في ذكرى حرب الـ6 من أكتوبر المجيدة، وانتصار قواتنا المسلحة الباسلة، وما قامت به من إنجاز عظيم يتحدث عنه العالم في كل عام، يمثل ذلك اليوم عيدًا لكل مصري عربي عاشق للحرية، ويمثل للأعداء نكسة عظيمة؛ حيث إن بالإخلاص في حب الوطن والحكمة والتدبير تستطيع كسر كل الحسابات المنطقية، وتحقيق نصر عظيم يُدرّس في العلوم العسكرية، وينغص على أعدائنا النوم في كل ذكرى له.
يصف الزعيم المصري الراحل محمد أنور السادات، الحرب بأن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمامها، وسوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس، خاصة حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه في الساعات الأولى من بداية العملية.
إلى نص الحوار..
ماذا يقول رجل الحرب والسلام في ذكرى انتصار أكتوبر المجيد؟
لست أظنكم تتوقعون مني أن أقف أمامكم لكي نتفاخر معًا ونتباهى بما حققناه في أحد عشر يومًا من أهم وأخطر بل وأعظم وأمجد أيام تاريخنا، وربما جاء يوم نجلس فيه معًا لا لكي نتفاخر ونتباهى ولكن لكي نتذكر وندرس ونعلم أولادنا وأحفادنا جيلاً بعد جيل، قصة الكفاح ومشاقه ومرارة الهزيمة وآلامها وحلاوة النصر وآماله، نعم سوف يجيء يوم نجلس فيه لنقص ونروي ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا الأمانة وكيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى نستطيع أن نعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء، ذلك كله سوف يجيء وقته وأظنكم توافقونني على أن لدينا من المشاغل والمهام ما يستحق أن نكرس له وقتنا وجهدنا.
لم تتأثر عزيمتك مما حدث في النكسة عام 1967؟
لقد عاهدت الله وعاهدتكم على أن نثبت للعالم أن نكسة ١٩٦٧ كانت استثناء في تاريخنا وليست قاعدة، وقد كنت في هذا أصُر عن إيمان بأن التاريخ يستوعب (٧٠٠٠) سنة من الحضارة ويستشرف آفاقاً أعلم علم اليقين بأن نضال شعبنا وأمتنا لا يعلو عنها وللوصول إليها وتأكيد قيمها وأحلامها العظمى، عاهدت الله وعاهدتكم على أن جيلنا لن يسلم أعلامه إلى جيل سوف يجيء بعده نكسة أو ذليلة، وإنما سوف نسلم أعلامنا مرتفعة هاماتها عزيزة صواريها قد تكون مخضبة بالدماء، لكننا ظللنا نحتفظ برؤوسنا عالية في السماء وقت أن كانت جباهنا تنزف الدم والألم والمرارة.
ماذا عن نجاح الأمة العربية في التكاتف والوقوف يدًا واحدة؟
لقد كانت هناك إشارة واضحة إلى وجود تمزق في ضمير الأمة العربية كلها، وكنت أرى ذلك طبيعيًا لأسباب اجتماعية وفكرية وزادت عليها مرارة النكسة، كان هناك مَن يسألونني ويسألون أنفسهم هل تستطيع الأمة أن تواجه امتحانها الرهيب وهي على هذه الحالة من التمزق في ضميرها.
كنت أقول إن هذا التمزق فضلاً عن أسبابه الطبيعية يعكس تناقضًا بين الواقع والأمل وليس في ذلك ما يخيف بل كنت أعتقد أنه ليس هناك شفاء لضمير الأمة ولا راحة له إلا عندما تواجه الأمة لحظة التحدي ولم أكن في نفس الأوقات على استعداد للدخول في مناقشات عقيمة، هل نعالج التمزق قبل مواجهة التحدي؟ وكان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها إلا من خلال ممارسة الصراع وبمقدار ما يكون التحدي كبيرا بمقدار ما تكون يقظة الأمة واكتشافها لقدراتها كبيرة، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية فذلك مسار حركة التاريخ، لكنني في نفس الوقت كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك، كنت مؤمنًا بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية وكنت مدركا للتفاعلات المختلفة التي تحرك مسيرة أمة واحدة، لكنني كنت واثقًا أن وحدة العمل سوف تفرض نفسها على كل القوى وعلى كل الأطراف وعلى كل التيارات، لأننا جميعًا سوف نعي أن هذا الظرف ليس مساواة بين الاجتهادات وإنما هو الصراع بين الفناء والبقاء لأمة بأسرها وأحمد الله.
