ننتقل إلى الصعيد خاصة محافظة المنيا، مع الدكتورة صفاء إبراهيم عبد الغنى، طبيبة نفسية بمجلس الوزراء، البالغة من العمر 35 عامًا، بدأت قصتها مع الدعوة الإسلامية مبكرًا، فمنذ نعومة أظافرها وهى لها ميول دعوية، كما تقول، خاصة أن نشأتها كانت فى بلاد الخليج، حيث كانوا دائمًا يحثون الأطفال على التعمق الدينى والتبحر فى علومه، من سيرة وفقه وتفسير وغيرها من العلوم الدينية، وهو ما فعلته الطفلة النجيبة.
استهوى الفتاة دراسة فن الخطابة، وأحبت المجال وهو ما هيأها لبدء طريقها الدعوى فى سن صغيرة، من خلال الإذاعة المصرية، حيث قالت: "كنت بحظى استحسان جميع المدرسين، ومع تعلمى لبعض مبادئ الإسلام، بدأت تنظيم ندوات فى أوقات الراحة المدرسية لأصدقائى، وكنت أؤمّهن، وظللت هكذا حتى انتهيت من الدراسة الجامعية".
التحقت الدكتورة صفاء بمجرد تخرجها فى التعليم الجامعى، بمعهد الدراسات الإسلامية عام 2005، واجتازت المرتبة الأولى فى الشهادة الدعوية عام 2007، مما رشحها لأن تكون إحدى واعظات المنيا، وقد كان بالفعل، ففى العام نفسه الذى تخرجت فيه، عينت بأكبر مسجد فى المحافظة، "جامع شباب المسلمين" تابع لجمعية تحمل نفس اسمه.
اصطدمت الدكتورة صفاء بمشكلة مع بداية وضع قدمها فى المجال، كداعية تابعة لوزارة الأوقاف، "المسجد لم يكن به مصلى للسيدات"، وحاولت الداعية أن تخصص جزءا من مصلى الرجال للسيدات، لبداية عملها الفعلى: "الإمام رفض تمامًا دخولنا المسجد، وكان رافضا للفكرة نفسها، وهو ما لم يكن فى حسبانى، وللأسف لم يكن المسجد تابعا للأوقاف، بل كان ملكا للجمعية".
لجأت الواعظة لرئيس مجلس إدارة الجمعية تستغيث به من مسئول المسجد، إلا أنه كان موافقا لرأيه وكان يرفض فكرة تخصيص مكان لنا بحجة أنه يأتى بمشايخ يتحدثون فى جميع الأمور التى تخص المرأة والرجل، وقالت: "حينما وجدت رفضا من مسئول المسجد ورئيس الجمعية وكان معى تصريح من وزارة الأوقاف، صعَّدت الموضوع وتقدمت بشكوى لإدارة أوقاف المنيا، والتى وجهت بتخصيص مكان للسيدات بالمسجد".
بالفعل تم إنشاء مكان مخصص لهن، بعدها بدأت الدكتورة فى وضع خطتها للمحاضرات وممارسة عملها، "الدروس كانت 3 أيام فى الأسبوع، من المغرب للعشاء"، ووزعت السيدات إلى مجموعتين، حسب أعمارهن المتفاوتة وطبيعة التعامل معهن، وتابعت: "مجموعة للأطفال ودى فيها حاجات تتناسب مع عقولهم وسلوكيات الدين، والثانية للسيدات وكانت تتناول الفقه الذى يتماشى مع أعمارهن ومهامهن فى تربية أبنائهن والتعامل مع أزواجهن".
وتابعت: فى بداية الأمر لم تكن هناك مترددات على المسجد، "كان فيه بعض الرجال بيرفضوا إن زوجاتهم ينزلوا المسجد، خاصة ولإن الجمعية نفسها كانت تنشر بين الأهالى أنه لا يوجد مكان للسيدات"، والسبب فى ذلك ترجعه صفاء، إلى أن هؤلاء المعترضين، كانوا يعتقدون بأنها أخذت الدعوة على سبيل الموضة، إلا أن هناك أمرا خطيرا: "البعض فكر إننا عاوزين نساوى بينا وبين الرجل فى الدعوة، وزى ما فيه إمام، تكون فيه سيدة واعظة فى المسجد".
