حرب السودان: عامان من الصراع والتداعيات الإنسانية الكارثية

الاثنين 17 فبراير 2025 | 02:49 مساءً
السودان
السودان
كتب : بسنت شعراوي

تأتي الذكرى الثانية لاندلاع الحرب في السودان في أبريل 2025، ومع اقترابها، تواجه البلاد أزمة إنسانية غير مسبوقة. تسببت هذه الحرب في تدهور الأوضاع المعيشية، ونزوح الملايين، وانعدام الأمن الغذائي، والأمان لدى أهلها، وبخاصة الفئة الأكثر ضعفًا وهم النساء والأطفال. 

وتستعد المنظمات الإنسانية مثل الأمم المتحدة لإطلاق نداء إنساني لجمع 4.2 مليار دولار لدعم جهود الإغاثة في السودان، في محاولة للتصدي لما وصفته بـ "أكبر وأشد الأزمات الإنسانية والحماية تدميرًا في العالم اليوم".

في التقرير التالي، نستعرض مراحل تفاقم الأزمة منذ اندلاع الحرب وما نتج عنها وما وصلت إليه.

اندلاع الحرب 

اندلعت الحرب في السودان في أبريل 2023 نتيجة صراع على السلطة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع (RSF). تعود جذور هذا الصراع إلى التوترات المتصاعدة بين القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ "حميدتي".

 تركز الخلاف على قضايا عدة، أبرزها دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي، وتحديد هيكل القيادة، والرقابة المدنية على القوات المسلحة، بالإضافة إلى السيطرة على المصالح الاقتصادية والعسكرية في البلاد.

تفاقمت الأزمة لتتحول إلى مواجهات عسكرية مباشرة في العاصمة الخرطوم، مما أدى إلى اندلاع نزاع مسلح واسع النطاق. أدى هذا الصراع إلى تصعيد أكبر في الأوضاع الإنسانية، مع نزوح الملايين وانتشار المجاعة في عدة مناطق، خاصة في دارفور. وكلا الطرفين، الجيش وقوات الدعم السريع، متهمان بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال هذا النزاع.

مراحل الحرب السودانية 

مرت الحرب السودانية بخمس مراحل وفقًا لما نقله الموقع الرسمي لمنظمة الأمم المتحدة:

اندلاع الحرب: انهيار عملية السلام وتصاعد الصراع

في ديسمبر 2022، كانت هناك آمال بأن تفضي عملية السلام المدعومة من الأمم المتحدة إلى تشكيل حكومة مدنية في السودان، خاصة بعد الإطاحة بعمر البشير والقمع العنيف للاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني. صرح فولكر بيرتيس، الممثل الخاص السابق للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، بأن "الاتفاق السياسي النهائي يجب أن يمهد الطريق لبناء دولة ديمقراطية"، ومع ذلك، حذر من وجود "قضايا خلافية حرجة"، أبرزها دمج القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

في أبريل 2023، تصاعدت التوترات بين الجانبين، مما أدى إلى هجوم قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم في 15 أبريل 2023، ومن هنا انتشر القتال إلى مناطق أخرى، مما أجبر الأمم المتحدة على إخلاء مقرها في الخرطوم ونقل عملياتها إلى بورتسودان على البحر الأحمر. أدان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، العنف ودعا إلى حوار عاجل بين الأطراف المتصارعة، يواصل المبعوث الخاص للأمين العام إلى السودان، رمطان لعمامرة، جهود الوساطة بالتعاون مع المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي.

الأزمة الإنسانية: ملايين بحاجة إلى المساعدة

أدت الحرب إلى كارثة إنسانية هائلة، حيث يحتاج أكثر من 30.4 مليون شخص، أي ما يزيد عن ثلثي سكان السودان، إلى مساعدات إنسانية تشمل الرعاية الصحية والغذاء والدعم الأساسي. تسبب الصراع في انهيار اقتصادي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والسلع الأساسية، وجعلها بعيدة عن متناول العديد من الأسر.

في السياق ذاته، يواجه أكثر من نصف السكان مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وتم تسجيل حالات مجاعة في خمس مناطق بولاية شمال دارفور وجبال النوبة الشرقية. من المتوقع أن تتوسع رقعة المجاعة لتشمل خمس مناطق إضافية بحلول مايو 2025، وحذرت كليمانتين نكويتا سلامي، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، من أن "هذه لحظة حرجة، حيث بدأت بالفعل أجزاء من جنوب كردفان تشعر بعواقب انعدام الأمن الغذائي".