وماذا عن إنجاز قواتنا المسلحة؟
لقد كنت أعرف قواتنا المسلحة ولم يكن حديثي عنها رجمًا بالغيب ولا تكهنًا، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها، إن سجل هذه القوات كان باهرًا، لكن أعداءنا الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزا مخيفا لأنها أرادت أن تشكك الأمة في درعها وفي سيفها، ولم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة، كانت من ضحايا نكسة سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبدا من أسبابها.
كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران التي حذر منها عبدالناصر أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قرارًا بالانسحاب العام من سيناء بدون علم عبدالناصر، إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧ أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعًا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل، إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، ولقد شاركت مع جمال عبدالناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها أن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري استوعبت العصر كله تدريبًا وسلاحًا بل وعلمًا واقتدارًا حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو وأن تكبح جماح غروره فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة وحققت مفاجأة العدو وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة.
حدثنا عما قامت به قواتنا الباسلة في حرب أكتوبر 1973؟
إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ولست أتجاوز إذا قلت إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ٧٣؛ حين تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع وعبور الضفة الشرقية من القناة بعد أن أفقدت العدو توازنه لقد كانت المخاطرة كبيرة والتضحيات عظيمة لمعركة ٦ أكتوبر خلال الساعات الست الأولى من حربنا كانت هائلة فقد العدو توازنه إلى هذه اللحظة وإذا كنا نقول ذلك اعتزازًا وبعض الاعتزاز إيمان فإن الواجب يقتضينا أن نسجل من هنا وباسم هذا الشعب وباسم هذه الأمة ثقتنا المطلقة في قواتنا المسلحة ثقتنا في قياداتها التي خططت وثقتنا في شبابها وجنودها الذين نفذوا بالنار والدم، ثقتنا في إيمان هذه القوات المسلحة في قدرتها على استيعاب هذا السلاح أقول باختصار أن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف إنه قد أصبح درع وسيف أريد من هنا أن أشد انتباه حضراتكم معي إلى الجبهة الشمالية حيث يحارب الجيش السوري العظيم معركة من أمجد معارك الأمة العربية تحت القيادة المخلصة والحازمة للأخ الرئيس حافظ الأسد، وأريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية إنكم عاهدتكم وكنتم الأوفياء للعهد وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين، إنكم حاربتم حرب رجال وصمدتم صمود الأبطال ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا هو عدو أمتنا العربية كلها.
ما رأيك في جماعة الإخوان المسلمين؟
حذّرتُ من الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن جماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، الجماعات الإسلامية أخطر ما فيها المفاهيم التي يزرعونها فى عقول الأولاد، كما أن هؤلاء الجماعات يكمهم فكر يطلق عليه الحاكمية، ومفهومها إن الحكم بما أنزل الله بس ورفض أى قوانين وضعية، والعنف والإيمان بحتمية الاصطدام مع السلطة الكافرة والمجتمع الجاهلى والقضاء عليه، وهذه الفكرة التى بذرها الإخوان المسلمين.
ويؤمنون بوجوب مبايعة أمير الجماعة والالتزام بمبدأ السمع والطاعة له فى جميع الحروب، يعنى والله ما بيطبقوا ده لله الذى يستحق السمع والطاعة بلا جدال، إنما بيطبقوها لأمير الجماعة.
وماذا عن الأحزاب في مصر؟
لقد اتخذت قرارًا بتحويل التنظيمات الثلاثة من المنابر إلى أحزاب سياسية، وهي «الأحرار الاشتراكيون»، واليسار «التجمع الوطني الوحدوي»، والوسط «تنظيم مصر العربي الاشتراكي».
وشروط تكوين أي حزب أن يتقدم ببرنامج يختلف عن برامج الأحزاب الموجودة، وأن تتوافق المبادئ والأهداف والبرامج والسياسات مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ومبادئ ثورتي يوليو 1952 وثورة التصحيح في مايو 1971، ومقتضيات الحفاظ على النظام الاشتراكي والديمقراطي والمكاسب الاشتراكية.
وحظر إقامة أيّ أحزاب على أسس طبقية أو دينية، أو إعادة الحياة للأحزاب السياسية التي تم حلّها في عام 1952.
تنويه.. هذا الحوار تخيلي من وحي خطابات وأحاديث الرئيس الراحل محمد أنور السادات.