يشهد عام 2024 عددًا من التغيرات الحاسمة، نتيجة لإجراء انتخابات رئاسية في مجموعة من الدولة المؤثرة على الخريطة السياسية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والهند وبلجيكا، حتى وصفها موريس جرينيبرج نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بواشنطن، بـ «أم أعوام الانتخابات».
كما تُجرى خلال العام المقبل 2024، انتخابات داخل القارة الإفريقية؛ إذ من المتوقع إجراء انتخابات جنوب إفريقيا، إضافة فضلا عن انتخابات مزمع إقامتها في أمريكا اللاتينية، مثل الانتخابات المكسيكية، إضافة إلى انتخابات في آسيا تشهدها: أندونيسيا.
ويصف محللون وخبراء هذه الانتخابات، خلال تقرير نشرته وكالة الأنباء الألمانية dpa، تحت عنوان «دول تشهد انتخابات حاسمة في 2024»، ومنهم الدكتور جيمس لنزي، النائب الأول لرئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بواشنطن، ومدير الدراسات، وأستاذ كرسي موريس جرينيبرج بالمجلس، العام الجديد 2024.
أم أعوام الانتخابات
ووصف موريس جرينيبرج نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بواشنطن، عام 2024 بـ «أم أعوام الانتخابات»، حيث تشهد عشرات الدول التي يصل تعداد سكانها مجتمعة إلى أكثر من أربعة مليارات نسمة، أي نحو نصف سكان الكرة الأرضية، انتخابات على مدار العام.
الانتخابات في بلجيكا: 9 يونيو
بالإضافة إلى إنتاج أفضل أنواع الشوكولاتة في العالم، تمتلك بلجيكا بعضا من أكثر السياسات المثيرة للاهتمام، حيث تحتل المملكة الرقم القياسي في موسوعة جينيس العالمية لأطول فترة دون تشكيل حكومة: ففي أعقاب الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد في حزيران/يونيو عام 2010، استغرق الأمر 541 يوما، أي قرابة 18 شهرا، حتى تتمكن من تشكيل الحكومة.
ويرجع قدر كبير من التعقيد الذي تتسم به السياسة في بلجيكا إلى الانقسام بين المجموعتين اللغويتين الرئيسيتين في البلاد، "الفلمنكيين"، الذين يتحدثون اللغة الهولندية ويشكلون 60% من السكان، و"الوالونيين"، الذين يتحدثون الفرنسية ويشكلون 40%. وهناك كذلك مجتمع صغير ناطق بالألمانية يحظى باعتراف رسمي.
ويهيمن كل من الفلمنكيين والوالونيين على منطقة مختلفة من البلاد، وهم يعيشون معا على نحو يتسم بالتوتر منذ تأسيس بلجيكا في عام 1830 بعد الانفصال عن هولندا.
ومن المقرر أن يختار الناخبون في بلجيكا في حزيران/يونيو المقبل أعضاء البرلمانات الإقليمية والفيدرالية والأوروبية. وربما يقررون من خلال ذلك، دون قصد، إذا ما كان الأمر سينتهي ببلادهم إلى أن تصبح نسيا منسيا في التاريخ.
ويتصدر حزب "فلامس بيلانج" اليميني المتطرف حاليا استطلاعات الرأي في فلاندرز (الجزء الشمالي الناطق بالهولندية من بلجيكا). ويقول زعيم الحزب توم فان خريكين إن بلجيكا مرتبطة "زواج قسري"، ويسعى إلى طلاقها.
وربما يكون ذلك من قبيل لهو الحديث، فقد تراجعت حدة التوتر بين الفلمنكيين والوالونيين على مدار السنوات الأخيرة. لكن حزب "فلامس بيلانج" يرى أن معارضة الهجرة هي ورقته الرابحة. ويشير النجاح الأخير الذي حققه الشعبويون اليمينيون في هولندا ومواقع أخرى في أوروبا إلى أن المستحيل قد يتحقق.
