”التعذيب” داخل مراكز علاج الإدمان.. الداخل ”مسطول” والخارج ”مدفون”

السبت 16 يونية 2018 | 09:51 مساءً
كتب : حسن سمير

ضاقت عليهم حياتهم، لم يجدوا مهربًا من واقعهم إلا باللجوء إلى تلك المادة السامة التي لطالما سمعوا عن مخاطرها، وعاهدوا أنفسهم على ألا يقربوها، ولكنهم في نهاية المطاف لجأوا إليها، وأدمنوها وأصبحوا تحت رحمتها، ولم يعد في وسعهم أن يتخلوها عن جرعة واحدة منها، فأمسوا يجرحون أقرب الأقربين إليهم بسببها، فاتخذوا قرارًا بأن يواجهوا آلامهم وواقعهم بدون الاستعانة إلى تلك المواد المخدرة السامة.

وكانت أولى هذه الخطوات أن يستعينوا بأحد المتخصصين لمعاونتهم على التخلص منها تدريجيًا، فبحثوا بجهد عن مركز ليسجلوا به أنفسهم للبدء في مراحل العلاج الطويلة، ولكنهم وجدوا مالم يرد أبدًا عليهم حتى في أسوأ أحلامهم، فبدلًا من و عثورهم على من يشاطرهم أهوال هذه التجربة المريرة، فيهونوا عليهم ويساعدهم للخروج من هذه الأزمة، وجدوا أناسًا يشبعون رغبات وحشية لديهم في تعذيب هؤلاء الضعفاء، تعذيب بلغ مبلغه مما دفع اثنان من النزلاء للهروب من هذا الكابوس، ومقل آخر .

 

"بلدنا اليوم" حاولت فتح ملف التعذيب داخل مراكز علاج الادمان المشبوهة بعد وقوع أكثر من واقعة تعذيب حدثت داخل هذه الاماكن.

 

وفاة فاروق بعد دخوله المصحة بـ 48 ساعة

فاروق أحمد وشهرته "الاسطورة" شاب فى العشرينيات من عمره من محافظ الاسماعيلية ينتمى إلى أسرة ميسورة الحال، دخل عالم الإدمان بسبب أصدقاء السوء أصابتهم حالة من الذهول عندما اكتشفوا إصابته بالإدمان ففكروا فى أسرع وسيلة لعلاجه حتى تعرفوا على وسيط أخبرهم بوجود مركز لعلاج إدمان اسمه "الفجر" فى حدائق الأهرام عبر وصفه لأحد الأشخاص حسبما ذكرت شقيقته وتدعي "أم آدم" وعند الذهاب المركز حاولوا اقناعنا بأنهم سيعودوا الي الحياة بصورة طبيعية قائلا: «بعد ماطلعنا مركز الفجر ناس استقبلتنا في المكتب وأخدوا مننا الفلوس واتفقوا معانا علي حسن المعاملة».

 

"تعالي استلمي الجثة عن الكرتة".. محرر "بلدنا اليوم" قام بالاتصال بـ"رحاب"، زوجة أحد المتوفين لكشف تفاصيل تعذيبه علي يد أحد اصحاب مصحة لعلاج من الإدمان، فقالت إنها أدخلت زوجها إلى مصحة للعلاج من إدمان المخدرات، وفوجئت باتصال هاتفي من القائمين علي المستشفى بعد يومين من دخوله يخبرونها بأن زوجها فارق الحياة وردت بنبرة حزينة وعينيها تفيض من الدمع حزنًا قائلاً: "رموا جثة زوجي في طريق السحر والجمال، ورموا جثة شخص آخر في منطقة المرج، وذلك خوفًا من التقاضي، لأننا اكتشفنا أن المصحة غير مرخصة".

 

بدوره قال "فهيم" صديق فاروق إنه قضي في مركز العلاج ما يقرب من 48 ساعة فى المركز، مؤكدًا انه رأي كل أنواع العذاب عندما قاموا أصحاب المركز بربطهم بالحبال وأخذوا ينهالوا عليهم بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء.

 

من ناحيته، قال الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفس والإجتماعي، إن معظم المصحات العلاجية غير المرخصة ليس بها أطباء و ليست أماكن طبية، وإنما عبارة عن مكان يقطن فيها المدمنين المتعافيين الذين يطلق عليهم أنهم يعالجون  بعضهم البعض، مستغلين عدم وجود طب أو دواء داخل المصحة، معتمدًا على مبالغ من المال، وتبدأ فكرة عمله عند احتجاز المدمن داخل حجرة مغلقة.