كما تقابل الجهود الإنسانية صعوبات جمة بسبب انعدام الأمن، مما يعيق وصول المساعدات ويعرض العاملين في المجال الإنساني للخطر. على الرغم من هذه التحديات، يواصل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تقديم المساعدات، حيث تم توزيع البذور على أكثر من نصف مليون أسرة خلال موسم الزراعة. في عام 2024، تلقى حوالي 15.6 مليون شخص نوعًا من المساعدة من الأمم المتحدة.

النزوح الجماعي: أعداد تفوق سكان سويسرا

أجبر الصراع ملايين السودانيين على الفرار من منازلهم بحثًا عن الأمان داخل البلاد وخارجها، مما زاد من حدة عدم الاستقرار الإقليمي. ويقدر عدد اللاجئين بأكثر من ثلاثة ملايين، بينما يصل عدد النازحين داخليًا إلى نحو تسعة ملايين، ما يتجاوز إجمالي سكان سويسرا.

تتسبب التحولات المستمرة في خطوط القتال في موجات نزوح متتالية، مما يزيد من صعوبة وصول المساعدات إلى المحتاجين. وصفت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الوضع في السودان بأنه "أكبر وأسرع أزمة نزوح نمواً على مستوى العالم".

يواجه النازحون تحديات كبيرة، بما في ذلك نقص الغذاء، ندرة الموارد الطبيعية، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية.

انعدام الأمن: النساء والفتيات في مرمى الصراع

أبلغ عن مقتل أكثر من 18,800 مدني منذ اندلاع الصراع، مع تزايد مستويات العنف في السودان. قتل ما لا يقل عن 275 شخصًا في أوائل فبراير 2025 في أسبوع واحد، وهو ما يزيد بثلاثة أضعاف عن الأسبوع السابق.

يتعرض المدنيون لهجمات مستمرة، بما في ذلك القصف المدفعي، الغارات الجوية، وهجمات الطائرات المسيرة. تعد ولايتا جنوب كردفان والنيل الأزرق من أكثر المناطق تضررًا، كما يتعرض العاملون في المجال الإنساني للترهيب والعنف، مع تقارير تشير إلى اتهام بعضهم زورًا بالتعاون مع قوات الدعم السريع.

وثقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودعت إلى تحقيقات ومحاسبة المسؤولين. أشار إدمور توندلانا، نائب رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، إلى أن النساء والفتيات هن الأكثر تضررًا، مع تقارير عن حالات اغتصاب، زواج قسري، واختطاف. كما يواجه الفتيان المراهقون مخاطر كبيرة، بما في ذلك التجنيد القسري في الجماعات المسلحة أو الاشتباه بهم كجواسيس، مما يجعل تحركاتهم محفوفة بالمخاطر.

التمويل: الحاجة الماسة إلى مليارات الدولارات لإنقاذ الأرواح

يعد نقص التمويل من أبرز العوائق أمام عمليات الإغاثة في السودان. لم تتمكن الأمم المتحدة وشركاؤها من توفير الحد الأدنى من الدعم اللازم للنازحين واللاجئين، مما أدى إلى تقليص حصص الغذاء وتفاقم أزمة الأمن الغذائي.

في 17 فبراير 2025، تستعد الأمم المتحدة، عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لإطلاق نداء جديد لجمع 4.2 مليار دولار لدعم الاستجابة الإنسانية داخل السودان، بالإضافة إلى 1.8 مليار دولار أخرى لمساعدة اللاجئين في الدول المجاورة.

على الرغم من ضخامة المبلغ المطلوب، فإن المسؤولين يؤكدون أن هذه الأموال ضرورية لتقديم المساعدات الحيوية لحوالي 21 مليون شخص، ووفقًا لنائب مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، فإن التكلفة تقدر بحوالي 200 دولار سنويًا لكل شخص محتاج، أي ما يعادل أقل من نصف دولار يوميًا لإنقاذ حياة إنسان.

 يظل الوضع في السودان من أكثر الأزمات تعقيدًا على مستوى العالم، حيث يشهد تدهورًا متسارعًا في مختلف القطاعات الإنسانية والاقتصادية والأمنية، كما يزداد عدد المحتاجين للمساعدات، بينما تعرقل التحديات الأمنية وصول الإغاثة إلى المناطق المنكوبة. يتطلب احتواء هذه الكارثة تحركًا دوليًا فوريًا، سواء عبر التمويل الكافي أو الضغط لإنهاء النزاع وإيجاد حلول سياسية مستدامة.

اقرأ أيضا