مواد البناء وبخاصة الحديد لهما أهمية خاصة في الاقتصاد المصري الذي اعتمد طوال عشر سنوات خطة للبناء والتشييد في ربوع الوطن كافة من أجل توفير بنية تحتية قوية تدعم الإصلاح الاقتصادي، وكذلك دفع عجلة الاستثمار العقاري.
وشهد عام 2023 أعلى ارتفاع في أسعار الحديد ومواد البناء، فسجل الحديد ارتفاعا بنسبة 40% والأسمنت بنسبة 30% ووفقًا لتقارير صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ما أثار قلق المواطنين والمستثمرين في قطاع العقارات بل وامتد التأثير لوقف بعض المشروعات القومية توفيرا للنفقات.
ومع قيام الحكومة المصرية بالتحركات الاقتصادية الأخيرة بداية من استثمارات رأس الحكمة التي تجاوز عائدها حاجز الـ35 مليار دولار مع إبرام اتفاقيات جديدة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي عادت السيولة الدولارية للاقتصاد، واستطاع الدولة إنهاء السوق السوداء للدولار الذي لعب دور المحرك الرئيسي في زيادة أسعار جميع السلع وعلى رأسها الحديد.
وانعكس توحيد سعر الدولار على قطاع الحديد ومواد البناء بالانخفاض في الأسعار وإن تباينت النسب من مصنع لآخر، فسجل طن حديد عز الدخيلة تراجعا في سعر الطن بنحو 10 آلاف جنيه نهاية مارس الماضي فأصبح بسعر 48 ألف مقارنة بنحو 58 ألف جنيه منتصف فبراير، فهل يزداد التراجع بما ينعكس على أسعار العقارات التي ارتفعت بمعدلات تصل إلى 40 و60% في المرحلة ما قبل تحرير سعر الصرف؟
أحمد الزيني: الدولار والطاقة يؤثران في أسعار الحديد
يفسر أحمد الزيني رئيس اللجنة العامة لمواد البناء الانخفاض الحالي بتأثير تراجع الدولار على أسعار مواد البناء وعلى الرغم من أن المتوقع زيادة معدلات التراجع لو تراجع الدولار أكثر، مشيرا إلى أن الانخفاض الأخير يعد قليلا مقارنة بأسعار الدولار قبل وبعد التحرير فبعد أن وصل إلى 70 جنيه للدولار الواحد، أصبح الآن بـ47 تقريبا. وأوضح أن سبب عدم استجابة العديد من المصانع لخفض الأسعار بنفس المعدل إلى أن خام البليت المستخدم في صناعة الحديد استوردته المصانع على سعر 60، و70 جنيه؛ وأغلب المصانع لديها مخزون من هذه المرحلة تريد تصريفه أولا ثم التأكد من استقرار السعر الرسمي للدولار الحديد قبل خفض أكبر للسعر الحالي.
ونفى الزيني أي تأثير للدولار الجمركي على واردات خام الحديد لأنه معفي بالكامل من الرسوم الجمركية باعتباره مدخلات إنتاج مع العلم أن بعض مدخلات الإنتاج تدفع رسوم جمركية تتراوح من 7 إلى 8% إلا أن البليت ليس من ضمنها، أضف لذلك أن أغلب الخام يأتي من أوربا وبالتالي معفي من الجمارك بموجب اتفاقية الشراكة الأوربية، لذا فالتأثير الأكبر في سعر الحديد للدولار، ثم يأتي بعدها أسعار الطاقة بنسب أقل، مضيفا أن الأسمنت ومواد البناء الأخرى محلية ولا تتأثر بارتفاع الدولار إلا بنسب طفيفة لأن العامل الأهم لديها أسعار الطاقة وتكاليف التشغيل المعتادة من نقل وأجور وغيرها.
وقال الزيني إن مصانع الحديد الاستثماري أول من خفض سعر الطن للمستهلك و في حين تمسكت شركات أخرى بالأسعار ولم تهبط بنفس النسب على الرغم من أن تكلفة تشغيل مصانع الحديد الاستثماري أعلى من المصانع الكاملة، موضحا أن مصانع الحديد الاستثماري تنفذ المرحلة الأخيرة في صناعة المنتج وتشتري أغلب إنتاجها من المصانع الكاملة مثل عز وبشاي وغيرها.
أحمد الزيني رئيس شعبة مواد البناء - تصوير محمد عدلي
أحمد العتال: الانخفاض لن ينعكس على أسعار العقارات
وعن تأثير تراجع الحديد ومواد البناء على أسعار العقارات في مصر بعد أن ارتفعت في الربع الأخير من 2023 بنسبة 63% وفقا لتقرير صادر عن شركة جيه إل إل، للاستثمارات العقارية مطلع العام الجاري، يؤكد المهندس أحمد العتال أن رئيس مجلس إدارة شركة العتال هولدينج أن خفض أسعار الحديد لن ينعكس على أسعار العقارات نهائيا خلال العام الجاري، فالعقار منتج لا يتأثر بسرعة ارتفاع أو انخفاض مكونات البناء وغيرها من العوامل المتعددة، مضيفا أن التسعير لا يخضع لعامل واحد ولا لعام واحد لأن مشروعات العقارات تُنفذ على سنوات طويلة تتغير خلالها العوامل المختلفة والتي نراعيها عند تسعير الوحدة العقارية، مشيرا أن أغلب العقارات تباع بنظام التقسيط وليست وقتية كغيرها من السلع.
يبدو أن مصانع مواد البناء في حالة ترقب لاتجاهات الدولار بالارتفاع والانخفاض على المدى القريب، بينما شركات التطوير العقاري لا تلقي بالا للأمر برمته في ظل احتسابها لمعدلات مخاطر ربما تصبح في صالحها الآن بعد هبوط الدولار وأسعار مواد البناء، ما يسمح لها بالاطمئنان وضخ استثمارات في مشروعات جديدة ربما تتغير فيها معادلات تقييم سعر العقار بعد أن بات المواطن قلقا من تحول الرغبة في امتلاك عقار إلى حلم بعيد المنال.
ويقترح الدكتور وائل النحاس أن تدعم الدولة قطاع مواد البناء من أجل توفيرها للمواطنين الراغبين في التشييد بأسعار أقل، وذلك عبر آليات معروفة لأولى الأمر وفي مقدمتها محاربة احتكار بعض الخامات سواء بالإنتاج أو فرض التسعير كذلك تفعيل بعض الإعفاءات الضريبية القائمة على نسب الإنتاج.