 

وأضاف فرويز في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن المدمن يعامل معاملة بشعة حتى يتوب ولا يعود مرة أخرى من وجهة نظرهم ويعطون له دواء "كلوزابيكس" ويتناول طعام جبن ومربى وفول وعيش وأطعمة ضعيفة، ويعطون لهم علاجات مثل حقن "هالودول" وحقنة "بريدول" وأقراص "هالونيز" تجعل المدمن يخرف، وحقن "كلوبوكسول"، وهذا كله ليس علاجًا للإدمان، لأن علاج الإدمان يعطى للمدمن وهو مستيقظ، ويذهب لعمله بدون أن يتأثر ويمارس حياته الطبيعية دون أن يشعر بأى من أعراض الانسحاب ويمارس برنامج الـ12 خطوة.

 

وأوضح أستاذ الطب النفسي ان الأماكن المشبوهة ليس لها علاقة بالمنظومة الصحية بهذا الموضوع، و90% من مراكز علاج الأدمان ليست مرخصة، حيث يقوم القائمون عليها بإقناع أهل المدمن بمبالغ صغيرة بإقناعهم أن تكلفة الشهر الواحد تترواح من 3 إلى 4 آلاف جنيه، لأنه لا يوجد أي مكان معالج بهذا المبلغ الضعيف، فالمستشفيات الكبرى تأخذ مبالغ ضخمة، وان المدمن المتعافي يريد مساعده زميله كما يقول انهم اقرب ناس الي بعض وبتفهمون بعض البعض.

 

واختتم فرويز أن بعض المراكز تعطى لهم حقن تؤثر بالسلب على، وهذه لا يحتاجها المدمن أصلا للعلاج، فهى تجعل حياة المدمن "مشوشة"، مضيفًا أن نسبة الشفاء في المصحات والعيادات المرخصة والخاصة باستشاري الطب النفسى كبيرة لكننا لا نلجأ لعمل الإعلانات، وعلاج الإدمان طويل المدى ولا بد أن نتركه لينطلق في الحياة حتى يخطئ ونعالج الخطأ له حتى يسير في الحياة بصورة طبيعية يوعود إلى حياته الاسرية بشكل كامل، أماعن مادة التعاطي فتختلف عند نوع المخدرات التي يتعاطها لتأخذ وقت أطول في العلاج.

 

"صحة البرلمان" تطالب بتشديد الرقابة علي المراكز المشبوهة

النائب سامي المشد، عضو لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب وعن حزب المصريين الأحرار، شدد على أنه لابد من مراقبة المراكز المشبوههة التى تم إنشاؤها فى الآونة الأخيرة بدون تراخيص وخارج مظلة رقابة الأمانة العامة للصحة النفسية، مطالبًا بإغلاق أى مركز لا تنطبق عليه شروط أمانة الصحة النفسية على الفور.

 

وأوضح "المشد" في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم" أنه من حق المريض أن يعالج من الأدمان، مؤكدًا أن الأطباء ليسوا أشخاص متخصصين، لان منهم من عليه أحكام قضائية في تجارة المخدرات ولذلك لابد من تقديمهم محاكمة جنائية، لافتًا إلي أنهم بعيدين كل البعد عن أعين وزارة الصحة.

 

وأشار عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إلي أن الأطباء الذين يتولون علاج مدمني المخدارات يستخدمون أساليب مختلفة في إقناع المرضي، والدليل على ذلك عندما يجدوا مدمنا في الشارع فاقدًا للوعى يذهبون لوالديه في المنزل ويقنعوه ليعالج ابنه، مناشدًا المواطنين علي عدم التعامل مع هؤلاء الأشخاص ويتم تبليغ الشرطة عنهم فور معرفة أماكنهم، مؤكدًا أن عقوبة التي تواجه الأشخاص المتعافون من المخدرات كما أطلق عليهم البعض عدة تهم فى اتهامهم بإدارة مصحة غير مرخصة وانتحال صفة والنصب، والتعذيب وحدها جناية كبيرة.

 

خبير أمني: على الأجهزة الامنية الضرب بيد من حديد لمنع فوضى المراكز غير المرخصة

وأكد اللواء مجدي البسيوني الخبير الأمني أن دور الأمن يبدأ عند تلقي البلاغات عند حدوث الجريمة بوجود تعذيب داخل هذه المصحات المستخدمة لعلاج المدمنين غير المرخصة، وأن هذه المناطق تخضع لوزارة الصحة حتى وان كانت لا تعمل بدون تصريح، ليقوم بعمل الإجراءات اللازمة حيال الواقعة وعرضها علي النيابة لمباشرة التحقيقات.

 

وأوضح البسيوني في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" دور الأجهزة الأمنية، متمثلًا في منع الجريمة ومكافحة هذه المناطق، حيث أن هذه الأماكن يمكن استخدامها في علاج غير مرخص مثل العيادات التي تستخدم في نقل الأعضاء، وغيرها.

 

وناشد "البسيوني" وزارة الصحة بضرورة تشديد الرقابة علي هذه الأماكن ومتابعتها من حدوث أي كوارث مثل أماكن بيع الاعضاء البشرية ولأنها غير قانونية، ولخضوعها لعلاج المدمنين سواء تمارس التعذيب أم لا.

اقرأ أيضا