العشرات يجلسون على الأرض يترقبون ما يدور حولهم من أحداث «إعدام عمر المختار»، طفل لم يتجاوز السادسة من عمره انتفض من جوار والدته، وقف يترقب الأحداث في صمت، بدا التساؤل على ملامح وجهه، لماذا يبكي الجميع؟، لماذا يقف شيخنا العجوز هكذا أعلى المنصة؟، يستيقظ من أفكاره على صوت صراخ شديد، انتهى الأمر الشيخ معلق في الهواء ونظارته ملاقاة على الأرض، ليهم مسرعًا لالتقاطها عسى أن يصيبها شيئ.
مشهد سينمائي جسّد قصة عّلقت في أذهان الملايين من محبي المجاهد عمر المختار، أحد محاربي ليبيا الشجعان ضد الاحتلال الإيطالي، الطفل الصغير الذي وقف في وسط العشرات لمشاهدة لحظة إعدام أسد الصحراء، لن ينسى المشاهدين نظرة المختار إليه وكأنّه يوصيه باستكمال المسير من بعده، تلك النظرة التي جعلت الصغير يلتقط نظارة الشهيد، وكأنّها رسالة من الشيخ العجوز.
اليوم، وبعد مرور حوالي 87 عامّا على وفاة أسد الصحراء، عمر المختار، طوال تلك السنوات تعددّت الأقاويل حول مصير نظارته، البعض ذكر بأنّها بحوزة الطفل الذي حصل عليها لحظة إعدام الشيخ، والذي ادعى القذافي فيما بعد أنّه هو، بينما آخرون وعلى رأسهم أسرة الشهيد، أكّدت على أنّ كآفة مقتنيات المختار في متحف بروما.
في هذا التقرير نُحاول الإجابة على سؤال تداوله الجميع في أذهانهم لسنوات طويلة، أين ذهبت نظارة أسد الصحراء.
إيطاليا تحصل على النظارة بعد قتلها الشهيد
الجميع يعلم جيدّا أنّ الشهيد عمر المختار، كان شيخ المجاهدين ضد الاحتلال الإيطالي في ليبيا، ولذا لكى تقضي روما على الجهاد قضت بإعدام الشيخ العجوز، باعتباره متمردّا كلّفها الكثير من الخسائر من جنود ومعدّات وأسلحة، وموته سيسهل الكثير على الاحتلال في القضاء على المقاومة، لكن وبا الرغم من كل ذلك إلّا أنّ إيطاليا احتفظت بمتعلقات المختار كرمزّا له في أحد متاحفها الكبرى في روما.
وعلى لسان محمد المختار أحد أبناء الشيخ، حينما سئل في إحدى حوارته، عن وجود أنباء تفيد باقتناء أحد متاحف إيطاليا لمتعلقات والده، فكان ردّه بأنّه سمع بهذا الأمر، وطالب حينها إيطاليا بإعادة كل ما لديها من حاجيات المختار، خصوصا النظارة، فمن حقه الاحتفاظ بها.
فذكر نجل المختار، أنّه لا يملك أي شئ من مقتنيات والده لأن إيطاليا استولت على كآفة مفتناية الشهيد، من ملابس وحاجيات خاصة، فأخذت ثيابه وبندقيته ونظارته، لكنّه لم يؤكد على أنّ تلك النظارة هي التي سقطت منه أثناء إعدامه، والدليل على أنّ غريساني أحد قادة الاحتلال، عندما بدأ في التحقيق مع المختار أخرج له نظارته وقال له هل تعرف هذه فأجابه إنها نظارتي وقعت مني أثناء حربنا معكم في إحدى المعارك، وقال له أيضاً أنا عندي غيرها، فاحتفظ بها غريساني، تلك المتواجدة الآن في متحف روما.
القذافي يحصل على نظارة المختار
خرج الرئيس الليبي السابق معمر القذافي في إحدى أحاديثه، ليدّعي أنّه الطفل الحقيقي الذي حمل نظارة عمر المختار بعد إعدامه شنقًا على أرض الواقع، وهو ما ظهر في المشهد الأخير، إلا أن الشيخ محمد عمر المختار، نجل البطل الليبي، كذّب الأمر، وقال أنّ « هذا هراء، والقذافي يحاول أن ينسب لنفسه أي شيء فيه رفعة».
الدليل أيضّا على كذب معمر القذافي، بأنّ المختار توفى عام 1931، وكان عمر الطفل الذي التقط النظارة حينها حوالي 6 سنوات، والقذافي مولود في عام 1942، أي أنّه لم يولد إلّا بعد وفاة الشيخ بحوالي 12 عامّا، كما أنّ قصة الطفل الصغير من الممكن أن تكون من وحي خيال الكاتب ولا علاقة لها بالحقيقة.
الطفل ونظرة المختار الآخيرة له
«إيهاب الورفلي»، ذلك الطفل النحيل ذو الست سنوات الذي ظهر في فيلم عمر المختار، والذي التقط نظارته فيما بعد، هو مهندس الكمبيوتر الآن، وابن الأم المصرية، والذي لم يقم بتمثيل أي مشهد بعد فيلم «أسد الصحراء»، هذا المشهد الذي علّق في أذهان الكثيرين وكان كفيلّا أن يصنع هذا البطل.
شخصية تلك الطفل لم تكن سوى في الفيلم فقط، لكنّها في الحقيقة غير موجود، فلم يقم أي طفل لينظر للمختار قبل إعدامه، ولم يلتقط أحد نظارته، حتى من تحدّث عن كونه أحد أبناء المختار فهو خاطي فأبنائه لحظة إعدامه كانوا متواجدين في مصر، لذا المشهد الذي أثرّ في الملايين، وربطوه بقصة المختار الحقيقية لم يكن سوى مشهد من سيناريو.
لكن يبقى السؤال هنا أين ذهبت نظارة عمر المختار؟، والتي تُعد إحدى مقدساته ورمزّا لنضاله، لكن بالتأكيد سيأتي اليوم، الذي يتم الكشف عن مكان تواجدها، وستعود مرة ثانية إلى بلادها لتظل هي رمز لنضال وصمود الشيخ العجوز.
موضوعات متعلقة
عمر المختار شيخ «كورفا أيه سي ميلان»
الشعب الليبي يحتفل بإحياء الذكرى الـ84 لاستشهاد عمر المختار