يعاني الاقتصادي المصري في الفترة الأخيرة من التضخم وتراجع سعر الجنيه المصري مقابل الدولار والعملات الصعبة الأخرى، خاصة بعد تداعيات فيروس كورونا التي خرجت منها الموازنة المصرية واهنة، ثم جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتزيد من أوجاعها، حيث أثارت قضية عجز الموازنة وارتفاع الدين العام، العديد من، خاصة بعد ارتفاع إجمالي الإيرادات العامة لمصر مع زيادة الدين العام وعجز في الموازنة، ورغم ارتفاع معدل الإيرادات إلا أن زيادة الدين وعجز الموازنة كان له الصدى الأكبر على آذان المهتمين بالشأن الاقتصادي المصري والمواطنين.
وناقش المحور الاقتصادي في الحوار الوطني مشكلة الدين العام وعجز الموازنة والإصلاح المالي، للبحث عن إجراءات جديدة للقضاء على عجز الموازنة التي تعاني منه الدولة المصرية لتخفيف الأعباء المالية التي تتحملها الموازنة العامة للدولة، من خلال استكمال تنفيذ الإصلاحات المؤسسية والتشريعية بجانب الإصلاح المالي والنقدي.
وفي هذا الصدد تحدثت بلدنا «بلدنا اليوم» إلى عدد من الخبراء والمسئولين للوقوف على مشكلة عجز الموازنة والدين العام لمعرفة الأوضاع الحالية والحلول المقدمة للخروج من هذه الأزمة، حيث قال الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن زيادة حجم الدين يمثل مشكلة بسبب وصوله لأرقام ضخمة، مشيرًا إلى أن المشكلة الأكبر من هذه أن الدين الداخلي والخارجي تضخم بشكل كبير وفي نفس الوقت مصر ليست لديها الموار التي تجعلها تسد هذه الديون بسهوله.
الدكتور رشا عبده: الدولة تبيع الأصول لتسدد الديون والمشترون يتشرطون
وأضاف الدكتور رشاد عبده، أن دين مصر الداخلي وصل إلى حوالي 8 تريليون، وكل عام لدينا عجز في الموازنة، مؤكدًا على أن العام الماضي كان عجز الموازنة 483 مليار، وهذا العام 520 مليار جنيه متسائلًا متى يتم السداد وكل عام عجز الموازنة يتزايد؟، مؤكدًا على أن الدين الخارجي أيضًا نفس الشيء، كل عام في زيادة لأن حجم المديونية وصل إلى أرقام كبيرة جدًا وفي نفس الوقت ليس لدينا إيرادات يتم من خلالها السداد.
وأشار "عبده" إلى أن الدولة لا تعلن حجم الدين الخارجي وأنه يوجد حديث الآن أن الدين يتراوح ما بين 170 إلى 180 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن هذا رقم ضخم جدًا خاصة أن مصر لديها مشكلة أخرى وهي فوائد الديون أو خدمة الدين التي تُقدر بأرقام مرعبة ومن أجل هذا اضطرت الحكومة إلى عمل وثيقة ملكية الدولة من خلال بيع الفنادق والشركات والبنوك من أجل السداد بسبب كبر حجم المديونية.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الصناديق السيادية الخارجية التي ستشتري تلك الأصول بدأت تتشرط وتطلب تخفيض قيمة الجنيه من أجل أن تشتري "بالرخيص"، لافتًا إلى أنه عندما يكون لدينا فوائد مديونات هذا العام 17.6 مليار دولار، والعام القادم فوائد وأقساط 24.2 مليار هذا يعد رقمًا كبيرًا، مؤكدًا على أن إيرادات مصر قليلة خاصة أن حجم الدولة وعدد سكانها كبير وتستلزم مستلزمات انتاج ومأكل ومشرب بأرقام ضخمة، ومن أجل هذا فإن المسألة صعبة جدًا.
ولفت رشاد عبده، إلى أن الحكومة عندما تقول أنها ليست لديها أموال لمأكل وملبس وتأمين حياة المواطن البسيط بشكل عام، فإن هذا بالفعل يشعر المواطن بخطورة الموقف، مطالبًا الحكومة بالرد على المشككين في أن مصر ستعلن إفلاسها وتقنع المواطن بأنها لن تدخل على إفلاس.
وأكد أن مصر دولة كبيرة وعظيمة ولديها موارد كافية لتغطية متطلباتها، ولو كان هناك حسن إدارة لهذه الموارد فإنها ستغطي كافة احتياجاتها دون اللجوء إلى المساعدات الخارجية أول الاقتراض، مطالبًا بضرورة وجود حلول ناجعة لعملية التخلص من الديون وعجز الموازنة من خلال العمل والزراعة وجذب الاستثمارات لتحقيق إيرادات حقيقية من أجل حل المشكلة.
