في اطار زيارة الرئيس السيسي الي مدينة سان بطرسبرج بروسيا الاتحادية، للمشاركة في فعاليات النسخة الثانية من القمة الأفريقية الروسية نستعرض تاريخ العلاقات الروسية المصرية على المستوى الدبلوماسي، من خلال المسيرة الطويلة التي قطعها المصريون والسوفيت في إطار جهودهم لتوطيد العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين .
تاريخ تأسيس العلاقات الدبلومسيه بين الدولتين
يعود تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر الي 26 أغسطس 1943. وشهدت العلاقات بين الدولتين تغيرات جدية، كما تغيرت أولوياتها على الصعيدين الخارجي والداخلي علي مر التاريخ. وأصبحت روسيا ومصر اليوم شريكتين على الصعيدين الثنائي والدولي.
البداية جاءت في كتب بيلياكوف: بدايات تاريخنا المشترك تعود إلى فبراير عام 1943 عندما قام نشأت باشا سفير مصر في لندن بدعوة إيفان مايسكي سفير الاتحاد السوفيتي المفوض لدى بريطانيا لتناول طعام الإفطار بمقر إقامته واقترح عليه العمل على إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية بين دولتيهما، وبدوره أوصى السفير السوفيتي الحكومة المصرية ،التي كان يترأسها في ذلك الوقت النحاس باشا، رئيس حزب الوفد، بتوجيه طلب بذلك إلى العاصمة السوفيتية موسكو.
وأوضح أنه في 29 مارس عام 1943 وافقت الحكومة المصرية على هذه الخطوة، واعتمدت قرارًا بها في 30 يونيو من العام نفسه، وفي التوقيت ذاته كان إيفان مايسكي، تلقى استدعاء للقدوم إلى موسكو، وبينما كان في طريقه إلى أرض الوطن توقف في القاهرة وقام بزيارة النحاس باشا يوم 5 يونيو.
وتأتي نقطة البداية الأولى للتعاون المصري الروسي في أغسطس عام 1948 حين وقعت اول اتفاقية اقتصادية حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي, وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة كان أبرزها بعد ثورة يوليو عام 1952 حين قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وتشييد السد العالي.
عهد الرئيس عبد الناصر
بلغت العلاقات الثنائية ذروتها في فترة الخمسينات – الستينات من القرن العشرين حين ساعد آلاف الخبراء السوفيت مصر في إنشاء المؤسسات الانتاجية، وبينها السد العالي في أسوان ومجمع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الاسكندرية. وتم في مصر إنجاز 97 مشروعا صناعيا بمساهمة الاتحاد السوفيتي, وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية. وتلقت العلم أجيال من اولئك الذين يشكلون حاليا النخبة السياسية والعلمية والثقافية في بلاد الأهرام، ومن بينهم الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي تخرج من أحد المعاهد العسكرية السوفيتية.
اتخذ الرئيس السادات قراره في صيف 1972 بإنهاء عملهم، لكن ظل بعضهم في مصر يكمل مهامه حتى يناير 1973.
وعلى الرغم من التوتر الذي شهدته العلاقات في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات وإنقطاعها تماما حتى سبتمبر 1981 فانها بدأت في التحسن التدريجي في عهد الرئيس مبارك.
عهد الرئيس مبارك
وكانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991, وتتطور العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني, وجاءت الزيارة الرسمية الأولي للرئيس مبارك إلى روسيا الاتحادية في سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصري الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون, وقام حسني مبارك بزيارتين الى روسيا عام 2001 و 2006 وأعدت خلالهما البرامج طويلة الأمد للتعاون في كافة المجالات والبيان حول مبادئ علاقات الصداقة والتعاون.
وقد قام الرئيس فلاديمير بوتين بزيارة عمل الى القاهرة في 26-27 أبريل 2005. وصدر في ختام المباحثات الثنائية التي جرت في القاهرة البيان المشترك حول تعميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية وجمهورية مصر العربية والذي يؤكد طبيعتها الاستراتيجية. واتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر 2005 للمرة الاولى في تاريخها قرارا باعتماد سفير روسيا في جمهورية مصر العربية بصفته مفوضا مخولا لدى جامعة الدول العربية.
وفي نوفمبر 2006 وصل الرئيس المصري السابق حسني مبار إلى موسكو فزيارة رسمية. وكان الوفد المرافق له يضم كلا من وزير الاعلام ووزير الصناعة والتجارة ووزير الاستثمار إلى جانب وزير الخارجية.
