«قلب الزعيم»..كيف وقع جمال في حب تحية عبدالناصر؟

الثلاثاء 15 يناير 2019 | 05:29 مساءً
كتب : سهام يحيى

في ذكرى ميلاد الرئيس جمال عبد الناصر، لا يجب أن ننسى تحية عبد الناصر، أو تحية محمد كاظم،  الحب الخالد والسند القوي الذي يفيض حناناً، للرئيس الراحل، زوجة عبد الناصر ، حبها الشديد له وثقه وأكده التاريخ، فكانت حقا السيدة الأولى، وربة المنزل، لم تتدخل «تحية» في العمل العام، في حياته أو حتى بعد وفاته، مثل المعتاد مع زوجات الرؤساء، فقد اكتفت بتوجيه الدعم لزوجها والتفرغ لأبنائها.

تزوجها «عبدالناصر» عام 1944 بعد علاقة حب كانت من أول نظرة، بعد أن تعرف عليها في الإسكندرية، حيث رآها عندما كان يأتى لمنزل عائلتها بصحبة عمه وزوجته، التي كانت صديقة مقربة لوالدتها، وكان عبدالناصر صديق أخوها.

ترجع لأصول إيرانية، أخوها كان تاجر سجاد ميسور الحال، كما كان صديقًا لعبدالناصر، فأرسل عمه وزوجته لطلب يدها، وكان في هذا التوقيت برتبة يوزباشي، حيث تحدثت "تحية" في كتابها "ذكريات معه" عن تفاصيل خطبتها من عبدالناصر: إن عبد الحميد كاظم هو الوحيد في العالم الذي أملى على شروط قبلتها، وكانت تلك الشروط كما أوضحتها، أن أخوها رفض منذ البداية زاجها من عبد الناصر بسبب عدم زواج شقيقتها الكبرى، وبعد عام من زواج شقيقتها تقدم لها عبد الناصر مرة أخرى، وتمت الخطبة بعد 6 أيام، وكتب عبد الناصر على الدبل، تاريخ 14 قاصدا يوم زيارته لخطبتها.

 

تقول «تحية» إن زوجها لم يكن يحب الخروج إلى أي مكان دون هدف محدد، بل كان يفضل الذهاب للسينما والمسرح، وبالأخص مسرح الريحاني، بسبب عشقه للمسرح، ثم يعودان إلى منزلها، ويتناولان العشاء برفقة أخيها، حتى جاء يوم 29 يوليو 1944، يوم الزفاف، طلب أخوها من ناصر أن يكون عقد القران يوم الزفاف، وأن تكون زيارته لها كل أسبوع بحضوره أو حضور شقيقتهم الكبرى حتى تم زفافهم والذى أقيم فى منزلهم، واستمر حتى الساعة الواحدة صباحا.

وبعد رحيل أخر المدعوين والأقارب طلب منهم  شقيقها الانتظار ساعة أخرى، فقال له جمال ضاحكا "سنبقى معك حتى تقول لنا روحوا"، ومع تمام الساعة الثانية، قام "عبدالحميد" باكيا سلم عليها وقبلها.

تزوجها بغرفة نوم لا تتجاوز قيمتها 30 جنيه، بشقة في حي الظاهر تضم غرفتين فقط، حفل زواجهم كان عاديا جدا نظرا لظروف عبد الناصر التي كانت صعبة حينها.

كان عبد الناصر يشعر بأن شقيق تحية يُملي عليه الشروط اللازمة، حتى يتم الزواج، ولكنه تقبل ذلك رغم طبيعته العنيدة، حتى روت السيدة تحية، بأنه في إحدى المرات عند جلوسهم على السفرة وقت الغداء، قال الرئيس لأولاده، وهو يضحك: "الوحيد في العالم الذي أملى عليّ شروطا وقبلتها هو عبد الحميد كاظم".

 الزوج والحبيب

منذ اليوم الأول لزواج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والسيدة تحية وهو زوج مثالي وحبيب وهو ما جعل السيدة تحية لا تشعر بأن عبد الناصر يعاملها عكس ما يعامل الرؤساء أزواجهم.

تروي السيدة تحية تفاصيل اليوم الأول لزواجها في مذكراتها، مشيرة إلى أن جمال كان زوجا مثاليا، حمل عروسه إلى داخل الشقة، التي لم تكن رأتها من قبل، لكنها كانت جميلة، أعجبها فيها غرفها، وأثاثها البسيط، ولم تكن تشعر بنقص أي شيء من الذي اعتادت عليه من ثراء أبيها وأخيها.