واختتم أن سلبيات المديونات بالفعل تؤثر بشكل كبير على المصريين لأنها تأكل جميع الإيرادات والموارد وتجعل الدولة غير قادرة على عمل تنمية وخطط ورؤى جديدة، فضًلًا عن أنها تجعل الدول غير قادرة على تغطية احتياجات شعبها من السلع الأساسية والغذائية خاصة إذا كانت الإيرادات ضعيفة.
النائب مصطفى سالم: العالم كله يعاني من الدين وعجز الموازنة
من جانبه قال النائب مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن الحوار الوطني أقام جلستين لمناقشة موضوع الدين العام وعجز الموازنة، تقديرًا لأهميته فضلًا عن أنه في هذه الفترة يشغل ويمس المواطن بصورة مباشرة، مضيفًا: أن الأزمة موجودة في مصر منذ عشرات السنين، وليست وليدة اللحظة، وأن مشكلة الدين العام وعجز الموازنة لا تعاني منها الدولة المصرية فقط، بل العالم بأسره، ولم تُستثنى الدول المتقدمة منها.
وأضاف النائب مصطفى سالم، أنه وفقا لآخر البيانات الصادرة من وزارة المالية في مارس 2023 بأن حجم الدين الحكومي الداخلي والخارجي وصل إلى 9.4 تريليون بنسبة 95.9% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ حوالي 9.8 تريليون، أن الحكومة المصرية التزمت بسداد جميع الأقساط والأعباء المترتبة عليها.
وأوضح أنه بعد أحداث 2011 حدث عدم استقرار سياسي وأمني ترتب عليه ضعف في الأوضاع المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى الضعف في البنية التحتية من عشرات السنين، حيث أنه لم يكن هناك اهتمام من الحكومات المتعاقبة، مشيرًا إلى أن مصر كانت في حاجة إلى إنشاء مشروعات جديدة متعلقة بالمياه أو الصرف أو الغاز أو الكهرباء أو الطرق.. إلخ، مؤكدًا على أن هذه المشروعات تحتاج إلى تمويلات وتكاليف ضخمة في ظل محدودية الإيرادات وزيادة المصروفات، فكانت الحكومة المصرية تلجأ إلى الاقتراض من الخارج لإقامة هذه المشروعات.
وتابع أن الأحداث العالمية الأليمة التي حدثت بدايةً من أزمة فيروس كورونا، ومعدلات تضخم في الأسواق العالمية، والأزمة الروسية الأوكرانية، وانسحاب الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، كل هذا كان له أثر عميق في كل الدول ومنهم مصر بالتأكيد.
وأشار "سالم" إلى أن رفع سعر الفائدة وانخفاض قيمة العملة يؤدي إلى ارتفاع حجم الدين حتى لو لم تقترض الدولة قروضًا جديدة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة وسلاسل الشحن والنقل وخلافه، مع عدم التوازن في الميزان التجاري بين الصادرات والواردات، لأن وارداتنا أكثر بكثير من صادراتنا، حيث معظم سلعنا مستوردة من الخارج، ونتيجة لكل هذه المشاكل ترتب عليها زيادة عجز الموازنة وزيادة الاقتراض.
وذكر النائب مصطفى سالم عددًا من الحلول، منها ضرورة منح الحوافز للمستثمرين لجذب الاستثمارات سواء على المستوى الأجنبي أو المستوى المحلي، أي إنشاء إصلاحات حقيقية لتحسين الأوضاع في الصناعة وتمكينها لزيادة الصادرات، لافتًا إلى أن تحسين الإيرادات الضريبية ليس عن طريق فرض رسوم جديدة ولكن زيادة الإيرادات من خلال تحسين المنظومة الضريبية الإلكترونية وضم الاقتصاد غير الرسمي، ورفع كفاءة القائمين على تحصيل الضرائب، أي العديد من الإجراءات التي تؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية دون فرض إيرادات جديدة.
وأكد النائب على ضرورة الإسراع في تفعيل وثيقة سياسة ملكية للدولة بشكلٍ أفضل وأسرع، وصندوق مصر السيادي، والاستفادة من الأصول المملوكة من الحكومة المصرية، ورفع العائد على الاستثمارات من هذه الأصول، مثل هيئة الأوقاف التي تبلغ الأصول الخاصة بها حوالي تريليون ونصف، والعائد منها حوالي 2 من الألف فقط، واللجوء إلى طرح الشركات اللي في العاصمة الإدارية أو العلمين في صورة صكوك طويلة الأجل.