بينما يعيد دونالد ترامب تشكيل الموقف الأمريكي تجاه أوكرانيا، يجد الرئيس فولوديمير زيلينسكي نفسه في موقف دبلوماسي شديد التعقيد، يحاول من خلاله الحفاظ على الدعم الغربي لبلاده، وسط متغيرات قد ترسم مستقبل الصراع مع روسيا.
بداية الأسبوع.. تفاؤل حذر في كييف
في مقابلة مطولة مع الجارديان يوم الاثنين، بدا زيلينسكي متفائلًا بحذر. أشار إلى "إشارات إيجابية" من الولايات المتحدة بشأن المفاوضات القادمة، وأعرب عن ثقته في أن ترامب سيتشاور مع كييف قبل التفاوض مع موسكو. كما شدد على أهمية الدور الأمريكي في أي تسوية سلمية، مؤكدًا أن "الضمانات الأمنية بدون أمريكا ليست ضمانات حقيقية."
الواقع يتغير سريعًا.. انقلاب في الموقف الأمريكي
لم تمر سوى أيام حتى تلقت أوكرانيا صدمة غير متوقعة, فبحلول الأربعاء، أعلن وزير الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث أن أوكرانيا لن تحصل على عضوية الناتو، وأن واشنطن لن تلعب أي دور في فرض اتفاق سلام. بعد ذلك بساعات، أعلن ترامب عن مكالمة استمرت 90 دقيقة مع بوتين، ليعقبها بمؤتمر صحفي هدم فيه ثلاث سنوات من الخطاب الأمريكي الداعم لكييف.
تصريحاته لم تترك مجالًا للشك حول توجه إدارته الجديدة، إذ أشار إلى أن الحرب "كانت خطأً من الأساس"، ورفض الاعتراف بحق أوكرانيا في استعادة أراضيها المحتلة، بل لمح إلى أن روسيا قد تستحق الاحتفاظ بها لأنها "حاربت من أجلها."
التصريح الصادم.. "قد يكونون روسًا يومًا ما"
لكن أكثر تصريحاته إثارة للغضب في أوكرانيا كانت خلال مقابلة تلفزيونية، عندما قال ببرود:
"قد يكونون روسًا يومًا ما، وقد لا يكونون، لكننا أنفقنا كل هذه الأموال هناك، وأريدها أن تعود."
هذا التصريح، الذي بدا وكأنه إنكار كامل لحق أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، أثار استياءً واسعًا في كييف، حيث اعتبر تجاهلًا تامًا لنضال البلاد ضد الاحتلال الروسي.
زيلينسكي يناور.. الاقتصاد بدلًا من القيم المشتركة
أمام هذا التحول المفاجئ، لجأ زيلينسكي إلى استراتيجية جديدة لمحاولة جذب انتباه ترامب، بعيدًا عن الحديث عن القيم الديمقراطية أو الأمن الأوروبي، والتي لا يبدو أنها تحظى باهتمام الإدارة الأمريكية الجديدة.
بدلًا من ذلك، قدمت كييف عرضًا مغريًا للشركات الأمريكية، يتمثل في استثمارات ضخمة في إعادة إعمار أوكرانيا واستغلال مواردها من المعادن النادرة, وبالفعل، نجحت هذه الخطوة في استقطاب وزير الخزانة الأمريكي إلى كييف مع مشروع اتفاق حول الموارد الطبيعية الأوكرانية.
لكن هذه الخطوة جاءت بثمن باهظ، إذ أشارت التقارير إلى أن الاتفاق يتطلب من أوكرانيا التنازل عن 50% من ثرواتها المعدنية، دون أي ضمانات أمنية في المقابل، مما أثار غضبًا واسعًا داخل البلاد.
مستقبل غامض.. أزمة عسكرية وسياسية تلوح في الأفق
إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قريب، فقد تجد القوات الأوكرانية نفسها في موقف عسكري حرج بحلول الصيف، خاصة إذا توقفت إمدادات الأسلحة الأمريكية. التقارير تتحدث عن مشاكل في التجنيد، وحالات فرار من الجبهة، وإرهاق شديد بين الجنود.
في الوقت نفسه، يواجه زيلينسكي تحديات داخلية متزايدة، إذ بدأت بعض الأصوات في أوكرانيا تنتقد أسلوبه في إدارة الأزمة، فضلًا عن تصاعد الجدل حول مستقبله السياسي، وسط تساؤلات عن إمكانية إجراء انتخابات رئاسية في ظل الحرب.
هل انتهت فرص أوكرانيا؟
على الرغم من الصورة القاتمة، لا يزال هناك من يؤمن بقدرة أوكرانيا على الصمود. فكما يقول أحد المسؤولين الأمنيين في كييف:
"لقد صمدت أوكرانيا ثلاث سنوات، وروسيا ما زالت تقاتل من أجل بعض القرى في دونباس, هذا في حد ذاته معجزة."