نشر مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأمريكية تحليلًا للباحث أيمن جواد التميمي حول معضلة القيادة العليا في صفوف تنظيم "داعش" بعد مقتل أبو إبراهيم القرشي المعروف أيضًا بحجي عبد الله قرداش، قائلةً إنه جرى تولية 3 خلفاء منذ مقتل "القرشي" في عملية عسكرية أمريكية بـ"أطمة" على الحدود مع تركيا في فبراير/ شباط 2022.
ووفقًا للتحليل المنشور في مجلة "الحارس" الصادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في "ويست بوينت" فإن الخلفاء الثلاثة والذين يسميهم بـ"خلفاء الظل" يمثلون نقيضًا للخليفة الداعشي الأبرز أبو بكر البغدادي الذي ظهر مرتين علنًا أولهما في الجامع النوري بمدينة الموصل والثانية في إصدار مرئي نشرته مؤسسة الفرقان الإعلامية، التابعة لديوان الإعلام المركزي لداعش، عقب سقوط الخلافة المكانية في مارس 2019.
وأضاف التحليل أن ظهور أبو بكر البغدادي بجانب المعلومات التي توافرت عن سيرته الذاتية والتي تعتمد إلى حد كبير على كُتيب نشره تركي البنعلي، الشرعي بداعش وأمير مكتب البحوث والدراسات فيه سابقًا، أظهرت صورة واضحة إلى حد كبير عن "البغدادي" أما الخلفاء الذين خلفوه في المنصب فلا يكاد يُعرف عنهم شيء.
ومن الجدير بالذكر أن داعش شهد، سابقًا، سجالا داخليا حول مسألة هوية الخليفة أو الأمير المزعوم، وحُسم هذا الخلاف بعد فتوى لتركي البنعلي أوجبت ظهور خليفة داعش حتى تصح خلافته من منظور الفقه الحركي الذي يتبناه التنظيم، وذلك بحسب شهادات لمنشقين عن داعش نشرتها مؤسستي الوفاء والتراث العلمي.
وأشار الباحث أيمن جواد التميمي، وهو بريطاني من أصول عراقية، في تحليله إلى أن زعيم داعش أبو بكر البغدادي تولى منصب الخليفة لمدة 64 شهرًا من يونيو 2014: مارس 2019، أما أبو إبراهيم القرشي الذي خلفه في منصبه فتولى 28 شهرًا فقط، من أكتوبر 2019 وحتى فبراير 2022، بينما لم يتولى الخليفتين التاليين لهما سوى بضعة أشهر إذ تولى أبو الحسن الهاشمي 7 أشهر فقط من مارس 2022: أكتوبر 2022، وكذلك تولى أبو الحسين الحسيني 5 أشهر من نوفمبر 2022: أبريل 2023، وهو ما يكشف عن المعضلة التي تُعاني منها قيادة داعش العليا التي استنزفت بفعل استمرار حملات مكافحة الإرهاب في سوريا والعراق.
واعتبر التحليل أن مقتل أبو إبراهيم القرشي أطاح بآخر الخلفاء المعروفين لتنظيم داعش، فقد كان "الهاشمي" نائبًا لأبي بكر البغدادي ومسؤولًا عن ديوان الأمن العام الذي يتولى مسؤولية الأمن والاستخبارات في التنظيم، فيما بقيت هوية الخلفاء التاليين محاطة بهالة من الغموض والشكوك.
أبو الحسن الهاشمي.. بين الصميدعي والراوي
وتطرق التحليل إلى هوية أبو الحسن الهاشمي الذي راج سابقًا أنه بشار غزال الصميدعي الذي يُعرف أيضًا بـ"الأستاذ زيد العراقي" وهو أحد قادة الصف الأول في داعش، مضيفًا أن "الصميدعي" كان عضو بجماعة أنصار الإسلام العراقية التي بايع قطاع منها تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين (النسخة الأسبق لداعش)، وبقي جزء منها ناشطًا في جيب صغير بمدينة إدلب.
وأردف التحليل أن هناك شائعات راجت حول كون "الصميدعي" هو نفسه أبو الحسن الهاشمي لكن القبض عليه في وقت لاحق، أثبت أنهما ليسا شخص واحد، كما أن المفاجأة التي فجرها داعش في نوفمبر 2022 حينما أعلن مقتل أبو الحسن الهاشمي، في اشتباكات مع مسلحين محليين في مدينة جاسم التابعة لدرعا السورية، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أنهما شخصيتان مختلفتان.