عاش عبد الناصر حياة سعيدة مع زوجتة و أولاده هدى، خالد ، عبدالحميد، أسامة منى"،  تقول "طوال 18 سنة كان الرئيس فقط زوجي الحبيب، أي لا رئاسة الجمهورية ولا حرم رئيس الجمهورية"، فلم تكن تحية تخاطب زوجها أمام ضيوفه باسمه، بل دائما بالريس، فكانت خجولة ومتواضعة، ونادراً ما تتحدث على المائدة مع ضيوفها، كما أنها لم تشارك مطلقاً في أي حديث في السياسة.

وبالرغم من الشعبية التي حظى بها "عبدالناصر"، إلا أن "تحية" عاشت وماتت مغمورة في الظل، رغم الكاريزما التي تمتع بها زوجها، فقد عاشت في ظل زوجها حياة بسيطة كربة منزل من الطبقة الوسطى،  وأدت دورها كزوجة مطيعة، وأما لأولاده، وكانت تطبخ بنفسها الأكل الذي يهواه زوجها والذي كان يقول لأولاده عنه دائماً "أكل أمكم مفيش زيه".

إنسانية «عبدالناصر»

تحدثت عن الجانب الإنساني لزوجها، والذي يظهر احترامه لها، وخوفه على شعورها، فمثلاً في عام 1960 كانا في زيارة رسمية لليونان، ودعا ملكها عبدالناصر لحفلة عشاء، وخلال الزيارة، وقفت الملكة بجوار الرئيس عبدالناصر لتتأبط ذراعه وتمشي بجواره، فقال لها: سأمشي بجوار الملك وأنت تمشين بجوار زوجتي. فسألته الملكة: وماذا لو تأبطت ذراعك؟! قال لها: إنني أخجل.. فرجعت الملكة ووقفت بجواري وقالت لي بالإنكليزية: "اعطني يدك أو آخذ يد زوجك".

وتقول تحية إن زوجها لم يكن يحب البذخ والترف، ولم يرَ ضرورة لأن تصاحبه في سفره، باعتبار ذلك "رفاهية لا يرضى بها". وتؤكد  أنه تلقى من رؤساء وملوك سيارات وطائرة وغيرها، وسلمها للدولة، ولم يترك بعد رحيله إلا السيارة "الأوستن" السوداء التي اشتراها عام 1949.

وتضيف أنه عند زواج ابنتهما هدى قدمت لها صديقة، وهي ابنة سفير، ساعة مرصعة، فلم يقبلها عبدالناصر وحضّ هدى على أن تكتب لصديقتها خطاب اعتذار رقيق.

رسائلها لـ«عبدالناصر» بحرب 1948

وخلال مشاركة عبد الناصر في حرب 1948، أرسلت له عدة رسائل، تعبر عن حبها له وتطمئنه عن أحوال أولاده فتقول في :

الرسالة الأولى:

عزيزي جمال.. أهديك سلامي وأشواقي وصلني خطابك الذي كنت أترقبه فاطمأن قلبي والحمد لله. أما عن أخباري فهي: ذهبت عند عناية وبعدها أبلة منيرة، وحضرت يوم الثلاثاء ولم تحضر أبلة توحيدة وأرسلت تلغراف بأنها ستحضر يوم الجمعة وللآن لم أجد خادمة وأمس زارتني حرم عبد الحكيم أفندي وباتت معي شفيقة وخادمة جارتي والكل هنا يسعى لراحتي جزاهم الله خيرا، وهدى ومنى بخير.. الحمد لله وها هي هدى عايزة تاخد القلم من يدي لتكتب ومنى بتشد الورقة.. سأمكث هنا حتى حضورك إن شاء الله يكون قريباً جداً فأرسل لي دائماً هنا وأكثر من الخطابات لأكون في اطمئنان رافقتك السلامة وفي حفظ الله..

 

والرسالة الثانية:

عزيزي جمال.. وحشتني جداً يا جمال، متى تنقضي الأيام دي واراك، كنت متلهفة على خطاب منك، واليوم وصلني خطابين، فكم أنا مسرورة، كنت لا أعرف أن البوستة بتتأخر فبت أمس زعلانة، لكن الحمد لله سأنام الليلة وقلبي مرتاح، هدى ومنى في أحسن صحة ويقبلونك، وصلني اليوم خطاب من الوالد العزيز يسأل عني وهدى ومنى وسيحضر عندنا في أوائل الشهر إن شاء الله سأسهر على راحته، دعواتي لك يا جمال.. وفي أمان الله.

