس فكرة الحوثية القائمة على العنصرية والطائفية، وما يسمى بالهاشمية السياسية هو مشروع يقف عائقا أمام مفهوم الدولة المدنية التي يحتكم أفرادها إلى القانون والعدالة الاجتماعية والمساواة مما يعني أنها شكل من أشكال الاستعباد للإنسان وتكريس فكرة العبودية تحت دعاوى الاصطفاء الإلهي والعرق السلالي النقي.
أما عن دور المنظمات الحقوقية قال وضاح إن هذه المنظمات لا تمتلك استراتيجية حقيقية وواضحة لمواجهة كل ما تقوم به المليشيات الحوثية من انتهاكات، وأقول بالفعل أننا فشلنا في معركتنا الحقوقية بامتياز لأسباب كثيرة منها سيطرة المليشيات على المنظمات العاملة في نطاق المساحة الجغرافية الخاضعة لسيطرتهم ومنها مثلا المفوضية السامية لحقوق الانسان في اليمن التي توجد في صنعاء بالإضافة إلى أن إيران قد مولت كثير من المنظمات الحقوقية في اليمن والعالم لتعمل على الملف اليمني تحت إشراف خبراء من حزب الله اللبناني ومحاولة حرف الحقائق وتزييفها لصالح الانقلاب والمليشيات، وجندت الكثير من الحقوقيين في هذا الجانب، الشيء الآخر أن وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية ووسائل الإعلام الرسمية عجزت عن إيصال الانتهاكات التي قامت بها مليشيات الحوثية للعالم بشكل يعمل على كسب التأييد وعلى سبيل المثال لا الحصر جرائم الألغام التي راح ضحيتها الآلاف من النساء والأطفال بالإضافة إلى أن بعض المنظمات الحقوقية خضعت للسيطرة الحزبية التي غيبت إظهار تلك الجرائم بشكلها الإنساني وإنما جعلت من تلك الجرائم كصراع سياسي أبعدها عن التعاطف الدولي بينما هي جرائم حرب بامتياز.
وأكد أن المجتمع الدولي يكيل بمكيالين تجاه الأزمة اليمنية وإلا لما طال أمد الحرب إلى هذه اللحظة هناك، ولما طالت مدة هذه الانتهاكات التي تقوم بها المليشيات الحوثية من قتل الأطفال والنساء بالقصف العشوائي وتفجير المنازل والمساجد واعتقال المعارضين والناشطين والصحفيين واعتقال حتى النساء وزراعة الألغام بل وقفت عائقا أمام استكمال عملية التحرير، وإيقاف معارك الحديدة التي كانت هي القشة التي ستقصم ظهر الانقلابيين وهو ما يعني رضوخ هذه الميليشيات واستسلامها، وبالتالي توقف تلك الانتهاكات، واليوم الحوثيون يفخخون المستقبل بأكبر جريمة وهي تغيير المناهج الدراسية وزراعة الأفكار الملغومة في عقول أطفالنا وهي جريمة كبيرة لا تغتفر ستعمل على تلغيم المستقبل.
واستطرد: "فلا يوجد أكبر من عبودية استغلال الناس لأجل لقمة العيش والإتجار بها واستخدامها وسيلة لأجل جعلهم يرضخون لسياساتها ويكونون جزء من أدواتها، وإجبار أرباب الأسر والأطفال على القتال في صفوفها لتحقيق غاياتها، وهذا شكل من أشكال الاستعباد، فهناك نساء اليوم صرت يعملن كخادمات بسبب الفقر لدى الأسر الحوثية ومشرفي الانقلاب الذين تحولوا إلى تجار كبار، ويتعرضن للامتهان والابتزاز بأشكال مختلفة ومنها التحرش الجنسي وكذلك بعض الأطفال الذي يعملون في خدمة بعض المشرفين الحوثيين ويتعرضون للتحرش الجنسي والاستغلال بأشكال مختلفة بالإضافة إلى الزج بهم في جبهات القتال".
تفوقوا على داعش في إهانة البشرية
قال محمد الشجاع ناشط سياسى يمني، إن الحوثيين يعملون على الاستحواذ الكامل على المواطن اليمنى وهذا بحد ذاته انتكاسة كارثية فى ملف الحريات، فهم يقومون بإعادة العبودية التى انتهت منذ سبعينيات القرن الماضى مع انتشار الديمقراطية والوحدة فى اليمن، وألغاء مفاهيم الحرية من خلال عدة استراتيجيات مثل قطع الرواتب عن الموظفين واستغلال فقر المواطن وتجوعيه، كما يقومون بتغيير المناهج الدراسية لخدمة هدفهم فى سيادة المجتمع وبعض المواطنين انخرطوا معهم، بدون استوعاب أنهم ينجرون الى العبودية، وهذا انتكاسة للمجتمع اليمنى، وقد تفوقت على داعش فى المعاملة مع الإنسان.
