- الإمام محمد عبده أجازها.. ودار الإفتاء المصرية صدَّقت على الفتوى
- الإمام الراحل د. سيد طنطاوى: تُمثِّل مُدخرات المجتمع وتستثمر فى التنمية الاقتصادية
- د. فتحى الفقى: الشرع منح ولى الأمر الحق فى إصدارها حفاظاً على مصالح الناس
- د. محمد الحفناوى: هذه الشهادات حلالٌ ونحن مسئولون أمام الله عن هذه الفتوى
تتكاتف الشعوب مع مؤسسات الدولة فى وقت الأزمات الاقتصادية، وتسعى إلى النهوض بآليات الاستثمار من أجل تسيير عجلة التنمية إلى الحد الأقصى والأمثل بما يعود على المواطنين بالرفعة؛ بهدف الخروج من أية كبوات قادمة من الخارج، والحفاظ على الدعائم الأساسية التى تخلق أفقاً جديدة للتنمية تكوِّن مظلة اقتصادية تنعكس على المواطن بالإيجاب وتحميه من الأزمات الخارجية. وتم إصدار شهادات الاستثمار البنكى ورفع فوائدها ببعض البنوك، فى ظل التغيُّرات المالية الأخيرة التى طالت السوق المصرى، ما أثار الجدل مرةً أخرى حول مشروعية حكم شراء تلك الشهادات، ورغم أن الحكومة المصرية شكَّلت، فى عام 1903، لجنةً من علماء الأزهر؛ لدراسة موقف الشرع من حوافز أو مكافأة التوفير فى صندوق توفير البريد، وصدر نتيجة لهذه الدراسة، نظامٌ خاص لهذا النمط الجديد من أنماط الادخار والاستثمار.
وبعرض المشروع على الإمام الشيخ محمد عبده، بصفته مفتى الديار المصرية آنذاك، وافق عليه، مؤكِّداً بقوله إن الحكمة فى تحريم الربا ألا يستغل الغنى حاجة أخيه الفقير، بخلاف المعاملة التى ينتفع ويحرم فيها الآخذ والمعطى، والتى لولاها لفاتتهما المنفعة معاً، فإنها لا تدخل فى معنى "الربا" المُحرَّم شرعاً، وهو ما قال به الإمام الراحل محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، بشرعية فوائد "دفاتر توفير البريد".
تنمية اقتصادية
وفى تسعينيات القرن الماضيى، أفتى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور محمد سيد طنطاوى، وقت أن كان مفتياً لجمهورية مصر، بشرعية عوائد شهادات استثمار البنك الأهلى المصريى، حيث إنها تُمثِّل مُدخرات المجتمع، وهى بنص قانونها لا تستثمر إلا فى التنمية الاقتصادية للوطن، وبعائدٍ مضمون من الدولة، ففيها النفع الكبير لكلٍّ من الدولة وصغار المدخرين، وبعد توليه مشيخة الأزهر عام 1996، أصدر كتاباً بعنوان: "معاملات البنوك وأحكامها الشرعية"، صدرت طبعته الأولى عام 1998م، أحلَّ فيه فوائد البنوك باعتبارها من المعاملات الاقتصادية التى تتوقَّف على رضا الطرفين ولا علاقة لها بالربا، وأحلَّ فوائد الودائع وشهادات الاستثمار وتحديد البنوك سعر الفائدة، وعلى البنك أن يُحدِّد قدر الفائدة باعتبار البنك مستثمراً ذا خبرة يُعطى من يستثمر فيه أمواله أرباحاً.
منفعة متبادلة
وأصدر مجمع البحوث الإسلامية، فى أواخر عام 2002، أكبر مرجعية إسلامية فى العالم آنذاك، فتواه بشأن شرعية العوائد التى تؤديها البنوك إلى الأفراد الذين يُقدِّمون أموالهم ومُدخراتهم؛ لاستخدامها واستثمارها لحسابهم فى معاملاتٍ مشروعة، وقد جاء بها أن الذين يقومون بتقديم أموالهم ومدخراتهم إلى البنك ليكون وكيلاً عنهم فى استثمارها فى معاملاته المشروعة، مقابل ربح يصرف لهم ويُحدّد مقدَّماً فى مددٍ يتفق مع المتعاملين عليها، فإن هذه المعاملة بتلك الصورة حلالٌ ولا شبهة فيها، حيث لم يرد نصٌ فى كتاب الله أو السُّنة النبوية يمنع هذه المعاملة، والتى يتم فيها تحديد الربح أو العائد مقدَّماً، ما دام الطرفان يرتضيان ذلك، وتعود عليهما بالنفع.
مصلحة عليا
وأصدرت دار الإفتاء المصرية، عام 2015، ممثلةً فى الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بياناً يُوضِّح أن الاستثمار البنكى حلالٌ، وأن القرض المُحرَّم هو الذى يستغل حاجه الناس، أما البنك فلا، لأن البنوك لا تحتاج استغلال الناس، فالعبرة فى العقود للمعانى وليس للألفاظ، والعلاقة ليست علاقه قرض بين البنك والمودع، وإنما هى استثمار، وما يأخذه العميل فى إطار الربح حلالٌ، وفقه التعامل المالى احتل دراسةً واسعةً عند فقهاء المسلمين، وانتهوا إلى وضع قواعد محدَّدة فى التعامل مع البنوك، وعلى المواطنين تقديم المصلحة العليا للبلاد بما لا يتعارض مع الشرع.
