مرآة زجاجية ازدحمت مساحتها بسعادة العالم التي انبثقت من ملامح طفل صغير، لا يتعدى عمره العاشرة من تعداده المثقل بالألم، وجسده الهزيل يتهلّل فرحًا، بهديته الجديدة، التي انسدلت خصلاتها فوق رأسه، ولسان حاله "أخيرًا شعري رجع".
أحلام كبيرة، اختزلها فيديو صغير، لأحد أطفال مرضى السرطان، وهو يجرب لأول مرة "باروكته" الجديدة، البديل المبهج لشعره الطبيعي الذي سقط جرّاء علاجة الكيميائي، كان كفيل أن يغيّر حياة سامح سلام، الذي يعمل مصفف شعر للرجال، منذ 17 عام، ليطلق مبادرة "حلاّق السعادة"، لإدخال البهجة على الأطفال الذين أنهكم المرض.
"لما شوفت الفيديو، حسيت إن الشعر واجهة الإنسان، ومرض السرطان بقى مرض العصر في مصر، ومش هنقدر نلمس الألم الجسدي إلى بيمروا بيه، فالعامل النفسي مهم جداً، وحاجة بسيطة زي دي هتفرق مع حالة الطفل مريض الكانسر، النفسية والمعنوية"، بهجة صغيرة انتقلت عبر الأثير لسلام، فكانت شرارة لفكرة أضحى مداها منبع الفرحة لهؤلاء الأطفال.
قبل 4 أشهر، هي عمر المبادرة، بدأ حلاّق السعادة، في طرح فكرته على صفحاته الشخصية على موقع التواصل الإجتماعي، منوهاً على مجانيتها، شارحاً الهدف منها وأهميتها على نفوس أطفال مرضى السرطان، ليجد من يشكك في نيته لاجذاب زبائن لسنتره الخاص، ولكن نيته الصالحة كانت لهم بالمرصاد، "لما عرضت الفكرة، وحبيت أنشرها، محدش استوعب إلى بقوله في البداية، واعتقدو إني عايز أعمل شو للسنتر، طبعا مهتمش وصممت إني أكمل في الوصول لأكبر عدد ممكن من الأطفال لاسعادهم، وفعلاً وصلت".
لم يمر وقت طويل، حتى استجاب عدد من متابعي سلاّم، لمبادرته، وشرعوا في تشجيعه على المضي قدمًا بنيته الصالحة في تغيير حياة طفل نهش المرض جسده، "ابتدو يشيروا الفيديو الي بشرح فيه فكرة المبادرة، وكان بداية جيدة"، لم يقف سلاّم مكتوف الأيدي، في انتظار من يدله على طفل يريد اسعاده، بل طرق أبواب المستشفيات بحثاً عنهم، "روحت للمستشفيات وعرضت عليهم الفكرة، وللأسف ملقتش نتيجة، فابتديت أقف على أبوابها علشان أقابل الأطفال الداخلين وذويهم، والحمدلله قدرت اوصل الفكرة للاطفال واولياء امورهم، الي شجعوني عليها خاصة انهم بيكونو مشغولين بأمور العلاج، والامكانيات مش بتسمح يوفروا لأولادهم بواريك".
عمل "الباروكة"، المحمّل بالحب، وهيئتها الطبيعية، كان الفارق لدى حلاّق السعادة، ولكن الحالة المادية المتوسطة، ورفضه للتوقف، دفعته إلى تغييره لاستخدام "الفايبر"، "في البداية الشعر الطبيعي، كان بيكلفني من 3 ل4 آلاف جنيه، والقرص إلى بيتغزل فيه، له مواصفات خاصة، لأنه مبطن مش بيضايق الطفل، بس للأسف محدش اتعاون معايا، فكنت لازم أبحث عن بديل أقل في التكاليف، خاصة إن أباء كانوا بيكلموني أعمل بواريك لأطفالهم، ومكنتش بقدر أقول لأ".