قام وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خريستينكو بزيارة إلى القاهرة في 10-11 ابريل 2007. وتم توقيع مذكرة التفاهم في مجال إنشاء منطقة صناعية خاصة يساهم فيها الرأسمال الروسي. وتم التركيز الخاص على هذه المسألة خلال المباحثات التي أجراها رئيس وزراء جمهورية مصر العربية أحمد نظيف مع نظيره فلاديمير بوتين، وذلك أثناء زيارته إلى موسكو في 10-13 نوفمبر 2007. ومن الممقرر ان يبنى في المنطقة الصناعية الروسية معمل لصنع قطع الغيار للسيارات والطائرات ومشاريع الطاقة الروسية. وقد خصصت مصر قطعة ارض لإنشاء هذه المنطقة في ضاحية الاسكندرية برج العرب.
أصبح موضوع التعاون في ميدان الطاقة الذرية الموضوع الرئيسي للمباحثات التي جرت في موسكو يوم 25 مارس 2008 بين الرئيسين دميتري ميدفيديف وحسني مبارك وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون في ميدان الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
في يوم 23 يونيو 2009 جرت في القاهرة المباحثات بين الرئيس الروسي دميتري مدفيديف ونظيره المصري حسني مبارك . وتم بعد اختتام لقائهما التوقيع على عدد من الوثائق الخاصة بالشراكة الاستراتيجية بين البلدين .كما وقع الجانبان اتفاقية حول تسليم السجناء لقضاء محكوميتهم في الوطن ومذكرة تفاهم بين وزارتي الثروات الطبيعية في البلدين والبروتوكول حول التعاون في مجال التلفزة واتفاقية التعاون في مجال الرقابة على المخدرات وغيرها. وقع رئيسا روسيا ومصر معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا الاتحادية ومصر. وترسم هذه الوثيقة المؤلفة من 300 صفحة اتجاهات التعاون بين البلدين خلال السنوات العشر القادمة. وبالاضافة الى ذلك تم توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي العدل في الدولتين ومذكرة التفاهم والتعاون بين وكالة الأرشيف الفدرالية الروسية والمكتبة الوطنية المصرية وأرشيف مصر.
عهد الرئيس السيسي
في 14 نوفمبر 2013 قام وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ ووزير الدفاع الروسي سرگي شويگو بزيارة رسمية إلى مصر إلتقيا فيها وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، فيما سمي بلقاء "2+2". وأعلن شويگو بعد محادثات مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي عن الاتفاق مع الجانب المصري على توقيع اتفاقية تعاون مشترك في المستقبل القريب بين القوات المسلحة الروسية والمصرية. سيشمل الاتفاق تعزيز التعاون في مجال تعليم العسكريين وتدريب الكوادر للقوات المسلحة.
في 15 نوفمبر 2013، عرضت مؤسسة روس اوبورون إكسپورت على الجيش المصري شراء مروحيات قتالية وأنظمة دفاع جوي، وطائرات مقاتلة من طراز ميگ-29، وأنظمة للدفاع الجوي، وصواريخ مضادة للدبابات ,وكذلك صيانة وتحديث المعدات العسكرية السوڤيتية والروسية التي تم توريدها سابقاً.
في14 فبراير 2014 قام وزير الدفاع المصري المشير عبد الفتاح السيسي بزيارة لموسكو وعقد لقاء مع الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتن. وخلال اللقاء وصف پوتن قرار المشير السيسي الترشح للرئاسة في مصر بالقرار المسؤول متمنياً له التوفيق، قائلاً: "أعرف أنكم، قررتم الترشح لمنصب رئيس مصر .. إنه قرار مسؤول", وتم التوقيع على صفقة أسلحة تشمل طائرات ميگ-29، وأنظمة دفاع جوي من عدة طرازات، ومروحيات مي-35 ومنظومات صاروخية ساحلية مضادة للسفن، ومختلف أنواع الذخائر والأسلحة الخفيفة, وعقدت محادثات بين وزير الدفاع المصري ووزير الخارجية نبيل فهمي مع نظريهما الروسيين سرگي.
في أعقاب ثورة 30 يونيو، تبادل الزعيمين المصري والروسي زيارات في القاهرة وموسكو، استمرت أربعة أيام. ذهب السيسي إلى روسيا مرتين في 2014: في فبراير عندما كان لا يزال وزيراً للدفاع، وفي أغسطس بعد انتخابه رئيساً, وفي لقاء فبراير كانت تعتبر أول زيارة خارجية للسيسي بعد الإطاحة بمحمد مرسي،والتي أثنائها عرض عليه الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين دعم روسيا في السباق الرئاسي المصري قبل حتى أن يعلن السيسي عن خوضه الانتخابات الرئاسية.
