قال الإمام الأكبر، أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن تشريعات الدين الإسلامي قد أمدت الإنسانية بزخم من القيم والمفاهيم والأحكام، التي تعد من أروع ما عرفه تاريخ الحضارات الإنسانية قديما وحديثا، مؤكدا أن هذا أمر مسلم به لدى المنصفين من المفكرين، حتى ممن لا يؤمن بالإسلام.
وأوضح الإمام الأكبر، خلال الحلقة الخامسة من برنامج "الإمام الطيب" أن معقد الإعجاز في تشريعات هذا الدين الحنيف، أنها صدرت من نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب، ولد وعاش في بيئة صحراوية تقتات على مظالم العباد والتمييز بين الناس على أساس من العرق والعصبية والمكانة الاجتماعية، والسلب والقتل والإغارة على الضعيف واستعباده، فخرج ليعلن أن الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، ويضع نهاية لكل مفاسد المجتمع الجاهلي في الاعتقاد والاجتماع والاقتصاد والحكم والتشريع، وينجح في أن يصنع من هذا المجتمع الموبوء أبطالا حرروا العالم شرقا وغربا من ظلم الأكاسرة، وجور القياصرة، في فترة زمنية بالغة القصر.
وأضاف فضيلته أن الأكثر دهشة وإعجازا في أمر هذا الدين أنه يحفل بتشريع صالح للتطبيق في مجتمعات القرن الواحد والعشرين، كما كان صالحا للتطبيق من قبل على مدى ما يقرب من ألف وخمسمائة عام من عمر الزمان، بل لا يزال إنسان اليوم يرنو إلى هذا التشريع، وإلى ما يشتمل عليه من مصالح للفرد والمجتمع، كما يرنو المريض إلى الصحيح المعافى.
ورد فضيلة الإمام الأكبر على شبهة ارتباط التشريعات الحديثة بالقرآن والسنة، واعتمادهما كمرجعية لمسيرة الاجتماع الإسلامي المعاصر، رغم بعد العهد بنزول هذه التشريعات وانقضاء أزمانها، ,موضحا
أن واقع الأمة الإسلامية، وتاريخها، يؤكد أن «فقه» هذه الأُمة وتشريعاته الإنسانية العميقة في مجال الثوابت والمتغيرات، كان من وراء قوة هذه الأمة، وصمودها واستمرارها عزيزة الجانب بين الأمم والشعوب.
وطالب فضيلة الإمام كل من يحاول السخرية من الفقه والتراث الإسلامي، بأن يقرؤوا تاريخ فتوحات المسلمين، ويقفوا عند أبرز محطاته؛ ليعلموا أن المسلمين طووا تحت جناحهم أعظم وأعتى دولتين في الشرق في تاريخ العصور الوسطى، وانتصروا عليهما انتصارا حاسما. كما تسلم المسلمون بيت المقدس، وانكشفت لهم -بعد ذلك- أراضي العراق والشام وإيران وأرمينيا وأذربيجان، وبلاد الأندلس وأفريقيا، مشرقها ومغربها، وإندونيسيا والصين وغيرها، قائلا "هل فتح المسلمون هذه البلاد وبقوا فيها حتى اليومِ بشريعة «منتهية الصلاحية» كما يقولون؟!" مؤكدا أن هذه الشريعة كانت إلى عهد قريب هي المصدر الذي يمدهم بالثبات والصمود، حتى وهم في أحلك عصورهم ضعفا وتيها وهوانا على الأمم!!"
وأوضح فضيلة الإمام إن المشكلة ليست في الفقهِ ولا في الشريعة، وإنما في الكسل الذي أُصيبت به أمتنا، والتشرذم الفكري والثقافي، بل العجز عنِ «استثمار» المخزون المعرفي، في أعظم تراث على وجه الأرض، وانتقاء ما يصلح منه لمعالجة قضايانا المعاصرة، والبناء على أصوله ومبادئه في إطار قاعدة «الثابت والمتغير»، التي جاء بها القرآن الكريم، وبينتها السنة المشرفة.