الانتخابات العامة في الولايات المتحدة: 5 نوفمبر
يعتقد النائب الأول لرئيس ومدير الدراسات الأمريكي لنزي أنه لن تكون هناك انتخابات مقررة في العام الجديد أكثر أهمية من الانتخابات العامة في الولايات المتحدة.
ويشمل الاستحقاق الأمريكي انتخابات رئاسية، وانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وكامل أعضاء مجلس النواب.
ومن المنتظر أن يكون السباق الرئاسي مشهدا مكررا لما جرى في 2020، حيث يتنافس الرئيسان، الحالي جو بايدن، والسابق دونالد ترامب. وحال فاز ترامب، فإنه ينضم بذلك إلى جروفر كليفلاند باعتباره الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تولى فترتين رئاسيتين غير متتاليتين.
ويقول لنزي إن السباق بين بايدن وترامب لن يجذب اهتماما كبيرا لإنه يوفر مادة دسمة لبطولات تافهة، ولكن بسبب المخاوف من أنه قد يؤدي إلى زوال الديمقراطية الأمريكية وقلب النظام العالمي رأسا على عقب.
وأثار إصرار ترامب على رفض البراهين التي تشير إلى أن انتخابات 2020 لم تسُرَق منه، وإشارته إلى 'الانتقام' من الذين عارضوه، تحذيرات من أنه يعتزم وضع الولايات المتحدة على 'الطريق إلى الديكتاتورية'. وقد كانت هجماته المستمرة على حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى نحو مماثل ، واستخفافه بالتغير المناخي، ووعوده باستخدام الرسوم الجمركية لوضع "طوق حول الاقتصاد الأمريكي" سببا في إثارة تكهنات بأن فترة ولايته الثانية من شأنها أن تقلب السياسة العالمية رأساً على عقب.
ويشرح لنزي أن قدرة ترامب أو بايدن على مضي كل منهما قدما في جدول أعماله سيعتمد إلى حد كبير على ما يحدث داخل الكونجرس. ويبدو أن الجمهوريين جاهزون لاستعادة السيطرة على مجلس الشيوخ. وعلى العكس من ذلك، يمكن للديمقراطيين استعادة الهيمنة على مجلس النواب.
وفي ختام حديثه عن الانتخابات الأمريكية، يقول الخبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، أن انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في البلاد هي الوحيدة التي ترقى إلى مستوى القول إنها الأكثر أهمية في فترة حياتنا.
الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا: لم يحدد موعدها بعد
يعرب لنزي عن اعتقاده في أن تحقيق الديمقراطية أسهل من الحفاظ عليها، ويرى أن الانتخابات المقبلة في جنوب أفريقيا قد تثبت هذه الفرضية.
ويعد انتقال جنوب أفريقيا من نظام الفصل العنصري إلى ديمقراطية فاعلة يعد معجزة في نواح كثيرة. ويعود الفضل في القسط الأكبر من هذا النجاح إلى الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، الذي قاوم إغراء اعتناق الاستبداد، على النقيض من الكثير من الزعماء الثوريين الآخرين.
ولكن ما جرى على مدار سنوات طويلة هو أن حكومة جنوب أفريقيا لم تحقق النتائج التي توقعها الناخبون، وقد بدا زعماء حزب المؤتمر الوطني الأفريقي- الذي هيمن على السياسة في البلاد طوال ثلاثة عقود- أكثر اهتماما بإثراء أنفسهم من حل مشكلات البلاد.
وقد تؤدي انتخابات 2024 إلى إيقاف هذا التدهور، وربما حدث النقيض وتسارعت وتيرته.
ومن المقرر إجراء الانتخابات بمقتضى قواعد انتخابية جديدة من شأنها تسهيل تحدي الوضع الراهن- ضمن أمور أخرى- حيث أصبح يمكن للمرشحين المستقلين الآن الترشح للمناصب.