 

الرسالة الثالثة:

عزيزي جمال.. سلامي الزائد، أرجو أن تكون في غاية الصحة وأحسن الأحوال، وصلني خطابك العزيز اليوم وقد أرسلت لك خطاب بتاريخ 25 مايو فأنا أرد على خطابك في نفس اليوم الذي وصلني فيه ووصلني في يوم 25 مايو خطابين بتاريخ 18 مايو و23 مايو فالبوستة بتتأخر.

هدى ومنى في غاية الصحة ومنى كعادتها بتقول بابا وهدى ترد عليها وتقول لها بابا راح يجيب بستلية وحاجات حلوة، إن شاء الله نراك قريباً ونفرح بك، وحشتني جداً يا جمال، يا حبيبي أنا لا أقرأ البورصة إلا صدفة فهي لا تهمني الآن ولا أعيرها أي اهتمام طلعت أم نزلت وكل ما يهمني أن أقرأ خطاب عليه خطك فهو أحسن شيء عندي في الوجود.

كنت اليوم عند عواطف وقابلت زكي وكلفني أن أبلغك سلامي ودعواته، أبلة توحيدة عندنا وتبلغك سلامها، ستحضر عندي خادمة في أول الشهر وهي بنت أم زينب اللي عند خالتي فهيمة تدعى فاطمة، لك قبلاتي ودعواتي لك بالحفظ والأمان.

تحية.. أكثر من الخطابات يا جمال فهي شفاء لنفسي وكل سعادتي.

الرسالة الرابعة

عزيزي حمال.. إليك أبعث سلامي وقبلاتي الزائدة، متعك الله بالصحة، وحشتني أوي يا جمال، إمتى تيجي، فقد طالت غيبتك عنا، لا يمكنني التعبير عن شعوري واشتياقي لك، لم أسمع صوتك بوضوح في التليفون فالصوت كان بعيد، هدى ومنى والحمد لله بخير وبيتشاقوا وبيتعفرتوا كتير وهدى دلوقتي اعتادت على الجوابات وبتسألني بتكتبي جواب بابا يا تحية، زارتني حرم عبد المنعم أفندي ولم تجدني وأخبرت جارتي بأنها ستزورني مرة أخرى يوم 5 يونيو وأنا منتظراها.

ختاما.. لك سلامي ودعواتي

 

أبناء عبدالناصر ومعاملته لهم

كان لعبد الناصر ، خمسة أبناء، "هدى ، منى ، عبد الحميد، عبد الحكيم، أسامة"، عملوا فى مجال البيزنس، لكن "عبد الناصر" لم  يكن يُخطط يوما في عمل أبناءه بالتجارة.

أما عن معاملة أولاده كان الزعيم الراحل عبد الناصر لا يحب تمييز أولاده عن باقي الشعب، وفي يوم طلب من السكرتير الخاص به أن يذهبوا إلى مدارسهم بالأتوبيس مثل بقية التلاميذ، حسبما جاء في مذكرات سكرتيره الخاص، إضافة إلى ذلك، كان يحرص الزعيم على أن يرتدي أبناؤه ملابسهم من القطاع العام، ويقول السكرتير الخاص لعبد الناصر: "عندما كنا نسافر كنت أحاول أن أشتري لهم بعض اللعب الزيادة، ولكنه كان يغضب قائلا: أريد أن يشعروا أنهم أطفال عاديون وليسوا أبناء رئيس جمهورية.

كان يقضي عبد الناصر أوقاتا وسط أفراد أسرته المكونة من 5 أبناء، وفي عيد ميلاده كانوا يشترون له "تورتة" و"جاتوه" في احتفال بسيط لا يستغرق سوى دقائق قليلة، لم يهتم عبد الناصر بأناقته كثيرا، أو بتكلفة ملابسه كثيرا،  فكان القميص الذي يرتديه من"عمر أفندي" وثمنه جنيهان فقط، وكان يضيف إلى ملابسه كل عام بدلة أو اثنين فقط، حتى الأحذية كان يرفض تغييرها دائما ويقول: "أنا مستريح فيه انتو مالكم".، كانت الألوان المفضلة لديه "الأزرق والرمادي".

 

اللحظات الأخيرة من حياة الزعيم

 وجاء يوم 28 سبتمبر1970 حيث قام الرئيس بتوديع أمير الكويت لسفره، رجع من المطار في الثالثة بعد الظهر وعند خروجى من حجرتى وجدت ابنتى هدى تستعد لتذهب إلى بيتها، وقالت لى هدى بصوت خافت: بابا تعبان وسينام.

