شهدت العلاقات السعودية الإيرانية على المستوى التجاري والاقتصادي تطورًا ملحوظًا بعد دخول أول قطار حاويات روسي إلى الأراضي السعودية من خلال إيران، بعد ما يقرب من سبع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران.
ونجحت الصين في جمع الطرفين معًا لاستعادة علاقاتهما التي يمكن أن تفتح مرحلة جديدة في العلاقات بين دول العالم ومنطقة الخليج بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، مما سيؤثر على المشهد السياسي والاقتصادي والإنساني، ويضع حدًا للتدهور الحاد الذي تشهده المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وترصد «بلدنا اليوم» أبرز القضايا الخلافية بين البلدين، واحتمالات استئناف الدبلوماسية لحل النزاعات؟ والدوافع السعودية والإيرانية لتوقيع الاتفاق؟ وآفاق التعاون السعودي الإيراني وتأثيره على المستوى الإقليمي؟
القضايا الخلافية بين البلدين
كان انتصار الثورة الإسلامية في إيران حدثا محوريا في إعادة تشكيل العلاقة بين السعودية وإيران، فقبل الثورة كانت العلاقة بين البلدين جيدة على الرغم من بعض القضايا المتعلقة بالتوترات الطائفية، وقضايا الحج، والنزاعات الحدودية في الخليج، والتنافس على النفوذ في المنطقة، كان ذلك في الوقت الذي كانت فيه المنطقة لا تزال تحت المظلة الأمريكية.
وفرضت الولايات المتحدة نفوذها على منطقة الخليج بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعد الإطاحة بحكومة محمد مصدق في إيران عام 1953، واعتماد "قرار أيزنهاور"، عقيدة عام 1957، من أجل مواجهة الاتحاد السوفييتي والأنظمة الاشتراكية والقومية العربية وحركات التحرر الوطني في المنطقة.
وبعد الثورة الإسلامية، أصبحت الولايات المتحدة عدوًا لإيران، على الرغم من أن طهران لم تقف إلى جانب الاتحاد السوفييتي، ومنذ ذلك الوقت، بدأت الخلافات تتراكم بين السعودية وإيران، بسبب اختلاف توجهات البلدين تجاه القضايا الكبرى، والتي كان أبرزها الموقف من الهيمنة الأمريكية في المنطقة، خاصة وأن السعودية حليف قوي للولايات المتحدة منذ عام 1945.
أحكام وشروط الاتفاقية
وتشهد المنطقة في السنوات الأخيرة تحولات توحي بانخفاض حدة التوتر بين السعودية وإيران، وهو ما دفعهما للبحث عن حلول لقضاياهما الخلافية في المنطقة، وأبرزها الحرب في اليمن.
ويأتي هذا التراجع في التوتر بين البلدين في وقت يتولى فيه الديمقراطيون السلطة في الولايات المتحدة؛ كما أن الحزب الديمقراطي سبق أن أعطى الأولوية للدبلوماسية في التعامل مع الملف النووي الإيراني.
وأجرت إدارة بايدن مفاوضات مع إيران وكانت قريبة من توقيع اتفاق مع طهران، إلى أن اندلعت المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا ودفعت الولايات المتحدة إلى تأجيل الاتفاق، علاوة على ذلك، فقد تبنت الإدارة "الديمقراطية" الأميركية بالفعل خيار الانسحاب من الشرق الأوسط من أجل التركيز على أوروبا الشرقية وشرق آسيا ضد روسيا والصين.
وفي ظل هذه التحولات، تراجع الرهان السعودي على احتمال تبني الولايات المتحدة للخيار العسكري ضد إيران، ومن ناحية أخرى، كان للعقوبات الأمريكية على إيران تأثيرها على الاقتصاد والمجتمع الإيراني، بالإضافة إلى ذلك، خلقت الولايات المتحدة حالات أزمة في بعض دول المنطقة التي تعتبر مهمة بالنسبة لإيران، وخاصة العراق.
الاتفاق السعودي الإيراني: الآفاق والخيارات
ومع أخذ هذا المشهد العالمي والإقليمي والمحلي في الاعتبار، يمكن تحديد آفاق مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية، ودور الاتفاق وانعكاساته على مستقبل منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وهذا يتطلب معرفة ما تريده السعودية وإيران من الاتفاق.
وترتكز التطلعات السعودية على قضيتين على الأقل، تعتمد الأولى على التحولات المجتمعية الداخلية الكبرى في السعودية، والدور الاقتصادي والجيوسياسي الذي تطمح القيادة السعودية الجديدة إلى لعبه على المستويين الإقليمي والدولي، في إطار رؤية المملكة 2030.
وتدعو هذه الاستراتيجية إلى إعادة تنظيم العلاقات مع الجيران ومع القوى الدولية وفق رؤية عملية توسع آفاق التعاون وتعزز المصالح مع مختلف الأطراف الإقليمية، وفق نهج وطني سعودي يركز على المصالح الوطنية المحلية على حساب القضايا والاهتمامات العربية والإسلامية.
وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية لها دور محوري في العالم الإسلامي، انطلاقًا من جغرافية الرسالة المحمدية، والثاني هو تحول المشهد الإقليمي والدولي وصعود دور القوى الكبرى الأخرى في النظام الدولي، خاصة الصين وروسيا، والابتعاد عن النظام الأحادي القطب الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، وما يصاحبه من تغيرات.