ويقول لنزي إنه يتعين على حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الشعور بالقلق، بعدما تراجع التأييد له إلى ما هو دون 50% لأول مرة في انتخابات 2021، وهو ما عكس مزاعم واسعة النطاق بالفساد بحق مسؤولي الحزب، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وتدهور البنية التحتية.
ولكن، ورغم هذه الأنباء السيئة، من المرجح أن يسعى رئيس البلاد سيريل رامافوسا، الذي واجه هو نفسه اتهامات بالفساد، إلى الفوز بولاية جديدة. ويأمل التحالف الديمقراطي، وهو أكبر حزب معارض في جنوب أفريقيا، في إحداث صدمة للعالم وانتزاع السلطة من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عبر التعاون مع أحزاب المعارضة الأخرى. ولكن هذا أمر غير مرجح.
وأعرب لنزي عن اعتقاده بأنه حال فوز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، ربما يستمر مسار الانحدار الديمقراطي في جنوب أفريقيا.
الانتخابات العامة في إندونيسيا: 14 فبراير
يرى لنزي أن إجراء الانتخابات يعد إنجازا لوجستيا ضخما، تحت أي ظروف، ويضيف أن إجراء انتخابات في يوم واحد ببلد عدد سكانه 275 مليون نسمة، يعيشون في 17 ألف جزيرة، أمر صعب أن يتخيله أحد.
ويحظر الدستور على رئيس إندونيسيا الحالي جوكو ويدودو (جوكوي) الترشح لولاية ثالثة. وهناك ثلاثة مرشحين رئيسيين لخلافته: برابوو سوبيانتو، وجانجار برانوو، وأنيس باسويدان.
ويعد برابوو المرشح الأوفر حظا، وهو فريق متقاعد من الجيش وكان صهر ديكتاتور إندونيسيا سوهارتو، وجرى تسريحه من الخدمة على نحو غير مشرف عقب الإطاحة بسوهارتو في عام 1998، كما أنه مُنِعَ من دخول أمريكا لمدة عقدين على خلفية انتهاكات حقوقية، وهذه هي المرة الثالثة التي يترشح فيها للرئاسة، بعدما خسر في جولتين أمام جوكوي، ويشغل منصب وزير الدفاع منذ عام .2019
وفي نوع من التلاعب الانتخابي، اختار برابوو نجل جوكوي الأكبر ليكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس.
أما المرشح الثاني، جانجار، فقد كان لفترتين حاكما لجاوا الوسطى، ثالث أكبر مقاطعة إندونيسية من حيث عدد السكان، وهو مرشح حزب جوكوي.
وحقق جانجار نجاحا في جهوده لتحسين البنية التحتية بالمقاطعة، غير أنه أثار غضب الناخبين في وقت سابق هذا العام عندما عارض السماح لإسرائيل بالمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للشباب تحت عام 2020، في جاوة الوسطى. وكلف القرار إندونيسيا دورها كمضيف للبطولة، حيث سحب منها الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) حق الاستضافة.
وأما المرشح الثالث، أنيس، حاكم العاصمة جاكرتا، فقد تلقى تعليمه في أمريكا، حيث نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة شمال إلينوي، ثم أصبح رئيسا لجامعة إسلامية في بلاده ويحظى بشعبية لدى الجماعات الإسلامية.
ومن المقرر إجراء جولة إعادة بين المرشحين اللذين يحصلان على أعلى الأصوات، حال لم ينل أي مرشح 50% من الأصوات في 14 فبراير.
الانتخابات الوطنية في الهند: أبريل- مايو
تحفل الانتخابات الوطنية الهندية بعجائب الديمقراطية، حيث يبلغ تعداد سكان البلاد 4ر1 مليار نسمة، يتحدثون أكثر من 100 لغة، وهم يستخدمون صناديق الاقتراع، وليس السلاح أو امتياز الأسرة الحاكمة، لتحديد من يحكم البلاد.