توجه حلاّق السعادة، إلى أطباء معهد الأورام، لسؤالهم عن مدى صلاحية "الفايبر"، لفروة رؤوس مرضى السرطان الحساسة، فلم يكن هؤلاء الأطفال مجرد أرقام يضيفها في سجل مبادرته، بل بسمات برّاقة تضيف لحياته رونق خاص، "مكنتش عايز أعمل حاجة تضرهم، فقالولي ان الشعر الفايبر دة صحي للاطفال، وكويس، ومناسب لهم، فبدأت استخدمه".
يعلم حلاّق السعادة، جيدًا كيف يتأثر طفل السرطان مع كل خصلة ترحل من فروة رأسه، ولذا يعمد إلى اشراكهم في انتقاء اللون والطول، اللذين يحلم بهما لنفسه في شكله الجديد، "يهمني دائما أسأل الببنات والولاد على لون الشعر إلى بيحبه والطول إلى بيناسبه، علشان بيبقى فرحان وهو لابسها"، لافتًا إلى أن الفتيات يكون أشد حرصًا على معرفة رأيهن لمكانة الشعر لديهن.
لا تغيب عن ذاكرة سلاّم، الاتصال الذي ورده من أحد سيدات مرضى السرطان، بعد استجابته لبوست لها، تطلب المساعدة، من رواد "الفيسو بوك"، عن أماكن عمل البوريك، "شوفت بوست لسيدة من محافظة الغربية، محتاجة تعرف تجيب منين الباروكة، لأن اولادها الصغيرين بيخافو منها لأن شعرها وقع، ومتعرفش تقعد قدامهم غير بإيشارب، فصممت لها واحدة، وبعتها، فكانت حاسة بسعادة رهيبة، وصممت ترسل التكلفة، لكني رفضت لأن اهم حاجة عندي تحقيق الهدف من الموضوع، اني اسعد الناس دي وارفع من روحهم المعنوية".
ولم يكن يعلم، في بداية مبادرته التطوعية، أنه سيتعرض لعصف نفسي يكون المحفز الأساسي لاستكمال ما بدأه، من أحل عيون الأطفال، "كنت بعرض الفكرة لالولياء الامور في أحد المستشفيات، فوالدة طفل جاتلي تقولي ان ابنها بدأ يسألها شعره بيروح فين، وانه عايز شعره تاني، ومكنتش مستوعب تطورات مرضه، ولما ركبت له الباروكه، حضني وبصلي بنظرة سعادة وقالي "شكراً إنك رجعت ليّ شعري تاني".
كانت مبادرة حلاق السعادة الإنسانية، بداية لصنع مساحة أخرى من العلاقة بينه وبين أولياء أمور الأطفال، "بنفكر نفكر سوا، إزاي ممكن نقنع أطفالهم ونأهلهم في تقبل شعرهم الجديد"، وفي الحالات الصعبة يعمد إلى توجيههم لتأهيل الطفل بشكل مرحلي لذلك، حتى لا تصيبه الصدمة، "والد أحد الفتيات طلب مني ياروكة بشعر طبيعي، وبقالهم فترة مش عارفين ازاي يقنعوها بيها، لأنها بتحب شعرها جداً، فقولت لهم يا يركبوها وهي نايمة، أو يبلغوها ان الدكتور طلب قص شعرها بالكامل، لانه محتاج يتعالج، والباروكة بديل كويس لحالتها"، صمّم سلام تلك الباروكة على وجه خاص بلون مناسب لشعر الطفلة الطبيعي، أملاً في أن تحوز أعجابها لتتخطى دهشة سقوط خصلاتها الثمينة.
تعددت أنواع المساعدة التي يتلاقاها سلاّم، منذ اطلاق المبادرة، "فيه رجال أعمال واعضاء مجلس شعب، عرضوا انهم يوفرو مجموعه من البواريك، بس كان كلام وخلاص، وفيه بنات بتعرض انها تقص شعرها وتجيبه أغزله كنوع من أنواع المشاركة"، إلاّ أن حلاّق السعادة، يحلم أن يكمل مشواره في المبادرة، وادخال البهجة على مزيد من الأطفال، "نفسي أعمل بواريك كتير، علشان تبقى متوفرة لأي حد يكملني ومحتاج يفرح طفله، ورغم التعسر المادي، مش هقف، لأن أمال كتير من الأطفال متعلقة في رقبتي".