پوتين يعتقد محادثات مع الرئيسي المصري عبد الفتاح السيسي في سوتشي
قام السيسي بزيارته الثانية في 12 أغسطس في منتجع سوتشي على البحر الأسود، وكانت هذه هي أولى جولاته لبلد غير عربي أو أفريقي منذ أدائه القسم الرئاسي قبل شهرين ,أثناء الزيارة، اتفق الرئيسين على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ,وعد پوتين بتسريع صفقات الأسلحة لمصر. "نحن نطور بنشاط تعاوننا العسكري والتكنولوجي"، كما قال پوتين للسيسي, وأضاف أنه تم التوقيع على پروتوكول مشابه في مارس وأن الأسلحة سيتم تسليمها لمصر.
أثناء اللقاء أُعلن أيضاً عن خطط للتجارة والاستثمار الاقتصادي،[11] وخلاله صرح پوتين أن مصر كانت تناقش إقامة منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الجمركي الأوراسي بزعامة روسيا والذ يضم أيضا بلاروس وقزخستان. بالإضافة إلى ذلك، فقد ناقش الزعيمين خطط لإنشاء منطقة صناعية روسية في مشروع قناة السويس الجديدة والذي كان السيسي قد أطلق مؤخراً،[15] فضلاً عن خطط لتجديد وتطوير المشروعات الهامة التي كان الاتحاد السوڤيتي قد أسسها.
في سبتمبر 2014، تم التوصل لاتفاقية تمهيدية بين البلدين لشراء أسلحة بقيمة 3.5 بليون دولار من روسيا، بالرغم من العقوبات الغربية على وسكو نتيجة لدخلها في الحرب في الدونباس.
عبد الفتاح السيسي وڤلاديمير پوتين، أثناء زيارته القاهرة، 10 فبراير 2015
في 9 فبراير 2015، بدأ الرئيس الروسي ڤلاديمير پوتين زيارة رسمية إلى مصر استغرقت يومين، رافقه فيها شخصيات اقتصادية روسية بارزة، مثل وزير الزراعة ووزير التنمية الاقتصادية ووزير الطاقة بالإضافة إلى رئيس مؤسسة الطاقة الذرية الروسية، والرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات المباشرة الروسي.
وخلال الزيارة قدم پوتين هدية للرئيس السيسي عبارة عن بندقية كلاشنكوف من طراز Ak-47، القاهرة، 10 فبراير 2015.
وتعمل روسيا في هذه الفترة، وفي ظل العقوبات الغربية المفروضة ضدها فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، تعمل على توسيع وتنويع علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع دول الشرق الأوسط وآسيا.
توقيع اتفاقية بين وزارة التنمية الاقتصادية الروسية ووزارة الاستثمار المصرية
أثناء زيارته التقى پوتين بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وتم مناقشة سبل تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية بين البلدين. وأكد السيسي أنه تم التوصل لاتفاق مع روسيا إنشاء منطقة تجارة حرة بين مصر والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بالإضافة إلى تنمية منطقة صناعية روسية في منطقة قناة السويس.
هذا ووقعت وزارة التنمية الاقتصادية الروسية ووزارة الاستثمار المصرية مذكرة تفاهم في مجال جذب الاستثمارات والمشاركة في تنفيذ المشروعات بين البلدين، كما وقعت وزارة الاستثمار المصرية والصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال الاستثمار المباشر بين البلدين.
ووقعت وزارة الكهرباء المصرية ومؤسسة الطاقة الذرية الروسية، بحضور الرئيسين الروسي والمصري، اتفاقاً مبدئياً لإنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في منطقة الضبعة في مصر.
وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الروسي سرگي لاڤروڤ
في 30 يناير 2023، أشاد وزير الخارجية الروسي سرگي لاڤروڤ بالموقف المصرى المتوازن والمسؤول تجاه الأزمة الأوكرانية والتي تدعو لحل الأزمة، مشيراً إلى أن بلاده مستعدة لسماع أى اقتراحات جادة لتسوية الأوضاع جميعها بشكل كامل وشامل، مؤكداً أنه استمع لرسائل وزير الخارجية سامح شكري لضرورة وقف روسيا لكافة العمليات العسكرية، منتقداً تصريحات الأمين العام لحلف الناتو التي تطرق فيها لضرورة هزيمة روسيا في أوكرانيا