مع إيمان "صفاء" لهدفها من الدعوة إلى الله، استطاعت أن تكمل الطريق، والذى شجعها خلاله والدها ووالدتها، خاصة بعدما رأوا صغيرتهما تلقى استحسان العديد من السيدات واللاتى غيرن فى عاداتهن وتقاليدهن الخاطئة للأفضل والأقرب إلى الله، وذلك بفضل بساطة طريقتها وأسلوبها السلس وخفة موضوعاتها: "كنت بابدأ معهم بالفقه الميسر وكيفية الوضوء والصلاة وتربية النشء الصغير، والحفاظ على الأطفال من الأفكار المتطرفة وهكذا".
وأشارت إلى أنها وبالاستمرار فى الدعوة، لاحظت أن معظم رواد المسجد من المدن، لذا فطنت أن سيدة الريف المنياوية ما زالت محرومة من الدعوة، فقررت أن يكون لها وجود على أرض الواقع: "كان المترددون على مجلسنا من سكان المدينة واللى عندهم توسع فكرى، وكانوا ملتزمين فى الحضور، واللى ساعد على ذلك فتح المسجد لهن فى قيام الليل بخلاف سيدات الريف احتياج البيت لهن كبير للغاية مما يمنعهن من الحضور، وأنا اللى نزلتلهم".
استعانت الداعية بالمجلس القومى للمرأة فى تلك المهمة، والذى بدوره أطلق حملات للسيدة الريفة الصعيدية فى بيتها: "دشنا حملة اسمها طرق الأبواب، عشان ما نعطلش السيدات دى عن أشغالهم ونقولهم رسايلنا فى لقطات سريعة، وكانت تهتم بسلسلة السلوكيات"، وتابعت: "كانت الجلسات معهن تتناول مشاكل يواجهها المجتمع، ولكن بنظرة دينية وسطية، مثل التعامل مع والدة زوجها "الحمى"، وزوجها، وحقوقه عليها، وأولاده وحق التربية، وفقه المرأة أيضًا "عوضنا فارق الحضور بالنزول".
الواعظات كغيرهن من جميع مؤسسات الدولة، يواجهن الإرهاب وربما أخطر أنواعه "الفكرى"، إلا أن "صفاء" وضعت حدًا لهذه الأزمة منذ البداية، "كتير الإرهاب، بس أنا عشان أتجنبه، منعت باب النقاش خاصة الحديث فى القضايا الجدلية، وكنت باوقف المحاضرة وألغى الجلسة لو فيه أى خروج على النص والدين الوسطى القويم، أو فيه حد ممكن ياخدنا فى اتجاه تانى، فالحمد لله ماحصلش فى مصلانا مشكلة منهم، وإن كان يحدث فى مصلى الرجال".
وتكمل الواعظة الحديث عن محاربتها للإرهاب، "كان دورى فى محاربة الإرهاب أيضًا، هو عمل دروس توعية للسيدات، حتى يوجهن أبناءهن، ويتابعنهم ويعلمن دوائر أصدقائهم وأماكن لعبهم وغيرها، حتى لا يكونوا من المستهدفين للتجنيد فى فرق معينة"، وما ساعدها على منع الإرهاب فى الحضور لمجلسها، المراقبة والمتابعة من قبل جمعية "شباب المسلمين"، والتى تقوم بدور كبير فى منع التطرف ودخوله للمسجد.
ثمة مشكلة واجهت السيدة، وهى أن البعض كان يرى أن النساء ليس لهن أن يُفتين، إلا أنها أثبتت لهؤلاء أن السيدات لهن فتوى، وذلك بما أوتيت من علم: "الإسلام لم يرد به نص يحرم ذلك، فكيف لرجل أو فكر يقول خلاف ذلك، على الرغم من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "خذوا ثلثى دينكم من هذه الحُميراء"، والمقصود بها السيدة عائشة: "ازاى إحنا نمنعها من الفتوى بعد ما خدنا منها ثلثى الدين؟"، وتؤكد أنهن قادرات على تجديد الخطاب الدينى، بالفكر الوسطى الذى درسنه فى معاهد الأوقاف.
وعن نقاب الفتاة قالت: "هو ليس من الفروض الواضحة، وإنما الحجاب واجب ونحن نأمر به السيدات، وما علينا إلا البلاغ، نحن فقط نرشدهن للصحيح وليس لنا تدخل فى تعنيفهن بتركه، نحن نعرفهن الجنة والنار وهن من يخترن، بس لازم يكون عندهم وازع دينى اللى إحنا بنعمله.. إذا كان ربنا وضع لهن الاختيار، فأنا هأجبرهن (ولو كنت فضًا غليظ القلب لانفضوا من حولك)؟!".
وعن مواجهة الإلحاد، تطلب الداعية أن يكون المسلم وسطيا ومرآة طيبة من خلال السلوكيات والأخلاق، لغير المسلمين.