عن دار أوراق للنشر صدر كتاب "كيف أكلت الثورة أبناءها" للكاتب الصحفى شعبان خليفة، رئيس التحرير التنفيذى لجريدة النهار المصرية، والكتاب الذى يشارك به المؤلف فى معرض الكتاب بعد أيام من الآن يتناول زاوية جديدة في تاريخ ثورة يوليو 1952، وما ترتب عليها مع التأكيد على أن هذه ثمة ملازمة لكل الثورات.
فرغم أن الرئيس جمال عبد الناصر أحب رفاقه جدا، لكنه حين كان يحين الاختيار بين أحدهم وبين الوطن كان يختار الوطن، ويشير المؤلف إلى أن إدارة مرحلة ما بعد الثورة هي دوما أصعب من الثورة نفسها.
موضحاً أن الثورات المخملية، و حلم المدينة الفاضلة أفكار فلسفية، و خيال أدباء من الصعب أن يحققها الثوار أو يتحملها الواقع، و غالباً ما يعرف الذين يقومون بالثورات كيف تكون البداية، لكن المؤكد أنهم لا يعرفون كيف ستكون النهاية
حيث تتصارع الأيدلوجيات، وتصطدم الرغبات، وتحضر المطامع فى قاعات الاجتماعات و خارج القاعات، لينتهى الحدث لمشاهد تجسد كيف تأكل ثورة أبناءها؟.
يشير الكتاب إلى أن عدد التنظيمات داخل الجيش قبل قيام ثورة 23 يوليو 1952 بلغ حوالى 16 تنظيمًا لم يكن معظمها بالقوة المناسبة للقيام بثورة ضد الإحتلال الأنجليزى و الملك فاروق فى حالة عمله منفردًا ورغم العدد الكبير للضباط الوطنيين الذين كانوا على استعداد لإتباع ومساندة أى ثورة يقوم بها أى تنظيم داخل الجيش إلا أن ثمة حقيقة تلازم معظم الثورات أن لم يكن كلها وهى أن الأيدلوجية الحاكمة للتنظيمات المشاركة فى الثورات بل و الأفراد لا تكون واحدة و فيما يتعلق بثورة يوليو فأنه من المعروف أن تنظيم الضباط الأحرار لم يكن قبل الثورة إلا خليط من الشيوعيين والإخوان وغيرهم من التنظيمات الأخرى الموجودة فى هذه الفترة، وقد كان ذلك من أهم الأسباب التى ساهمت فى عملية الصراع داخل التنظيم ودفع كل مجموعة أيدلوجية إلى السعى لافتراس الأخرى لتحقيق مصالحها، و رؤيتها على حساب الأيدلوجيات الأخرى داخل التنظيم، ولم يعد مصطلح رفيق الثورة والكفاح ذا أهمية كبيرة فى طبيعة المواجهات التى جرت بين أفراد التنظيم و التى تجرى عقب الثورات.
كانت البداية وليمة جماعية لما يسمى اللجنة التأسيسة للضباط الأحرار ففى أحد اجتماعات الضباط الأحرار جرى حديث بين الضباط ؛ فقال جمال منصور: نحن نرفض أى نظام سوى النظام الديمقراطى، وإننا لم نخلع فاروق لكى نأتى بـ13 فاروق، فى إشارة منه إلى عدد أعضاء مجلس قيادة الثورة الـ 13 و هو تعبير قريب من تعبير الرئيس محمد نجيب الذى قال إن زملاء الضباط الأحرار يقولون إننا خلعنا ملكاً و جئناً بـ 13 ملكاً
وبسرعة البرق طار أحد العسس إلى جمال عبدالناصر وأخبره الخبر؛ فسارع عبدالناصر وجمع أعضاء مجلس قيادة الثورة، وقال لهم: «لقد سبق أن حذرتكم من مخاطر الصف الثانى وضرورة التخلص منهم لأن أى عمل مضاد للثورة لن يأتى إلا على يد هذه الجماعة، وها أنا أحذركم مرة أخرى من هؤلاء الضباط وإلا كانت العواقب وخيمة.. فلا أريد أن تهتز الكراسى من تحتكم»، واستمر اجتماع مجلس قيادة الثورة حتى الفجر ليصدُر قرار فى النهاية بإبعاد جمال منصور عن سلاح الفرسان ونقل عبدالحميد كفافى ومصطفى نصير إلى أعمال إدارية، وعلق جمال منصور على هذه القرارات بأنها.. ثورة تأكل أبناءها.
لقد كان جمال عبدالناصر يخشى من فريق موجود داخل صفوف الضباط يريد للأوضاع أن تعود لما قبل الثورة عبر استخدام كلمة " الديمقراطية " و التى كان المراد منها ديمقراطية ما قبل الثورة و هو فريق كان موجوداً بالفعل بين صفوف الضباط و كان له تاثيرة الكبير على العديد من قرارات عبدالناصر للتخلص من رفاق له يتناول الكتاب عدد من ابرزهم
لدرجة أن كلمة الديمقراطية هى الكلمة السحرية التى تعلن نهاية من ينطق بها رغم أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة كانت من المبادئ الستة للثورة، وربما يعود هذا لمدلول الكلمة فى ذلك الوقت , كما اشرنا والذى كان يعنى ديمقراطية ما قبل الثورة التى تفرض هيمنة الأحزاب و الإقطاع.
بعد هذه المرحلة من الأكل الجماعى بدأت سلسلة الأكل المنفرد بيوسف صديق ثم محمد نجيب.. ثم خالد محيى الدين و.. وكان المشير عبدالحكيم عامر ختامها المأساوى بعد أن انتحر أو بعد أن انتحروه على أثر نكسة يونيو 1967 ميلادية.