هل المهدي المنتظر شخص حقيقي سيظهر يوما ؟ وهل هناك أي حديث صحيح يتكلم فيه الرسول صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه ؟.. أسئلة أجاب عنها الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
وقال علي جمعة: دلت الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن للساعة علامات صغرى تعقبها علامات كبرى ، ومن هذه العلامات ظهور المهدي عليه السلام؛ حيث إن الأحاديث التي جاء فيها ذكر المهدي كثيرة متواترة كما نص على ذلك حفاظ الحديث ونُقَّادُه، فقد قال الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبُرِيُّ [ ت 363 هـ ] رحمه الله تعالى في " مناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه ": "قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بمجيء المهدي ، وأنه من أهل بيته، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام يخـرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى عليه السلام خلفه في طُولٍ مِنْ قصته وأمره " ا هـ .
وتابع: الأحاديث التي جاء فيها ذكـر الإمام المهدي فيها ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف، ولكنها – لكثرتها وكثرة رواتها وكثرة مُخَرِّجيها – يُقوِّي بعضها بعضًا؛ حتى صارت تفيد القطع واليقين، وهذا بخلاف الآثار الكثيرة المصرحة بذكر المهدي عن الصحابة والتي لها حكم الرفع ؛ لأن مثل ذلك لا يُقال بالرأي ولا مجال للاجتهاد فيه .
وبين علي جمعة أن من مجموع الروايات الواردة في المهدي يتضح لنا أنه من بيت النبوة؛ من نسل السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، والإمام الحسين عليه السلام : جده لأبيه، والإمام الحسن عليه السلام : جده لأمه (أو العكس)، وهو شبيه في صورته بجَدِّه : النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ فوجهه كالكوكب الدُّرِّيِّ في الحُسن والوضاءة، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أكحل العينين واسعهما، أزَجُّ (أي دقيقُ الحاجبين طويلُهما)، أبلج (أي مفروقُ الحاجبين غير مقرونهما)، كث اللحية، برَّاق الثنايا، يواطئ اسمُه اسمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم واسمُ أبيه اسمَ أبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو لا يعرف نفسه ولا يدعو إلى مهديته، وإنما يختاره الناس فجأة ويبايعونه بين الركن والمقام وهو كاره بعد أن يهرب منهم مرة بعد مرة، ويتولى الخلافة وهو ابن أربعين سنة فيمكث فيها سبع سنين أو ثمانيًا أو تسعًا يعم فيها الرخاء والعدل وكثرة المال ، ويُكتَب له القبول في الأرض والسماء ، إلى غير ذلك من الصفات التي جاء ذكرها في الأحاديث الواردة فيه عليه السلام .
وأكمل: قد عُنِيَ بجمع الأحاديث والآثار الواردة في الإمام المهدي عليه السلام جماعة من العلماء؛ كالإمام أبي داود السجستاني [ ت 275 هـ ] في كتاب " السنن "، والحـافظ أبي نُعَيْم الأصبهاني [ ت 430 هـ ] في " الأربعين في أخبار المهدي "، والحافظ أبي العلاء الهمذاني الحنبلي [ ت 569 هـ ] في " الأربعين في المهدي "، والحافظ السيوطي الشافعي [ ت 911 هـ ] في " العرف الوردي في أخبار المهدي " ، والعلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي [ ت 973 هـ ] في " القول المختصر في علامات المهدي المنتظر " ، والمحدث المتقي الهندي [ ت 975 هـ ] في البرهان عن مهدي آخر الزمان " ، والشيخ ملا علي القاري الحنفي [ ت 1014 هـ ] في كتابيه " الرد على من حكم وقضى أن المهدي جاء ومضى " و " المشرب الوردي في أخبار المهدي " ، والإمام الشوكاني [ ت 1250 هـ ] في كتابه " التوضيح في تواتر ما جاء عن المهدي والدجال والمسيح"، والحافظ السيد أحمد بن الصِّدِّيق الغماري [ ت 1380 هـ ] في ردِّه على ابن خلدون ما أنكره من أمر المهدي وسمَّاه " إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون "، وشيخنا الحافظ المحدث السيد عبد الله بن الصِّدِّيق الغماري [ ت 1413 هـ ] في رسالته " المهدي المنتظر " التي جمع فيها طائفة من الأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة والتابعين الواردة في الإمام المهدي..وغيرهم كثير ممن يضيق المقام عن ذكرهم وسرد مؤلفاتهم في ذلك .
كما أوضح علي جمعة أن من الأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي عليه السلام : حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وحسَّنه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الْمَهْدِيُّ مِنِّي ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ ، أَقْنَى الأَنْفِ ، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا ، يَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ » ، وأصل هذا الحديث في صحيح مسلم بلفظ « يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ خَلِيفَةٌ يَقْسِمُ الْمَالَ وَلاَ يَعُدُّهُ » .
كذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلاً مِنِّي – أو مِنْ أَهْلِ بَيْتِي – يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي ، يَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا » .
قال الحاكم في "المستدرك" : " رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم ، وطُرُق عاصم عن زِرٍّ عن عبد الله كلُّها صحيحة على ما أصَّلْتُه من الاحتجاج بأخبار عاصم ؛ إذ هو إمام من أئمة المسلمين " ا هـ، وحديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عند أحمد وأبي داود وابن ماجه وغيرهم ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ يَوْمٌ لَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يَمْلأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا ».
ومنه حديث أم سلمة رضي الله عنها عند أبي داود وابن ماجه والحاكم وغيرهم وصححه ابن حبان ، ولفظ أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي ؛ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ » .
إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار الواردة في المهدي عليه السلام.
وشدد على أن المهدي عليه السلام ليس مُنْتَظَرًا عند أهل السنة؛ فلم يصدر من الشرع تكليف للأمة أو للأفراد بترقُّبِ ظهوره وتحسُّسِ مجيئه، وليس الإسلام متوقفًا في كماله ولا في تطبيق أحكامه على ظهور المهدي؛ بل الإسلام هو كلمة الله الأخيرة إلى العالمين وهو العهد الأخير الذي ارتضاه الله تعالى للبشر {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} (المائدة 3 )، وهو دين الله الذي جعله مرنًا مستوعبًا لعوامل التغير ؛ فأمر عباده بتطبيقه عبر الزمان والمكان والأشخاص والأحوال من غير أن يترقبوا في ذلك مهديًّا أو يُوقفوا العملَ على نزول مَنْ بُشِّرُوا بنزوله ، وإنما غاية المراد من رواية أحاديث المهدي ونهاية المقصود من معرفة أخباره وأخبار غيره – مما أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين يدي الساعة – هو التصديق بخبر المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم فيه واتباع ما أرشد إليه في ذلك كله عند ظهوره ، فإذا حصل شيء من ذلك وظهر ووافق الخُبْرُ فيه الخَبَر كان ذلك معجزة نبوية متجددة تشهد بجلاء على صحة خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا ما رآها الناس قالوا: { هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} .