وتابع الشجاع أن الحوثيين يستغلون جهل وغياب توعية المواطن اليمني في ترسيخ ظاهرة العبودية بالقرى والأرياف، من خلال المراكز الصيفية التى رصد لها 500 مليون ريال يمنى، وتقدم دورات ثقافية للاطفال والشباب لتوضيح فكرة تعايش الحوثيين مع المجتمع وأن كل طوائف الشعب يجب أن تتعايش مع بعضهم البعض، لكن هذا الكلام يتغير من محاضرة لأخرى، وذلك بهدف استدراك المواطن للعبودية فى نهاية المطاف.
وأضاف أن أكثر المفاهيم التي تنشرها الميليشات في المناطق التي تسيطر عليها لتدعيم العبودية، هى ضرورة وجود الحاكم الواحد، لذلك يغرسون في عقل المواطن أن عبد الملك الحوثى هو من اختاره الله للحكم، حيث ينتمي لآل البيت، وهذا كله يجعل الأشخاص ينتهجون العبودية، من أجل التوجه لشخص واحد وجماعة واحدة.
أما عن الدور الأيراني فى مساندة الميليشيات فى ترسيخ العبودية أكد أن أيران لها دور كبير فى عملية تدعيم ظاهرة العبودية الحديثة باليمن، حيث تعمل فى آسيا وأفريقيا بهذا النهج وهو تمكين جماعة واحدة من الحكم وجعل باقي المواطنين أسياد لها والكثير من قادة الحوثيين تربوا وتعلموا في ايران، حيث يعتمد الحكم في ايران على الامامة، وهذا كلة في مصلحة جماعة الحوثيين وزعيمهم.
وعن دور المنظمات الحقوقية، أوضح أن الانقسام بين القوى السياسية دعم عمل الميليشيات فى ترسيخ العبودية واضظهاد المواطن، وجعل المنظمات التابعة للحوثيين تتفوق على المنظمات العالمية في رصد الأحداث وفبركتها، وهذه المنظمات مغيبة تماماً عن الموقف في اليمن، حيث تتعامل مع المشكلة اليمنية، كأنها حرب أهلية وهذا ليس صحيح وهو انقلاب، وتستغل هذه الميليشيات الفراغ السياسى، لاستعباد المواطن اليمنى من خلال ضمهم للميليشيات، أو اعتقالهم بدون محاكمات وهذا كله يؤدى الى باليمن الى الهاوية.
الدين الإسلامي يحرم العبودية
ذكرت دار الإفتاء المصرية فى فتوى سابقة لها "لا تجوز التجارة في البشر، وكل البشر بهذه الاتفاقيات أحرار وليسوا محلًّا للبيع والشراء، وقد وقع المسلمون المعاهدات الدولية التي تقضي بإنهاء الرق والعبودية للبشر، وكان ذلك متفقاً مع ما أراده الإسلام من تضييق منابعه وتوسيع أبواب العتق، ليكون الناس كلهم أحرارًا كما خلقهم الله تعالى".
وجاء فى تفسير الفتوى: "قد وقف الإسلام بتضييق منابع الرق، وتوسيع منافذ الحرية، والإحسان إلى المملوك والترغيب في عتقه، موقفاً شريفاً مناقضاً للأساليب التي كانت موجودة قبله في بلاد العالم، وما فعله بعد ذلك تجار الرقيق في القرون الأخيرة عند اكتشافهم للأراضي الجديدة، والآيات التي تتحدث عن ملك اليمين تتعامل مع واقع حاول الإسلام تغييره، حتى وصل العالم الآن إلى معاهدة تحرير العبيد التي أقرها علماء المسلمين والدول الإسلامية مع بقية دول العالم، وذلك في زمن اشتد فيه التنافس بين الدول في هذه التجارة فقرروا الاتفاق على منعها، فكانت الاتفاقية الدولية لتحرير الرق، وبعد هذه الاتفاقية انتهت تجارة الرقيق في العالم، وحل مكان الاسترقاق لأسرى الحرب اليوم السجن وغيره من الممارسات التي نصت عليها المعاهدات الدولية التي التزم العالم بها ومعهم المسلمون، فأصبح هذا نظام ملزم، ولم يعد يجوز لأحد استرقاق أحد".