”التصوف المسيحي”.. قلوب العاشقين تتغنى بترانيم المسيح

الثلاثاء 01 يناير 2019 | 03:59 مساءً
كتب : ساره ابوشادي

"ﻟﻘﺪ ﺻﺎﺭ ﻗﻠﺒﻲ ﻗﺎﺑﻼ ﻛﻞ ﺻﻮﺭﺓ ،ﻓﻤﺮﻋﻰ ﻟﻐﺰﻻﻥ ،ﻭﺩﻳﺮ ﻟﺮﻫﺒﺎﻥ، ﻭﺑﻴﺖ ﻷﻭﺛﺎﻥ ﻭﻛﻌﺒﺔ ﻃﺎئف ﻭﺃﻟﻮﺍﺡ  ﺗﻮﺭﺍﺓ ﻭﻣﺼﺤﻒ ﻭﻗﺮﺁﻥ..ﺃﺩﻳﻦ ﺑﺪﻳﻦ ﺍﻟﺤﺐ ﺃﻧﻲ ﺗﻮﺟﻬﺖ ﺭﻛﺎﺋﺒﻪ ﻓﺎﻟﺤﺐ ﺩﻳﻨﻲ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﻲ" قصيدة نتغنى بها جميعًا قيلت قديمًا في حب الخالق، لم يحدد كاتبها الديانة فذكر الكعبة والدير، و" بيت الأوثان" و" مرعى الغزلان" فقلب العارف يتسع لكل هذه الصور من العبادات والشعائر ويؤمن بكل هذه المعتقدات لأنه يعلم جيدًا الأصل الوجودى الذى تستند إليه كل هذه الأديان "حب الله".

 

جميعنا نعرف جيدًا الصوفية في الإسلام، عاشقي ومريدي آل البيت قوم، نزلوا بساحاتهم للجلوس في رحاب آل بيت الرسول يتقربون من الخالق، ينشدون ويبتهلون ويذكرون آياته، لكن الغريب أنّ تلك المرة قوم آخرون تجمعوا يتلون الترانيم في رحاب الكنيسة يتوسلون للخالق يسبحون بكلماته ويتغنون بها.

 مدرسة التصوف

"هللوا يا هللوا يا هللويا سبحوه بصوت البوق هللو يا سبحوه بمزمار وقيثارة هللويا سبحوه بدفوف وصفوف، هللويا سبحوه بأوتار وأرغن، هلليلويا سبحوه بصنوج حسنة الصوت هللويا سبحوه بصنوج التهليل" قبل عدة أشهر أعلنت مجموعة من الأقباط ظهور مدرسة جديدة متخصصة في تعليم الشباب المسيحيين التصوف، عرفت بإسم "مدرسة التصوف المسيحي" ويشرف عليها اثنان من رجال التصوف المسيحي المصريين هما المنشد المسيحي الصوفي ماهر فايز، والحقوقي والباحث في الشأن الصوفي إيهاب الخراط، الإعلان الذي آثار الكثير من الجدل خاصة بعد تعجب البعض بوجود صوفية في المسيحية لأن الشائع في أذهانهم ارتباط التصوف بالإسلام.

 

 ليست حديثة

بالرغم من تعجب الكثيريين حينما يطرأ عليهم لفظ الصوفية المسيحية، لكن الحقيقة أنّ الصوفية المسيحية لم تكن وليدة تلك الأيام،  بل لها تاريخ طويل يعود إلى القرون الميلادية الخمسة الأولى، عندما ظهرت مجموعة من الروحانيين المسيحيين ذكرهم التاريخ المسيحي بعد ذلك على أنهم معلمو اللاهوت الروحي وهم أوريغانوس، أنطونيوس، باسيليوس الكبير، غريغوريوس النيصي، غريغوريوس الثيؤلوغوس، أمبروسيوس، وأغسطينوس.

 

وهؤلاء السبعة هم أصحاب أغلب نصوص العبادة اللاهوتية والشروحات الروحية، وهم أول من بدأ التصوف المسيحي من خلال القراءة الروحية والتأويل الرمزي والمجازي للنص المقدس.

 

وظهرت بعدهم مجموعة أخرى من القساوسة والكهنة الذين ساروا على دربهم في التصوف المسيحي وتعاليمهم، وعلى رأسهم غريغوريوس بالماس، يوحنا الصليبي، تيريز الأفيلية، وقديسي جبل آثوس باليونان، والأب المصري متى المسكين.

الممارسات واحدة

ولا تختلف ممارسات الصوفية المسيحية كثيراً عن ممارسات الصوفية الإسلامية، إذ إنها عبارة عن إبداع حبي لله وتعبير عن هذا الحب بكل الطرق والوسائل بداية من التعبير بالشعر، أو بحركات الجسد أو من خلال استخدام الموسيقى، على أن يكون هذا التعبير تحت إشراف شيخ متقدم وهو، في المسيحية، شخص له خبرات واسعة في التصوّف ويقود الصوفيين ويعلمهم الزهد في العالم، والاتكال على الله والصبر له.

 

وتكون الخلوات التعبدية بالصوم والمجاهدة الطوعية تقرباً لله، وجميعها ممارسات ذكرت في كتب الصوفية وتناقلتها الأجيال المسيحية عبر العصور.

معالمها

للتصوف المسيحي أربعة معالم رئيسية أولها التركيز على جوهر العبادة لا على شكلها، مع توجيه القلب لله وحده؛ وثانياً مركزية شخص المسيح كطريق يأتي من الله ليحمل الإنسان إليه ولا ينطلق من الإنسان ليتحرك ناحية الله؛ ثالثاً، محورية لاهوت الخلاص إذ تبدأ منه الروحانية، ورابعاً وأخيراً، ممارسة العبادة بفرح بسبب حضور المسيح بنفسه وسط العابدين كقائد وموجه لهم.

الابتعاد عن الضوء

لم يعلم عدد كبير عن التصوف المسيحي حتى من بين الطائفة نفسها، مما جعله لم يحصل على نصيب كبير من الشهرة التي يستحقها مثل الصوفية الإسلامية، بالإضافة أيضًا إلى أنّها لم تتطور كالصوفية الإسلامية إذ لم يظهر فيها التابع والمريد والمحب كما هو موجود في الصوفية الإسلامية، عدا أن أبناءها لم ينظّموا أية حركة اجتماعية أو نشاط سياسي، لكن فالإثنان اتفقوا على شيئ هام ، المسيحيون يقدسون أجساد القديسيين، وبناء كنائس بأسمائهم، وتخصيص هياكل لهم، وهو ما يفعله المتصوفون المسلمون مع أولياء الله الصالحين إذ يبنون لهم المساجد والأضرحة التي يقدسها المريدون ويتبركون بها.

 

 

اقرأ أيضا