مصالح الناس
وبعد إصدار القيادة السياسية لشهادات استثمار؛ إنعاشاً للاقتصاد المصرى، سعت "صوت الأزهر" إلى التأكيد على ما أفاده العلماء فى فحوى ما سبق، فيقول الدكتور فتحى عثمان الفقى، عضو هيئة كبار العلماء، عضو اللجنة الاستشارية العليا للفتوى بالأزهر، إن إصدار شهادات استثمار بنكى فى الوقت الراهن واقصار الأمر على بنكين فقط من البنوك الوطنية بنسبة 18%، وتحديدها بمدة زمنية لا تتجاوز العام، بهدف حماية الاقتصاد جائزٌ شرعاً؛ لما فى الأمر من ضرورةٍ تُقدَّر بقدرها، عملاً بالقاعدة الفقهية "الضرورات تُبيح المحظورات"، وقد منح الشرع الحنيف ولى الأمر الحق فى التصرُّف وفق المصلحة، حفاظاً على مصالح الناس، وفى ظل التضخم الحادث جراء الأحداث الواقعة، والاستغلال الواقع من بعض التجار وجب على ولى الأمر اتخاذ ما يلزم ؛دعماً لاستقرار الدولة، والقاعدة الفقهية تُؤكد "أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله"، وهنا يمكن القياس على الوضع الذى تم فيه إصدار شهادات الاستثمار بقناة السويس والتى أجماع غالبية الفقهاء على إباحة ذلك؛ دعماً لاقتصاد الدولة.
مواجهة التحديات
وأضاف الفقي أن الفقهاء المعاصرين اعتبروا الإيداع فى البنوك من دفاتر التوفير وشهادات الاستثمار ونحوها هو من باب العقود المستحدثة التى يبرمها أطرافها بقصد الاستثمار، وهى جائزة شرعاً؛ أخذاً بما عليه التحقيق والعمل من جواز استحداث عقود جديدة إذا خلت من الغرر والضرر، وبناءً على ذلك فإنه يجوز التعامل مع البنوك، وأخذ فوائدها، والإنفاق منها فى جميع وجوه النفقة الجائزة من غير حرجٍ، باعتبارها أرباحاً تمويلية ناتجة عن عقود تُحقِّق مصالح أطرافها، ولا علاقة لها بالربا المُحرَّم ولا تُعدُّ بحالٍ من الأحوال قرضا، لافتاً إلى أن الأرباح المقدَّمة على شهادات الاستثمار فيها تشجيعٌ للأفراد على الاكتتاب فيها حتى تتمكَّن الدولة من مواجهة التحديات ودرأ العقبات، ودفع عجلة الاقتصاد بأسلوبٍ عصرى.
حفظ الأموال
ويقول الدكتور محمد إبراهيم الحفناوى، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بطنطا، إن رأى الأزهر الشريف فى هذا الجانب واضحٌ فى شهادات الاستثمار، لافتاً إلى أن المؤسسات الدينية الرسمية أفتت بأن التعامل مع البنوك حلالٌ، ونحن مسئولون أمام الله على ذلك، مشدداً على أن الشرع الحنيف يحرص على تحقيق مصالح الناس وحفظ أموالهم، بما يُحقِّق الاستقرار، ولعل أخذ قانون الأحوال الشخصية فى مسألة الطلاق بالثلاثة فى لفظٍ واحدٍ طلقة واحدة، عملاً بما روى عن ابن عباس، وهو حديثٌ شاذ؛ لما فى ذلك من تحقيق استقرار المجتمع وحماية كيان الأسرة من التفتت، فى الوقت الذى اعتبر الفقهاء الأربعة، أن الطلاق يقع ثلاثة، ولما كانت المصلحة فى الأخذ به؛ قضى الفقهاء وقيادات المؤسسات الدينية بالأخذ به، ويندرج ذلك تحت فقه الموازنات يُعرف به أهل الاختصاص، لافتاً إلى أن احترام المؤسسات الدينية، التى تعمل على تغليب المصلحة العامة بعيداً عن الآراء الشخصية أمرٌ لابد منه، ولعل الذين يُثيرون الجدل فى هذه المسألة فى مقدّمة المتعاملين مع البنوك.
لا شبهة فيها
ويضيف الدكتور أحمد السودانى، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر، أن الشريعة الإسلامية تُراعى حاجة الناس وتحقيق مصالحهم، فأباحت لهم من المعاملات ما تستقيم به حياتهم، وتنصلح به أحوالهم، وجاءت النصوص بإباحة المعاملات كالبيع والشراء والإجارة والرهن وغيرها، كما أوجبت الوفاء بالعقود؛ كقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" وأخذاً من أن الأصل فى الأشياء الإباحة تصير الآية بذلك شاملةً لكل عقدٍ يُحقِّق مصالح أطرافه، موضحاً أن التعامل مع البنوك وفق اتفاق بين الطرفين، والإنفاق منها فى جميع وجوه النفقة جائزٌ من غير حرجٍ من منظور المقصود الاستثمارى، ومن باب التمويل والأرباح التمويلية الناتجة عن عقود تُحقِّق مصالح أطرافها، وتدعم الاقتصاد المصرى، فضلاً عن توفير بنية تحتية قوية وتقديم جميع الخدمات، وإقامة العديد من المشروعات التى تدعم اقتصاد الدولة وتعمل على النهوض به. واختتم السودانى: تحديد الربح مقدَّماً، أثناء استثمار الأموال مع البنوك، حلالٌ شرعاً ولا بأس به؛ لأن الذين يُودعون أموالهم فى البنوك مقابل ربح يِصرف لهم فى مددٍ متفق عليها، فهذه المعاملة بتلك الصورة حلالٌ ولا شبهة فيها؛ لأنه لم يرد نصٌ فى كتاب الله أو من السُّنة النبوية بمنع هذه المعاملة التى يتم فيها تحديد الربح مقدَّماً، ما دام الطرفان يرتضيان هذا النوع من المعاملة.