شرعت وزارة العدل في إجراء إصلاحات رئيسية للقوانين المنظمة والسياسات العامة ، وتمكنت من سن تشريعات ،وصياغة قوانين التسجيل الشخصي والعيني ،والمجتمعات العمرانية لتأمين حقوق الملكية لما لقانون الشهر العقاري أهمية كبيرة، فيعد في مقدمة القوانين التي تمس مصالح الجماهير فهو ينظم شأنا هاما من شئونهم حينما ينزلون على حكمه بوجوب شهرأو تسجيل ملكياتهم , ولأنه كانت الغاية من هذا القانون أو التعديلات التي تمت هي تحقيق مصلحة عامة تتمثل في تهيئة سبيل العلم للكافة بما وقع من تصرفات على الأعيان التي يتعاملون فيها ووضوح الرؤية دون ريب ، فإن السبيل إلى تحقيق تلك الغاية، كان لزاما أن يكون ميسرا بعيدا عن التعقيد و لا يحمل ذوي الشأن مالا يطيقون، ومن ثم وبعد مرور أعوام كثيرة على قانون تنظيم الشهر العقاري، الذي شهد تعديلات تشريعية من الأنظمة المختلفة ، فقد جرت مراجعة أحكامه على ضوء ما كشف عنه التطبيق لتعديل ما تدعو الحاجة إلى تعديله من هذه الأحكام أو تدارك أوجه النقص فيها ، من خلال محاولات وزارة العدل الدائمة لعلاج أزمة التسجيل العقاري والتي تمتد تاريخيا الى العام 1902 ، وهي أول محاولة تشريعية لحل الأزمة ، التي انتهت بالفشل وتكررت عام 1920 وانتهت بسن تشريعين لأول مرة بعد ثلاث سنوات من العمل به ، ثم أخرجت القانون رقم 18 والقانون رقم 19 لسنة 1923 فيما يعرف ( بالتسجيل المزدوج) ، و فشلا أيضا في علاج الأزمة بسبب إزدواجية التسجيل العقاري بين المحاكم المختلطة والمحاكم الوطنية ، وفي عام 1946 أثار وزير العدل الدكتور محمد كامل مرسي باشا ضرورة توحيد جهات التسجيل العقاري المزدوجة في جهة واحدة مستقلة ، وعلى الرغم مما واجهه من صعوبات واعتراضات من بعض الجهات إلا أنه نجح في النهاية وأقتنع ملك مصر برؤيته التشريعية الجديدة ذات الجذور الفرنسية ، لعلاج الأزمة ، ووافق على إنشاء مصلحة الشهر العقاري والتوثيق بموجب القانون رقم 114 لسنة 1946 ، كمصلحة قائمة بذاتها تتبع وزير العدل وفقا لنص المادة الأولى من قانون إنشاء الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 ، وتضمنت المذكرة الإيضاحية، إن الهدف التشريعي من القانون الجديد هو توحيد وتنظيم جهات و عمليات التسجيل العقاري في جهة واحدة مستقلة، وفقا لأحكام قانونية محددة وتنظيم هيكلي معين ، للقضاء على معوقات التسجيل العقاري وقتها ، وان كانت الأزمة ليست بالوضع الذي آلت إليه ، إلا أن العلاج كان دائماً وحصرياً هو علاج تشريعي شامل ، وتضمنت المذكرة الإيضاحية بأن المصلحة المستحدثة تعتبر نواه لإنشاء هيئة قانونية مستقلة مستقبلا تختص حصريا دون غيرها بمسئولية نقل وحماية الملكيات العقارية كتطور تشريعي ومنطقي لعلاج أزمة انهيار منظومة التسجيل وضعف استقرار الملكية العقارية في مصر ، لذلك وجه الزعيم جمال عبد الناصر في آواخر الستينيات بالعمل على استقلال الشهر العقاري والتوثيق كهيئة مستقلة .
