شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور نظير عياد في فعاليات الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثاني للمناخ الأخضر والإدارة الذكية للمخلفات "حول تسريع وقف فقدان الأغذية وهدرها من أجل مستقبل صاف صفري"، والذي ينظمه المركز العالمي للإبداع والابتكار البيئي وريادة الأعمال، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب_شيخ الأزهر.
وقال الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها، إن هذا المؤتمر من الأهمية بمكان حيث يتناول قضية من القضايا المهمة، والتي ينبغي أن يكون الحديث فيها ضرورة حياتية، إضافة إلى أهمية محاور وجلسات ومناقشات هذا المؤتمر، والتي تناقش موضوعًا من الموضوعات المهمة تمس المجتمع وتؤثر عليه، مشيرًا إلى أن الحديث في هذا الموضوع يتناول ثلاث نقاط.
أضاف عياد أن النقطة الأولى تتمثل في علاقة هذا الموضوع بالمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، فالشرائع السماوية جاءت لهدف واحد وهو تحقيق الصلاح للفرد والمجتمع، باعتبار أن الدين في عرف العلماء هو وضع إلهي وضعه الله تعالى على لسان أنبيائه ورسله بغية تحقيق الخير للناس في الحال والفلاح في المآل، فالشريعة الإسلامية جاءت بمقاصد كلية تتمثل في حفظ الدين والعقل والنسل والمال والنفس، وهذه الكليات الخمس ترتبط ارتباطًا وثيقًا بموضوع هذا المؤتمر، وعندما نتحدث عن هدر الطعام وفقدان لثروات المجتمع فلا شك أن ذلك يتعارض مع ما جاءت به الشرائع السماوية والشريعة الإسلامية بشكل خاص.
أوضح الأمين العام أن النقطة الثانية تتمثل في أن هذا الموضوع يرتبط بالنظرة الكلية بالنعم التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان، التي لا تعد ولا تحصى وتستوجب الشكر كما قال تعالى: { لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، والكفر معناه الجحود وإنكار الفضل، وبالتالي عندما ننظر إلى قضية هدر الطعام والإسراف والتجاوز فيها؛ فإن ذلك يعد خروجًا عن الفطرة التي فطر الله عز وجل الإنسان عليها، وخروج عن حد الاعتدال، ووقوع في نهي الله عز وجل، مضيفًا أن مما يلفت النظر لأهمية العناية بالنعمة هذه النظرة الكلية التي جمعت فأوعت عندما قال تعالى: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، كما تواترت الأدلة عن النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة الاعتدال في الأمور كلها.
أشار عياد إلى أن النقطة الثالثة تتمثل في علاقة هذا الموضوع بمبدأ الاستخلاف، فالله تبارك وتعالى خلق الإنسان لمهمة عظيمة وهي الاستخلاف في الأرض، وهذا الاستخلاف لم يكن من باب الترف، وإنما قوامه عمارة الأرض واكتمال عناصر الكون كما قال تعالى: { هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، واللافت للنظر أن الشرائع السماوية اتفقت في أصول الشريعة والعقيدة والأخلاق، وبالتالي عندما نطالع نصوص الكتاب المقدس ثم ننتقل إلى القرآن نجد نوعًا من التناغم والتكامل والتناسق في هذه القضية باعتبار أن الاستخلاف والعمارة للكون لا تتحقق إلا بهذه النظرة الكلية المعتدلة التي تراعي متطلبات النفس الإنسانية وواقع الحياة التي تنظر إلى المال والطعام نظرة معتدلة.
وختم الأمين العام كلمته بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية نهت عن الإسراف في جميع المجالات حتى ولو كانت في مجال الطاعة والعبادة؛ فعندما مرَّ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بسَعدٍ وَهوَ يتوضَّأُ ، فقالَ : ما هذا السَّرَفُ يا سَعدُ ؟ قالَ : أفي الوضوءِ سَرفٌ قالَ : نعَم، وإن كنتَ على نَهْرٍ جار»؛ فإن كان الإسراف مرفوضًا في جانب الطاعة والعبادة فمن باب أولى ينبغي أن يراعى في موضوع هدر الطعام، والذي يلزم عنه مشكلات عديدة تدمر حياة الإنسان وتؤثر على استقراره.