وسط المشهد المأساوي الدامي و ركام الحرب وآلامها الذي عاشه قطاع غزة لمدة 15 شهر، يطل الناشط رشاد رجب، حاملاً راية الأمل والصمود، ويبرز كأحد الجنود المجهولين الذين لم يتركوا ساحة المعركة الإنسانية حتى في أصعب اللحظات. رغم إتاحة الفرصة امامه لينفد هو واسرته من نيران الحرب، إلا انه تمسك بقضيته وغبار بلاده الممزوجة بدماء شهدائها للحظة الأخيرة.
في حوار خاص مع بلدنا اليوم، كشف رشاد عن كواليس جهوده الإنسانية في قطاع غزة، واللحظات العصيبة التي عاشها، وما حمله في قلبه من يقين وثبات رغم قسوة الحرب.
"لم نخذل مقاومتنا ولا دماء الشهداء"
بحديث مليء بالإصرار والألم وبصوت مشحون بالأمل، بدأ رشاد حديثه بكلمات تختزل عمق التجربة التي عاشها معبرًا عن فرحته بطعم النصر:<
"سنعود مرفوعي الرأس، لم نخذل مقاومتنا، ولم نخذل دماء الشهداء. رغم كل الألم، بقينا صامدين ورحل المحتل. هذا يقيننا، وهذه إرادتنا."
كما تحدث رشاد عن الإيمان الذي دفعه للاستمرار في تقديم يد العون لأهالي غزة رغم كل المخاطر. يؤكد أنه اختار البقاء مع شعبه لأنه يرى في ذلك واجبًا مقدسًا، ويضيف:
"كانت لدي فرصة للسفر خلال الحرب، وعُرضت علي مساعدات عديدة من متبرعين ومنظمات، حتى أن البعض أصر أن أغادر أنا وعائلتي بحثًا عن الأمان. لكنني كنت مؤمنًا أن مكاني هنا، بين أهلي، أخدمهم وأقف بجانبهم مهما كانت الظروف."
رشاد، الذي يعمل مصمم جرافيك، تلقى عروضًا مغرية للعمل خارج غزة أثناء الحرب. يقول مبتسمًا:
"كان بإمكاني السفر في أول ستة أشهر من الحرب، وقدمت لي فرص عمل عديدة بسبب خبرتي في التصميم الجرافيكي، لكنني رفضت. كان قراري واضحًا: لن أترك غزة، وسأظل هنا أساعد شعبي بقدر استطاعتي."
مشاريع إنسانية تحت القصف
نجح رشاد على مدار 15 شهرًا خلال الحرب في إنشاء ثلاثة مخيمات للنازحين رغم المخاطر المستمرة، فستطرد حديثه عارضًا المخيمات بأسمائها و أعداد الأسر والأفراد داخلها وهم:
مخيم "الأمل" بخانيونس: احتضن 90 عائلة (350 فردًا) قبل أن يدمره
الاحتلال خلال اجتياحه للمنطقة.
مخيم "سنابل" برفح: ضم 100 عائلة (400 فرد)، لكن العدو لم يتوانَ عن تدميره أثناء تقدمه على محور فيلادلفيا.
مخيم "اللقاء" بخانيونس: لا يزال قائمًا، يضم 75 خيمة (400 فرد)، ويوفر للأسر النازحة ملاذًا مؤقتًا رغم كل التحديات.
لم تقتصر جهود رشاد على إنشاء المخيمات، بل امتدت لتشمل بناء مرافق صحية، عيادات طبية، غرف تعليمية، وشق طرق لتسهيل الحركة. كما عمل على توفير السلال الغذائية، المياه، والملابس لأكثر من 15 ألف شخص خلال فترة الحرب. يقول رشاد:
"بفضل الله، ثم بدعم الخيرين من أهلنا ومن أشقائنا العرب، استطعنا مساعدة الآلاف. كان هدفي أن يشعر كل نازح بأن هناك من يهتم به ويقف بجانبه."
"لحظات تشبه فتح مكة"
عند سؤاله عن مشاعره مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى مناطقهم في شمال غزة، لم يستطع إخفاء تأثره، وقارن اللحظة بمشهد عظيم من التاريخ الإسلامي:
"سنعود مكبرين ومهلهلين، والله أشعر أننا نعيش يوم فتح مكة. تمامًا كما شاهدنا فيلم (الرسالة) للمخرج العقاد، حين عاد المسلمون إلى ديارهم. كانت قلوبنا تهتز ونحن نشاهد المشهد التمثيلي، فما بالكم إذا عشنا اللحظة بواقعيتها؟ العودة إلى شوارعنا، منازلنا، وحتى جدراننا المهدمة... كل ذلك يجعل قلوبنا مفعمة بالشوق."
"لن ننسى جدران منازلنا المهدمة"
يعبر رشاد عن مزيج من المشاعر المتناقضة مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ:
"قلوبنا تتوق للعودة. نشتاق لكل زاوية، لكل جدار هُدم، ولكل شارع سُوّي بالأرض. محملون بالجراح والمآسي، لكننا نحمل يقينًا راسخًا بأن الله سينصرنا."
شكر وامتنان
أنهى رشاد حديثه بتوجيه الشكر لكل من دعمه، سواء أفرادًا أو جمعيات طوال فترة الحرب، واختص بالشكر أهل مصر قائلاً:
"رغم الجراح والمآسي التي نحملها، نحن محملون بيقين قوي لا يهتز، وهو يقيننا بنصر الله. شكرًا لكل من دعمنا، لكل من وقف بجانبنا، سواء كانوا أفرادًا، جمعيات، أو مؤسسات. شكرًا لأهلنا في مصر، تونس، الجزائر، الأردن، والمغتربين في أوروبا. دعمكم كان السبب وراء كل إنجاز حققناه. هذه اللحظات الفارقة تجعلني أشعر بالفخر الكبير. أتمنى أن أعود إلى منزلي وشركتي، لكنني فخور بأنني اخترت البقاء لخدمة شعبي."
يعد رشاد رجب أيقونة صمود تلهم كل من آمن بأن الإنسانية تظل سلاحًا أقوى من أي صراع، وأن غزة تستحق أن يضحى من أجلها. لقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه أقوى من كل محتل، وأكثر إصرارًا على العيش بكرامة وحرية.