نشر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، مقال على صفحته الرسمية على فيسبوك ، تحت عنوان “الجمال المعنوي في القرآن الكريم”.
وقال وزير الأوقاف، إن الكمال لله (عز وجل) وحده ، ولكلامه ، ولكتابه العزيز ، فهو كتاب الكمال والجمال لغة وأسلوبًا ومعنى ، فالجمال اللفظي والمعنوي معًا يتدفقان من كتاب الله (عز وجل) تدفقًا لا حدود له ولا شاطئ له ، يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني : هو الكلام الذي يهجم عليك الحسن منه دفعة واحدة ، فلا تدري أجاءك الحسن من جهة لفظه ، أم من جهة معناه ، فلا تكاد الألفاظ تصل إلى الأذان حتى تكون المعاني قد وصلت إلى القلوب.
وتابع: وقد عنى القرآن عناية بالغة بترسيخ كل جوانب الجمال في حياتنا ، فتحدث عن القول الحسن الجميل لكل الناس في قوله تعالى : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (البقرة : 83) ، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، موحدين أم غير موحدين ، بل طالبنا القرآن الكريم أن نقول ما هو أحسن لا ما هو حسن فحسب ، حيث يقول الحق سبحانه : {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (الإسراء : 53)، كما أن الحديث بالتي هي أحسن نعمة ومنّة وهداية وتوفيق من الله (عز وجل) ، حيث يقول سبحانه : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ }(الحج : 24)، وقد كان الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) دائمًا ما يتخيرون الألفاظ والكلمات الطيبة ، حيث مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على قوم يوقدون النار بالليل ، فقال : " السلام عليكم يا أهل الضوء" ، ولم ينادهم (رضي الله عنه) بأهل النار كراهية إدخالهم تحت لفظ أهل النار ولو لفظًا.
وتحدث القرآن الكريم عن الدفع الحسن الجميل ، وهو مقابلة السيئة بالحسنة ، وليس مقابلتها بالسيئة ، فمنزلة الصفح والعفو منزلة عظيمة وعالية ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }(فصلت : 34-35)، ويقول (عز وجل) : {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان : 63).
وتحدث عن التحية الجميلة ، فقال سبحانه : {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ الله كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء : 86) ، فالإسلام دين السلام ، ونبينا (صلى الله عليه وسلم) نبي السلام ، وتحيتنا السلام ، وتحية أهل الجنة السلام ، قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (الأحزاب : 44) ، وقال سبحانه : {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} (الرعد : 24) .
وتحدث القرآن الكريم عن " العطاء الجميل"، وهو الذي لا مَنّ فيه ولا أذى معه ، حيث يقول الحق سبحانه :{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة : 262)، ويقول سبحانه : {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران : 92) ، وجاءت عجوز إلى الإمام الليث بن سعد (رحمه الله) تطلب كأسًا من العسل ، فقال : أعطوها زقًّا (وعاءً كبيرًا) فقالوا : يا إمام إنما طلبت كأسًا ، فقال : هي طلبت على قدر حاجتها ونحن نعطي على قدر نعم الله (عز وجل) علينا.