رآنى وقال لى: تعالى يا تحية.. فدخلت الغرفة وأشار لى بيده وهو راقد على السرير أن أجلس.. جلست على طرف السرير فسألنى: هل تناولت الغداء يا تحية؟ قلت له: نعم تناولته مع الأولاد، قال: أنا مش حاتغدى، أشار لى بيده أن أبقى كما أنا جالسة، وكان راقدا لم يتكلم، حضر الدكتور الصاوى حبيب، وقمت كعادتى عند دخول الأطباء الحجرة، فقال الدكتور نريد عصيرا، وأحضرت عصير برتقال وليمون جهزته بنفسى بسرعة، اختار جمال كوب البرتقال وشربه وأنا واقفة وقال لى متشكر، وفجأة حضر دكتور القلب الخاص منصور فايز، فقلت له: أنت جيت ليه يا دكتور دلوقتى أنا لما بأشوفك بأعرف أن الرئيس تعبان وبكون مشغولة.

قال: أنا معتاد أحضر كل أسبوع يوم الإثنين، واليوم الإثنين ودخل للرئيس، دخلت حجرة المكتب وسمعت الرئيس يتحدث في الراديو.

قالت لى منى ابنتى: بابا بخير وبعد دقائق جاء الطبيب الاختصاصى وقال: الرئيس الآن تحسن يمكنك الدخول إليه، بعد لحظات خرج الدكتور الصاوى مسرعا وقال تعالى يا دكتور، ودخل الدكتور يجرى، ومنعتنى منى من دخول حجرة الرئيس وقالت إن بابا بخير لا تخافى يا ماما واجلستنى في حجرة المكتب المجاورة وجلست معى، وبعد فترة حضر دكتور آخر ثم ثالث، فدخلت عليه وجدت الأطباء يحاولون علاجه، وكنت أخرج أبكى ثم أدخل حتى لا يرانى الرئيس وأنا أبكى.

دخلت عليه مرة ثانية وازداد بكائى، ثم حضر حسين الشافعى ومحمد حسنين هيكل، وكل واحد يدخل الحجرة ولا يخرج منها وأنا أبكى.

أصرت منى على إخراجى من الحجرة، ووجدت الكل يخرج من الحجرة وينزل السلالم فدخلت حجرة الرئيس مسرعة ووجدت حسين الشافعى يبكى ويقول: مش معقول يا ريس.

حضر خالد وعبد الحكيم ولم يكونا في البيت ودخلا عليه، ودخلت أنا ووقفت بجواره أقبله وأبكيه، ثم خرجت من الحجرة لأبدل ملابسى بملابس الحداد ونزلت إلى الدور الأول فوجدت الكل.. سكرتارية الرئيس والأطباء وهيكل وحضر أنور السادات، قلت لهم في تلك اللحظة لا أطلب منكم شيئا أبدا، لكن أريد أن يجهز لى مكانا بجوار الرئيس لأكون بجانبه، كل ما أريده أن أرقد بجواره.

جاء لى هيكل والدكتور الصاوى وطلب مني الصعود إلى حجرتى وأعطانى الدكتور حقنة وبضع حبات من الدواء، وجاء عبد الحميد ابنى من الإسكندرية وهو يبكى وقال: قالوا لى أن بابا تعبان وحضرت في طائرة ودخلت هدى ومنى، لم أدر كم مر من الوقت، وفجأة قالت هدى لقد أخذوا بابا إلى قصر القبة، فقلت: حتى الآن أخذوه، وينتهى المسار بمشهد الجنازة.

حزنها على فراقه

حزنت تحية كثيراً بعد وفاة عبد الناصر، فلم ترتدي سوى اللون الأسود حتى لحقت به، كما بدأت مذكراتها بعد وفاته بهذه الكلمات:  "زوجي الحبيب، لم تمر عليَّ دقائق إلا وأنا حزينة، وأنت أمام عيني في كل لحظة عشتها معك، صوتك.. صورتك المشرقة.. إنسانياتك.. كفاحك.. جهادك.. كلامك.. أقوالك.. خطبك.. مع الذكريات أبكيك بالدموع أو أختنق بالبكاء".

تقول تحية في مذكرتها" لقد عشت 18 عاما لم تهزني رئاسة الجمهورية ولا زوجة رئيس الجمهورية.. وكل ما أرجوه أن أرقد بجواره".. بهذه الكلمات ودّعت "تحية كاظم" زوجها الراحل، بعد 18 عام من الحب المتبادل، الذي لم تعكره مسئوليات الرئاسة"، وتوفيت في مارس عام 1992 ودفنت بجوار زوجها الزعيم الراحل حسب وصيتها.

اقرأ أيضا