«ما كُلُّ ما يَتَمَنَّى المَرءُ يُدرِكُه تجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ»، هكذا قال أبى الطيب المتنبي، أحد شعراء العصر العباسي للقرن العاشر الميلادي، وكانه يدلل على أن ظروف الحياة على مر العصورتاتي عكس ما يتمني الإنسان، فالسفينة تتمنى أن تكون الريح سهلة ومواتية؛ لتدفعها للأمام، لكن كثيرًا ما تكون الرياح مضادة فتعوق مسيرتها، وأحيانًا عاتية مهاجمة قد تصل لتحطيمها.
وكأن بيت الشعر للمتنبين يطبق بالفعل على أرض الواقع ومع الحياة الحزبية والسياسية، حيث أن شهدت الساحة الحزبية فى الأونة الآخيرة العديد من الصراعات بين أكبر الحزاب السياسية والتي خرجت من حرم ثورة يناير للدفاع عن حقوق المواطن البسيط والوقوف ضد الظلم للعبور بمصر إلي بر الآمان، وبعد أن كان الحزب الشبابي «مستقبل وطن»، والمصريين الأحرار، متوحدين الصفوف مترابطين الأيدي، للوقوف بجانب بعضهم البعض، إلا أن مؤخرًا ضرب جدران الأحزاب ببعضهم البعض، بسبب الصراع على الأعضاء وتجديد كل منهم دمائهم بدماء الآخر.
«الحزب الشبابي هو من أقوي الأحزاب السياسية ولا يوجد منافس»، بهذه الكلمات بدأ بها المهندس أشرف رشاد، حديثه دائمًا فى كافة وسائل الإعلام المرئية والمقروء، ليطل علينا رئيس حزب المصريين الأحرار، الدكتور عصام خليل، بتصريحات تؤكد أنه الأقوى على الساحة، قائلًا : «حزبي حين يعارض فهو يعارض بالطريقة الجديدة، بمعنى أنه لو لم يمتلك حلا فالسكوت أفضل، ولكن فى حال وجود حل فعلى حزبه إيصال الحلول البديلة للمسئولين».
وبالرغم من تلك التصريحات إلا أن الواقع كان يصدق واحد ويكذب الآخر، ولكن السؤال الذي يطرق أذهن الجميع، هل مستقبل وطن بالفعل ساعد على انتهاء الآخر.
بداية الصراعات
كانت بداية الصراع بين الحزب الشبابي والمصريين الأحرار منذ أن دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال أحد المؤتمرات الشبابية بشرم الشيخ، بدمج كل الأحزاب السياسية، والتي يصل عددها حتى الآن 106 أحزاب سياسية، فى 10 أحزاب فقط، بهدف تقليص العدد الذي يعتبر منذ اللحظة الأولى من وجودهم مجرد حبرعلى ورق بسبب عدم تواجدهم الفعال من خلال الأنشطة أو الدور الرقابي والتشريعي الذي تقوم به كل الكيانات.
وتتوالى الأحداث وتحاول الكيانات الصغيرة والأحزاب الكبرى، لتلبية دعوات «السيسي» والتي تكررت مرارًا فى كل المؤتمرات الشبابية ولم تتحقق، وبالرغم من ذلك إلا أن حزبي «مستقبل وطن والمصريين الأحرار» تقلدا نهجًا آخر للتخلف عن تلك الاجتماعات، متحججين ببعض من الأحداث، والمتمثلة فى دعم الرئيس عبدالفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية.
وتيرة واحدة
وبعد مرور تلك الفترة، وارتفاع وتيرة اندماج الأحزاب وتشكيل عدد من الائتلافات بين أصحاب الأيديولوجيات المتشابهة، لتقوية الحياة السياسية، وكان على رأسها بزوغ نجم حزب مستقبل وطن، بعد اندماجه مع جمعية «معا من أجل مصر»؛ بدأ أعضاء الكيانات والأحزاب الأخرى بالنظر إلي الحزب الشبابي من منظور آخر، على اعتبار أنه حزب الرئيس كما يدعي البعض، لذلك كانت هناك دعوات لإنعاش الحزب بدماء جديدة من الاستقطابات، بالكيانات الأكثر تقربًا للمبادئ والأهداف التي نشأ عليها، وكان النصيب الأكبر لـ"المصريين الأحرار" حيث ضربت أروقته العديد من الصراعات، بين كل من المهندس نجيب ساويرس، والدكتور عصام خليل، رئيس حزب المصريين الأحرار، ونصر القفاص، والذي كان يتقلد منصب الأمين العام للحزب.