وألمح التحليل إلى هوية "الهاشمي" التي تكشفت، لاحقًا، موضحًا أنه نور كريم مطني الراوي المنحدر من مدينة راوة العراقية والذي انضم لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، عام 2005، بعد مقتل شقيقه وآخرين من أقرباءه على يد جنود لواء الذئب، وهو لواء للقوات الخاصة العراقية أُسس لمحاربة تنظيم القاعدة ونسخته التالية تنظيم دولة العراق الإسلامية، وحُل في 2014 بعد سيطرة داعش على مدينة الموصل.
واشتُهر أبو الحسن الهاشمي بأسماء مستعارة منها عبد الرحمن العراقي وسيف بغداد، لأنه عمل لفترة كوالي لبغداد ضمن تنظيم دولة العراق الإسلامية، حسبما أورد التحليل.
أبو الحسين الحسيني.. مجهول في حياته وبعد مقتله
وعلى الصعيد ذاته، لفت التحليل إلى شخصية أبو الحسين الحسيني، الذي تولى منصبه بعد مقتل أبو الحسن الهاشمي، قائلًا إن شخصيته أكثر غموضًا من شخصية "الهاشمي"، كما لا تتوافر معلومات عنه سوى ما ذكره المتحدث باسم داعش من أنه كان واحدًا من كبار وقدماء قادة التنظيم.
غير أن الباحث أيمن جواد التميمي لم يجزم بكون "الحسيني" من ضمن القادة المخضرمين لداعش والذين انضموا لنسخه الأسبق (القادة في بلاد الرافدين، وتنظيم دولة العراق الإسلامية) إبان الغزو الأمريكي للعراق، معتبرًا أن الصيغة التي صدر بها خطاب المتحدث السابق باسم داعش- والمعتقل حاليًا لدى هيئة تحرير الشام- لا تُوضح ما إذا كان من القادة المؤسسين للتنظيم أو من القادة الذين انضموا له بعد إعلان الخلافة المكانية في 2014.
وأكد التحليل أن الرئاسة التركية أعلنت مقتل "الحسيني" في عملية لجهاز الاستخبارات الوطني التركي "MIT" في جندريس قرب عفرين في سوريا، لكنها لم تكشف هويته الحقيقية، وكذلك لم تنشر وسائل الإعلام التركية أي معلومات عن هويته، التي تبقى مجهولة حتى الآن.
وبدورها، قالت قناة "فضح عُباد البغدادي والهاشمي" والتي يُديرها منشقون عن داعش إن "الحسيني" هو قيادي عراقي في صفوف داعش، لكنها لم تذكر أي معلومات إضافية حول هويته أو مسيرته داخل التنظيم.
وأعلن تنظيم داعش، في 3 أغسطس الماضي، عبر كلمة صوتية لمتحدثه الحالي أبو حذيفة الأنصاري مقتل أبو الحسين الحسيني، لكنه قال إنه قُتل في اشتباكات مع مسلحين تابعين لهيئة تحرير الشام وليس في عملية لـMIT، مضيفًا أن الهيئة سلمت جثمانه للجانب التركي الذي تبنى العملية بأسرها، كما أنه جرى القبض على المتحدث باسم داعش السابق أبو عمر المهاجر في وقت متزامن مع مقتل "الحسيني".
المستقبل المجهول لداعش
وفي نفس الكلمة الصوتية التي أعلن فيها داعش مقتل أبو الحسين الحسيني، أكد التنظيم أن أهل الحل والعقد، وهو تعبير يستخدمه للإشارة لمجلس شورى التنظيم، اجتمع على اختيار أبو حفص الهاشمي القرشي خليفةً للتنظيم، محاولًا التدليل على صحة بيعته بالخلافة عن طريق عدد من الأقوال التراثية.
واسترسل التحليل أن صيغة الخطاب الذي ألقاه المتحدث الحالي باسم داعش قد يُفهم منها وجود خلاف داخل قيادة التنظيم على اختيار أبو حفص الهاشمي خليفةً للتنظيم، وهو الأمر الذي قد يظهر بشكل أكبر في الفترة المقبلة.
وذهب إلى أنه من غير المرجح أن ينتقل خليفة داعش أبو حفص الهاشمي إلى مكان آخر خارج سوريا والعراق لأن تلك المنطقة تبقى مركز التنظيم ومعقل قيادته.
وعلل التحليل مقتل خلفاء داعش المتعاقبين بالبيئة الأمنية المعقدة التي ينشط فيها التنظيم داخل سوريا والعراق، مردفًا أن التنظيم وقيادته يواجهان مستقبًلا مشوبًا بالضبابية، لكنه لم ينتهِ أو يُقض عليه تمامًا حتى الآن، بل يُجدد كل مرة تأكيده أنه سيواصل القتال ولن يستسلم وهو ما يُفهم من صور البيعات التي نشرها التنظيم لأتباعه في عدد من دول العالم.