وأثر هذا التحول على ميزان القوى وأدوار القوى الإقليمية في الشرق الأوسط، ويأتي ذلك بعد فشل الولايات المتحدة في إخضاع المنطقة وإدارتها وحل صراعاتها؛ بل على العكس من ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة قادت المنطقة إلى مزيد من الأزمات والانقسامات والصراعات والتخلف على كافة المستويات، إضافة إلى ذلك، لا تزال المنطقة تعاني من الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لم تتمكن السعودية من إيجاد حل له من خلال موقفها المعتدل الذي عول على علاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة.
ومن وجهة النظر السعودية، فإن التدخل في الشؤون العربية، وتصدير الثورة، والبرنامج النووي الإيراني، ومواجهة المصالح الأمريكية في المنطقة، والتهديدات لأمن الخليج ودعم بعض جماعات المقاومة ضد إسرائيل، كلها قضايا أثارت التوتر مع إيران.
ومن المنظور الإيراني، التحالف بين السعودية والولايات المتحدة، وجود القواعد الأمريكية في الخليج، التعبئة الطائفية ضد إيران، انتشار الفكر السلفي، العداء لبعض جماعات المقاومة في العالم العربي تحت راية الاعتدال، ولعبت حرب اليمن، ومؤخرا ميل الرياض إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، دورا في جعل طهران تتخذ موقفا سلبيا تجاه السعودية.
أفضل الخيارات للمنطقة
يبدو أن الاتفاق السعودي الإيراني يواجه نتائج مختلفة، تتراوح بين علاقات دبلوماسية مؤهلة بين البلدين، دون حل عدد من القضايا الخلافية المحورية بينهما، خاصة تلك المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، والوجود العسكري الأمريكي، وفي الخليج والدور الإيراني في الصراع مع إسرائيل، والاتفاق على هذا الأساس المشروط من شأنه أن يسهم في استمرار إنهاك المنطقة، مع استمرار الصراعات والانقسامات.
كما أن علاقات دبلوماسية تتضمن حلولًا للقضايا الخلافية العديدة وتداعياتها في المنطقة، ويعتمد تحقيق هذه النتيجة الثانية على اتفاق الطرفين على مقاربة مشتركة لمستقبل المنطقة تأخذ في الاعتبار مصالحهما المشتركة بحكم الجغرافيا والتاريخ والثقافة والدين المشترك.
ومثل هذه الأرضية المشتركة يمكن أن تستمد القوة من فشل الولايات المتحدة في إدارة شؤون المنطقة وإحلال السلام العادل فيها، وفشل قواعدها العسكرية في توفير الأمن للسعودية وجميع دول مجلس التعاون الخليجي، كما ثبت بسبب حرب اليمن وفشل مفاوضات السلام في استعادة أبسط حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه ومنح الدولة الفلسطينية المستقلة.
كما يأخذ مثل هذا الموقف في الاعتبار التحولات الدولية والإقليمية، وتراجع مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والاستراتيجية في النظام العالمي، وصعود قوى أخرى تتبنى توجهات أكثر توازنا في تعاملها مع الشعوب الأخرى، مما يجعلها تسعى إلى تحقيق أهدافها، دور في المنطقة يقوم على المصالح المتبادلة، وليس على الهيمنة واستغلال الثروات وتدمير الثقافات المحلية.
وفي حال الاتفاق بين السعودية وإيران بما يتماشى مع النتيجة الثانية المبينة أعلاه، فإن معظم القضايا الخلافية بين البلدين ستختفي، إذ لن يكون هناك أي مبرر للانحياز إلى السياسة الأمريكية في المنطقة، ولا للانحياز إلى التسامح مع وجود القواعد العسكرية الأميركية، ولا التطبيع العربي مع إسرائيل، وهذا من شأنه أن يفتح الأبواب في المنطقة لمزيد من التقارب بين العرب وإيران وتركيا، مما يعيد التوازن إلى المنطقة.
السفير رخا أحمد: العلاقات السعودية الإيرانية تأخذ مجرها الطبيعي
قال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخاريجية الأسبق، وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، إن العلاقات السعودية الإيرانية تأخذ مجرها الطبيعي، ولذلك بعد عودة العلاقات سعوا إلي إحياء جميع الاتفاقات السابقة.
وأضاف عضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، تصريحات خاصة لـ"بلدنا اليوم": إن من المتوقع تعاون أكبر خلال الفترة القادمة، قائلا:"مؤخرًا عقد مؤتمر قمة لدول آسيا الوسطي مع دول الخليج العربي، وتم الاتفاق على إنشاء خط سك حديد يمر بدول آسيا الوسطي لإيران.
وأردف السفير رخا: إن العلاقات بين إيران ودول الخليج تشهد تطورًا من ناحية، ودول آسيا الوسطى من ناحية أخرى.
وتابع أن وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، صرح عندما عادت العلاقات بين طهران والرياض, أن بلاده تنتظر مزيدًا من التعاون مع دول الخليج وآسيا الوسطى
وأوضح أن اتجاه العلاقات بين إيران والسعودية يسير عكس ما تروجه الولايات المتحدة الأمريكية، بأن إيران هي الخطر علي دول الخليج.
ويري السفير رخا أحمد, أن العلاقات الإيرانية السعودية ستشهد تطورًا كبيرًا حال تسوية الأزمة اليمنية.
اقرأ أيضًا| خاص| خبراء يكشفون لـ«بلدنا اليوم» أبرز السيناريوهات المتوقعة لنهاية الحرب بين موسكو وكييف