ومن المقرر أن ينتخب الهنود في العام الجديد أعضاء البرلمان الوطني (لوك سابها) الثامن عشر. ثم يقوم الحزب، أو الائتلاف صاحب الأغلبية في لوك سابها باختيار رئيس الوزراء.
وثمة احتمال جيد بفوز رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا، بالانتخابات للمرة الثالثة على التوالي، ومن ثم تجنب الحاجة إلى الدخول في ائتلاف من أجل الحكم.
وفاز بهاراتيا جاناتا بالانتخابات في ثلاث ولايات هندية في وقت سابق الشهر الجاري، أي أن رسالة الحزب لا تزال تلقى صدى لدى الناخبين. وتظهر استطلاعات الرأي أن نحو ثمانية من بين كل عشرة هنود يوافقون على أداء مودي في منصبه، وهي نسبة يتمنى أي رئيس دولة ديمقراطي الحصول عليها. ويقول لنزي إن نجاح مودي يعكس عوامل كثيرة.
وعلى الجانب الإيجابي، سجل معدل نمو الاقتصاد الهندي 7%، وهو ما يعني زيادة الدخل في أنحاء البلاد وتعزيز الشعور بأن المستقبل سيكون أفضل.
وعلى الجانب السلبي، قامت حكومة مودي بسجن المعارضين وترهيبهم، وهي تسعى في الوقت نفسه إلى تضييق المجال أمام أي نقاش سياسي. كما استفاد حزب بهاراتيا جاناتا من ضعف حزب المؤتمر، الذي هيمن على السياسة في الهند على مدار العقود الستة الأولى من عمر البلاد، ولكنه تبدد منذ ذلك الحين.
ويعتقد لنزي أن الهيمنة الانتخابية المتواصلة من قبل حزب بهاراتيا جاناتا، قد تكون مفيدة، ولكنها ربما تعني مزيدا من تآكل الديمقراطية في الهند.
الانتخابات الرئاسية في المكسيك: 2 يونيو
من المنتظر أن تشهد المكسيك تولي أول امرأة مقاليد الرئاسة في البلاد، في الانتخابات المقررة في يونيو المقبل. ولا يحق للرئيس الحالي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو) الترشح لولاية جديدة، بحسب الدستور، حتى لو كانت نسبة التأييد له 66%، تجعل منه موضع حسد للقادة المنتخبين في أنحاء العالم.
ورشح حزب مورينا الحاكم، بزعامة أملو، كلوديا شينباوم لخوض الانتخابات. وشينباوم هي عمدة مدينة مكسيكو السابقة وحليفة قديمة لأملو، ولذلك لم يكن من المستغرب أن تتعهد بتحمل “المسؤولية الكاملة” عن مواصلة سياسات الرئيس الحالي.
أما أحزاب المعارضة الرئيسية في المكسيك، فقد تجمعت تحت راية “الجبهة الواسعة من أجل المكسيك” واختارت زوتشيتل جالفيز مرشحة لها. وجالفيز عضوة سابقة في مجلس الشيوخ عن حزب العمل الوطني (يمين الوسط).
وتحظى شينباوم حاليا بتقدم مريح في استطلاعات الرأي، وليس هناك شك في أنها استفادت من شعبية أملو. كما يمكنها الإشارة إلى العديد من النجاحات التي حققها أملو، وفي مقدمتها خفض معدل الفقر، ونمو الاقتصاد بأكثر من 3%، وتباطؤ معدل التضخم. غير أن الجريمة والعنف، اللذين يرتبط معظمهما بعصابات المخدرات، لا يزالان يشكلان معضلة كبيرة.
كما أدى تهريب الفنتانيل عبر الحدود إلى أمريكا إلى إثارة التوترات مع واشنطن، وأثار دعوات للجيش الأمريكي بمهاجمة عصابات التهريب. وفي الوقت نفسه، فإن عمليات الهجرة إلى الولايات المتحدة، والتي ينفذها أشخاص يستخدمون المكسيك كممر عبور