خبراء: تولية الخلفاء المجهولين قد يشق صفوف داعش
ومن جانبه، قال منير أديب، الخبير في الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي إن هناك بُعدين لعملية تولية خلفاء مجهولين أو خلفاء ظل داخل تنظيم داعش، أولهما أن الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي لحرب داعش نجحا في قتل 4 من خلفاء التنظيم في مدة قصيرة لا تتجاوز العامين فضلًا عن الإطاحة بأبي بكر البغدادي، خليفة داعش الأسبق، في عملية عسكرية أمريكية في أكتوبر 2019.
وأضاف "أديب" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن البعد الثاني هو أن داعش صار محصورًا في بقعة جغرافية ضئيلة بعد السيطرة على معاقل خلافته المكانية سواء في العراق أو سوريا وخارجهما، ولذا فإن قادة التنظيم ليس لهم ملاذ آمن يؤيهم في الوقت الحالي، وغالبيتهم يتواجدون في مناطق بشمال وشمال شرق سوريا أو في مناطق نائية وغير حضرية في العراق وهو ما يجعلهم في تهديد دائم حتى أن غالبية هؤلاء القادة يتواجدون في مخابئ مجهزة لهم أو في بعض البيوت التي تبدو ظاهريًا غير تابعة للتنظيم لكن يتم تتبعهم واستهدافهم وهو ما حصل مع أكثر من خليفة وقيادي لداعش.
وأشار الخبير في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي إلى أن داعش يلجأ لاختيار خلفاء ظل أو خلفاء مجهولين حتى لا يكونوا معروفين لقوات التحالف الدولي أو حتى لأجهزة الأمن والاستخبارات الإقليمية والمحلية لأن هذا قد يوفر بعض الأمان لخلفاء داعش ويحول دون معرفة وتحديد هويتهم الحقيقية من قبل خصوم التنظيم.
وأوضح "أديب" أن غالبية قيادات داعش البارزين تم استهدافهم وتحييدهم ولم يعد هناك سوى عدد محدود من القيادات القادرة على إدارة شؤون التنظيم في الوقت الراهن، وبالتالي فإن الإعلان عن هوية خليفة داعش سيؤدي إلى تحديد شخصيته وتتبعه من قبل أجهزة الاستخبارات، ولذا فإن التنظيم يلجأ إلى استخدام الكنى والأسماء الحركية ثم يتبعها بنسبة "الهاشمي" أو "القرشي" لأن التنظيم يعتمد على أدبيات حركيات تفرض أن يكون شخصية الخليفة أو الأمير قرشي.
ولفت الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب الدولي إلى أن خلفاء الظل أو الخلفاء المجهولين يتناقض مع أدبيات داعش التي تشترط أن يكون شخصية الخليفة معروفة، وهذا يطعن في شرعية تولي هؤلاء الخلفاء للإمارة فلا تصح بيعتهم وفق القواعد التي يستند إليها التنظيم، منهيًا كلامه بـ": "هؤلاء خلفاء مجهولون أو خلفاء مخفيين لتنظيم ظل".
وفي نفس السياق، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، إن قادة التنظيمات والجماعات المسلحة يكون لهم سمت معين في غالب الأحيان، فهم في الغالب شخصيات لديها قدر من الكاريزمية والحضور الذي يمكنهم من السيطرة على أتباعهم، مضيفًا أن هذا كان موجود في عدد من قادة الصف الأول في تنظيم داعش، وجرى الإطاحة بهم على مدار السنوات الماضية في العمليات التي شنها التحالف الدولي وغيره من القوى المنخرطة في محاربة داعش.
وأشار "بان" في تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم" أن المجموعة المسيطرة على تنظيم داعش في الوقت الحالي مجموعة ضعيفة وبالتالي فإنها تلجأ إلى تجهيل هوية الخليفة أو الأمير حتى تضفي عليه حالة من الغموض التي يمكنها من رسم صورة كاريزمية له مع التذرع بأن تجهيل هويتهم هو من باب الضرورات الأمنية التي توجب إخفاء شخصية الخليفة الداعشي حتى لا يتعرض للاستهداف والقتل من قبل خصوم التنظيم.
وتابع الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية أن الشروط التي يحددها الفقه الحركي الذي تتبناه التنظيمات الجهادية تنص على أن شخصية الخليفة أو الأمير يجب أن تكون معروفة لأن بيعة المجهول لا تصح، مؤكدًا أن إخفاء هوية الخليفة الداعشي يخصم من رصيد قيادة داعش العليا ويشكك في كفائتها لإدارة التنظيم كما أنه قد يدفع ببعض العناصر إلى الانشقاق عن داعش احتجاجًا على تولية خليفة مجهول وهو ما يعني أن التنظيم سيتشظى وينقسم على ذاته.