و ناقشت جميع المجالس النيابية المتناوبة عبر أربعين عاما استقلال الشهر العقاري وإعادة هيكلته فنيا وإداريا ،و تطويره وتحديثه وفقاً لضوابط نص المادة ١٩٩ من دستور مصر والتي نصت على أن " الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم ، ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم ، على النحو الذى ينظمه القانون" ،وانتفض مجلس النواب عام ٢٠١٩ بسبب أزمات ومشاكل الشهر العقاري والتوثيق المتجددة آنذاك ، واتجه وقتها إلى استقلال الشهر العقاري والتوثيق ، وقدم العديد من مشاريع القوانين لتحويل القطاع الي هيئة مستقلة أسوة بجميع دول العالم لمعالجة الأزمات المتراكمة والتي انتهت الي ادخال تعديلات على احكام القانون ١١٦ لسنة ١٩٤٦والتي حظر فيها المشرع شهر الملكية العقارية، إذا خالف المواطن ما جاء بها ومنها وظهر هذا التعارض والتناقض فى القانون رقم ١٨٦ لسنة ٢٠٢١ والذي آثار جدلا واسعا آنذاك ، فلم يلبي طموحات المجتمع ، ولم يعالج ما كشف عنه تطبيق التشريع ، مما أدى إلى إجراء تعديلات أخري ، وانتجت في النهاية القانون رقم ٩ لسنة ٢٠٢٠،الذي دخل حيز التنفيذ في السابع من مايو من العام الماضي ،والتي أظهرت احصائيات الطلبات المقدمة ، والمشهره منها والمرفوض، عن مواضع الخلل في التطبيق العملي له علي الرغم من التسهيلات لتجاوز العقبات التي وصلت إلي حد الإستغناء عن "أساس الحيازة" ليقابله تصعيد و تعقيد في صفحة بيانات العقار، وحيث أن الخطأ في إدخال بيانات عقار لا يمكن تداركه إلا من خلال الموافقة على التصحيح من قبل لجنة مركزية بالمصلحة، بالإضافة إلى اشتراط البرنامج لأرقام تنظيم العقارات وهو غير متاح في العديد من المحافظات وخاصة الوجه القبلي ، الأمر الذي يؤدي إلى لجوء المواطنين بإدراج أرقام عشوائية بالرفع المساحي وتكون النتيجة رفض الطلبات .
بات من الضروري لمواكبة الجمهورية الجديدة، وتشجيع الإستثمار وزيادة الحصيلة الدولارية ، أن يسعي القائمين على إدارة الشهر العقاري العمل علي إصلاح نظام ملكية الأراضي، وتحديث نظام إدارتها، وتحسين تقديم الخدمة، وتعزيز آمن للملكية،وتهيئة البنية التحتية لمأموريات الشهر المنشأة منذ الستينيات، وتنفيذ تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي بإنشاء مأموريات بالمجتمعات العمرانية الجديدة، والإهتمام بالعنصر البشري ماليا ومعنويا ،وصرف مستحقاته المالية ، وعلاج المشاكل الفنية في السيستم ، وتوحيد المساحة المدنية والعسكرية ، والعمل على تطابق البيانات ،ووجود ممثل من الجهتين ، والغاء نموذج ١٠ ، وتعديل برنامج الشهر وإتاحة الطلبات الموضوعية مثل خط التنظيم حسب كل محافظة علي حدة ، وكذلك عمل تسوية للعقارات ، بجانب تعديل البيانات في المكاتب بدلا من اللجوء إلى رئاسة المصلحة
واخيرا وليس آخرا الحكم على نجاح اى عمل تشريعى يقوم على ما يحققه من فائدة حقيقية للشعب ، وما يدفعه من ضرر وما يرسيه من أساس للمستقبل ، في تحقيق المعايير الحاكمة للتشريع بأن يكون ترتيب شئون المجتمع على نحو يتسم بالجدية والرشد والعقلانية ، ويعبر عن المصالح الإجتماعية الراجحة في المجتمع ، ومن ثم فإن جوهر التشريع الرشيد يقوم علي الموازنة بين المصالح بما يحقق التوفيق بينها إلي أقصى حد مستطاع ، ويحقق المستهدف ، ألا وهو خير المجموع ، تحقيقا لإستمراريته ونزوعا به إلى العدل المطلق قدر الإمكان لتنظيم العلاقات الإجتماعية وتتحقق العمومية والتجريد من الناحية العملية.