تحذيرات النواب من استقطاب الأعضاء
«ممنوع.. حذاري.. من يشارك يعتبر نفسه مستقيلًا على الفور ولا رجعة له».. رسائل جاءت على لسان رئيس حزب المصريين الأحرار، في يوم وليلة، ليحذر فيها النواب من المشاركة في حفل الإفطار السنوي الذي ينظمة «رشاد»، وكأنه التحذير الأخير الذي يساعد على انهيار تواجد الحزب تمامًا على ارض الواقع مكتفين بالبيان الرسمية فقط.
وبالرغم من أنه كان من المفترض أن يسمع أبناءه الكلام على الفور، ولكن حدث العكس تمامًا، فقد أعلن الدكتور علاء عابد، استقالته الرسمية من الحزب لإعلان الولاء إلى آخر، وأصبحت تهديدات «خليل» متساقطة على الأرض، ربما لعناد الأعضاء الشديد، أو لارتباطهم بـ «عابد».
انتصار رشاد
ولأول مرة فى تاريخ الحياة الحزبية ينتصر حزبًا على آخر، وهذا يدل على أن «مستقبل وطن» انتصر فى استقطاب عدد من أعضاء «المصريين الأحرار» وذلك من خلال الاجتماعات السرية التي كانت تتم بين نواب المصريين الأحرار، لإتمام الاتفاقات السرية وتوقيع استمارة «مستقبل وطن» وبحثًا عن تشكيل ائتلاف الأغلبية تحت قبة البرلمان، منافسًا لـ«دعم مصر».
وبعد ذلك أصبح هو الحزب الوحيد المسيطر على ائتلاف الأغلبية، وذلك من خلال اختيار الدكتور عبد الهادي القصبي، نائب رئيس الحزب، كرئيس لائتلاف دعم مصر.
عودة الهجوم على «خليل»
أيام تمر، و«رئيس مستقبل وطن» لن يتوقف عن تلك الأعيب المستمرة والمضادة، للدكتور عصام خليل» رئيس حزب المصريين الأحرار، الذي ما زال يقف صامدًا للدفاع عن نفسه فى الخلافات القائمة، وعن الدكتور علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، عندما تم اتهامه بأنه مقصر فى أداء عمله ومنصبه، مهتما أكثر بالسفر إلى الخارج كرئيس للجنة حقوق الإنسان، مما أدى إلى انسحابه وإعلان الولاء إلى آخر.
ووجه «رشاد» سؤالا إلى "المصريين الأحرار"، قائلًا، إذا كان الحزب عاجزًا عن الدفاع عن الكوادر السياسية التي يمتلكها أو يقنعها بوجوده، فكيف يريده أن يكون بجواره؟
نلتزم الصمت
ويخرج حزب المصريين الأحرار، قائلًا إلى أن «خليل» قد أعطى أمرا لكل الأعضاء بعدم الرد على أي شائعات أو انتقادات من قبل المنافسين حتي يتم ظهور الرؤى الواضحة لاستقالة الأعضاء من الحزب للانتقال إلى آخر، وحقيقة الاجتماعات السرية التي كانت تعقد منذ قبل.
وبعد مرور تلك الفترة إلا أن حزب المصريين الاحرار، ملتزمًا الصمت ليس فقط فى الحديث عن الأزمات الداخلية بين الحزبين، وإنما امتنع الحزب تمامًا من الظهور إعلاميًا، مكتفيًا بالإلقاء البيان الرسمية فقط الصادرة عن الحزب.